والتبعية أيضا إدمان
بالرغم من أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وكرمه على سائر المخلوقات، إذ خصه بالعقل والإرادة والفطرة السوية التي يستطيع بها تمييز الخطأ من الصواب، والقبيح من الحسن، إلا أن كثيرًا من بني آدم يأبى إلا الانقياد خلف غيره.
بالرغم من أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وكرمه على سائر المخلوقات، إذ خصه بالعقل والإرادة والفطرة السوية التي يستطيع بها تمييز الخطأ من الصواب، والقبيح من الحسن، إلا أن كثيرًا من بني آدم يأبى إلا الانقياد خلف غيره. وتلك بحق مأساة، فهي تبدأ على مستوى الأفراد ثم تنتهي على مستوى الأمم والشعوب. فتسليم النفس قيادها لغيرها دون أية محاولة للتفكير أو التبصر فيما هي مقبلة عليه هو شيء في منتهى الخطورة. ولن نطيل الوقوف لفهم أو معرفة أسباب ذلك، لأنها لن تخرج كثيرًا عن جهل المرء بقيمته الحقيقية، وبالتالي فقدان ثقته بنفسه، وقلة ثقته بخالقه عز وجل الذي قال: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [سورة الإسراء آية:70].
ولم يقل كرمنا بعض بني آدم، ولكن بعضهم مصر على اختيار الموضع الأدنى.
لكن ما يستحق الوقوف فعلا هو النتائج التي ترتبت على هذا الأمر في حياة أمتنا الإسلامية ككل؛ والتي كانت فيما سبق صاحبة القيادة والريادة على سائر شعوب العالم، ثم أصبحت كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم كالغثاء فقد قال: «
» (سنن أبي داود؛ رقم: [4297]).وذلك سبب ونتيجة معا لإدمان التبعية لغير المسلمين، و يا للعجب أن ذلك بعد أن أصبح الغالبية العظمى من المسلمين على دراية تامة ووعي تام بتربص الحاقدين على الإسلام بسبب الفتوحات الإسلامية قديمًا شرقًا وغربًا، وبدلا من أن يحمدوا الله على هذا الفتح العظيم الذى أخرجهم ليس من ظلمات العقائد الفاسدة فحسب؛ بل من ظلمات الجهل بشتى أنواعه فقد كان دخول الإسلام ديار هؤلاء الناقمين الحاقدين عليه نقلة حضارية، لم يكونوا ليحلموا بها يومًا ومع ذلك فما زالوا يحملون النقمة الشديدة على المسلمين ويخشون أيما خشية أن تقوم لهم قائمة مرة أخرى تطمس هويتهم، تلك الهوية التي كانت يوما ممسوخة بسبب العقائد المحرفة وصارت اليوم أكثر مسخًا عندما تبرأت من كل العقائد.
ومما يضاعف الشعور بالمرارة أن أصحاب تلك الهوية الشوهاء أكثر إصرارًا على رفض التبعية للإسلام مرة أخرى بالرغم من كونها لصالحهم، في الوقت الذى يصر فيه كثير ممن حظوا بشرف الإسلام على التبعية لتلك الكيانات المفتقرة لأهم وأعظم قيمة حقيقية ألا وهي الدين. ونظرًا لازدياد تفاقم تلك الظاهرة المؤسفة في حياة المسلمين فلا بد من محاولة إيجاد حل لها في مناقشة أمرين:
أولا:هو كيفية القضاء على التبعية العمياء داخل المجتمع الإسلامي نفسه ومحاولة الفرد تحرير نفسه بنفسه، وأن يكون المحرك الأساسي لكل سلوكياته هو الدستور الرباني المستمد من القرآن والسنة وليس من فكر غيره أي كان، فهو قد يصيب و قد يخطأ.
ثانيا:اذا كانت التبعية لغير المسلمين شيئًا مذمومًا وهم الآن أكثر تقدمًا وقوة؛ فمجرد مقارنة بسيطة بين نمط حياتنا ونمط حياتهم نجد أنهم يصدرون إلينا أسوأ ما لديهم من سلع فكرية وإعلامية واستهلاكية لا يستخدمونها هم الا على أضيق نطاق فهم لا ينفقون فيها كل هذه الأوقات والأموال فى حين أننا نقبل عليها بنهم وشراهة....ولاحول ولا قوة إلا بالله.
أما نحن فقد صدرنا اليهم أعظم ما أتى به ديننا من قيم متمثلة فى أهمية الوقت، وأهمية العلم، وتقدير العمل، والمحافظة على المواعيد، والمحافظة على النظافة ،والوفاء بالعهود، والتزام النظام والدقة، والشعور بالانتماء وما يفرضه من واجبات...ونعود مرة أخرى فنقول لنتخلص أولا من التبعية الصغرى في الداخل فنتحرر من التبعية الكبرى، فدستور الخالق جاء تامًا كاملا والتبعية له أولى ومنجاة وحتى لا ندخل في من أخبر عنهم الرسول محذرًا عندما قال: « » (صحيح البخاري، رقم: [3456]).
المراد بقوله صلى الله عليه و سلم (فمن) هو إنهم فعلا اليهود و النصارى.
- التصنيف:
- المصدر: