القدس تهود، فهل من نصير؟؟

منذ 2014-04-03

أقول للأمة الإسلامية بأن مدينة القدس ليست لأهل فلسطين وحدهم، بل هي لجميع المسلمين في أرجاء المعمورة شأنها شأن مكة المكرمة والمدينة المنورة. وأن المسجد الأقصى شأنه شأن الحرم المكي والمسجد النبوي، والمسؤولية مشتركة ولا مجال للتهرب من المسؤولية.

منذ أن بدأت السلطة الفلسطينية مسيرة التنازل في المفاوضات، وجدت (إسرائيل) بذلك مصوغاً شرعياً لمواصلة تعنتها وفرض واقعاً جديد على الفلسطينيين والمسلمين من خلال تهويد مقدساتهم وطردهم من أرضهم، لأن قلّة منهم استباحوا العمالة وجعلوها مهنة رائجة للمتاجرة في بلادهم. 

فلم يخرج بيان إسلامي يضع حداً لعملية تهجير أكثر من مئة ألف مواطن مسلم من مدينة القدس، و بالرغم من ضخامة أعدادهم وثرواتهم إلا أنّ المسلمين لم يفلحوا بأن يضعوا حداً لهدم المقدسات في مدينة القدس التي هي أولى القبلتين ومسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم. 

وآخر جرائم اليهود فيها بأن قاموا ببناء (متحف التسامح) على أنقاض مقبرة المأمون الإسلامية بعد أن أزالوا القبور التي عُمرها مئات السنين منها؛ لذلك تحدث موقع "البيان" مع الشيخ عكرمة صبري خطيب المسجد الأقصى ومفتي الديار المقدسة واستطلع موقع "البيان" منه حال القدس الأسيرة في ظل انشغال المسلمين عنها، وكان الحوار التالي:

البيان: ما الحكم الشرعي لمن يبيع أرض لليهود أو الأجانب في فلسطين بعامة وفي القدس بخاصة، سواء كان ذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة (بالتحايل)؟

سبق أن صدرت فتوى شرعية عام 1934م وقع عليها علماء فلسطين كافة كما أيّدها علماء الأزهر بمصر  وعلماء النجف في العراق وعلماء الهند والمغرب وغيرهم. كما تضمنت الفتوى بمقاطعة البائع أو السمسار، و عدم تغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين حال وفاته حيث إنه خائن للأمانة وخارج عن جماعة المسلمين.

ولا تزال هذه الفتوى الشرعية قائمة ومعمول بها ، وقد سبق أن أعلنّا تأييدنا لها، وأشرنا إلى مضمونها عدة مرات في خطب الجمع وفي المحاضرات والندوات التي شاركنا فيها.

البيان: كيف ينظر الشرع إلى عملية تبادل الأراضي التي تطرح في القدس في مفاوضات السلام التي تقوم بها السلطة الفلسطينية؟

لقد أصدرنا فتوى شرعية تحرّم إجراء عملية تبادل الأراضي في القدس بخاصة وفلسطين بعامة، لأن تبادل الاراضي هو إقرار بالاحتلال، وإضفاء الشرعية له، وتحقيق أهدافه، بأن تكون دولة الاحتلال دولة يهودية. حيث إنّ اقتراح تبادل الأراضي كان من قبل الاحتلال ويريد أن يفرض رأيه على الجانب الفلسطيني.

بالإضافة إلى أن إخواننا في مناطق 48 يرفضون فكرة تبادل الأراضي جملة وتفصيلاً؛ لأنهم أصحاب حقّ شرعي في أراضيهم؛ ولأنهم يمثلون قوة وتأثيراً في مواقعهم.

البيان: كيف تتصدون لمخططات التهويد في المدينة المقدسة؟

إنّ إمكانات أهل القدس محدودة لأنهم محاصرون فكأنهم في سجن كبير، ولا يوجد لمدينة القدس ميزانية خاصة لدعم المؤسسات المقدسية من صحة وتعليم...، ومع ذلك فإنّ أهل القدس مرابطون ثابتون متمسكون بأراضيهم وبيوتهم، وأنهم لا يخضعون للإغراءات المالية التي تعرض عليهم، كما لا يستسلمون بالتخويف والتهديد من قبل الاحتلال.

ثم لماذا تصل المليارات من الدولارات إلى خزينة الاحتلال من اللوبي الصهيوني العالمي ومن الدول الغربية... ولم تصل الأموال اللازمة لأهل القدس المرابطين؟! وكيف نستطيع أن نتصدى لمخططات التهويد في المدينة المقدسة في حين أن الأنظمة والحكومات العربية تقف مكتوفة الأيدي تجاه القدس؟!

البيان: هناك شركات استثمارية تقوم بطرح أراضي للبيع للفلسطينيين في الخارج، هل يجوز التعاطي معها؟

إن الشركات الاستثمارية هي شركات مشبوهة جميعها بلا استثناء، فلا يجوز التعاطي معها.

البيان: هل هناك جهات عربية وإسلامية تقوم بدعم المقدسيين مالياً لوقف عمليات البيع التي تتم؟ وما هي الطرق التي تساعد المقدسيين على الصمود؟

من المؤسف والمؤلم أنه لا توجد جهات عربية وإسلامية لدعم المقدسيين مالياً لوقف عمليات البيع التي تتم!! ولا مجال لدعم صمود المقدسيين إلا بتخصيص صندوق لشراء البيوت المهددة بالمصادرة.

وكذلك لإقامة مشاريع إسكانية للأزواج الشابة، لأن أهالي القدس يعانون من أزمة سكن خانقة، وأن الإيجارات للبيوت ترتفع بشكل جنوني!!

البيان: هل تلجؤون للقضاء الدولي لمنع بناء الكنس اليهودية بجوار المسجد الأقصى، وما هي رسائلكم في الدفاع عن القدس ضد عمليات التهويد؟

لا فائدة ترجى من القضاء الدولي... ثم مَنْ الذي سيتولى رفع القضايا ضد الاحتلال الإسرائيلي؟ والمعلوم أن المحامين الذين يترافعون في القضايا الدولية يطلبون مبالغ باهظة لقاء أتعاب لهم!!

أما وسائل الدفاع عن القدس ضد عمليات التهويد تتمثل بالتمسك بالبيوت والعقارات وعدم الاستسلام للإغراءات ولا التهديدات. ونحن ننتقد بشدة موقف منظمة اليونسكو التي تلتزم الصمت إزاء التغييرات التي يجريها الاحتلال الإسرائيلي في مدينة القدس.

البيان: هل هناك إجراءات تتخذها السلطة الفلسطينية للحد من عمليات البيع؟

إن السلطة الفلسطينية لا تتدخل في موضوع القدس، لأنها وافقت على تأجيل موضوع القدس حسب اتفاقية أوسلو في حين أن الاحتلال الإسرائيلي مستمر في تهويد المدينة وتغيير معالمها وبناء المستوطنات في محيطها!

وان الاحتلال غير مكترث بالاتفاقات الدولية، وكذلك فهو غير ملتزم باتفاقية أوسلو.

البيان: ما هو حكم التعامل التجاري مع الشركات الاسرائيلية داخل القدس وفي الأراضي المحتلة؟

الأصل هو أنه لا يجوز التعامل التجاري مع الشركات الإسرائيلية، ولا بد من مقاطعتها.

ولكن لا نستطيع المقاطعة الكلية لأن الاقتصاد بيد الاحتلال الإسرائيلي، وهو الذي يتحكم في الاستيراد والتصدير أيضاً.

البيان: هل هناك حكم شرعي يمكن أن يطلق على أي عربي أو مسلم يعلم بعمليات التهويد واحتلال المسجد الأقصى ولا يتحرك؟

قلنا ولا نزال نقول: إن مَنْ يُقصّر في الدفاع عن القدس يكون آثماً شرعاً، وذلك استناداً إلى الأحاديث النبوية الشريفة:

1- يقول رسولنا الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي عن الله عزوجل: «وعزتي وجلالي لأنتقمنّ من الظالم في عاجله وآجلة، ولأنتقمن ممن رأى مظلوماً فقدر أن ينصره فلم ينصره» (رواه الطبراني في (الكبير، وفي (الأوسط) عن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وفي رواية «فلم يفعل» والمؤدى واحد).

2- يقول عليه الصلاة والسلام في حديث نبوي شريف آخر: «ما من امرئ مسلم يخذل مسلماً في موطنه يُنتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا خذلك الله في موطن يحب فيه نصرته» (رواه أبو داود في (سننه)، والطبراني في (الأواسط) عن الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه).

3- يقول صلى الله عليه وسلم في حديث نبوي شريف ثالث «مَنْ أُذلَّ عند قوم فلم ينصره، وهو يقدر أن ينصره، أذله الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة» (رواه أحمد، والطبراني عن الصحابي الجليل سهل بن حنيف رضي الله عنه).

فهذه الأحاديث النبوية الشريفة صريحة واضحة في وجوب النصرة، والتحذير من الخذلان.

وأنّ الله عز وجل سيحاسب من يقصر في أداء واجبه فيقول في سورة الصّافات {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ} [الصافات من الآية:24]، ويقول سبحانه وتعالى في سورة الشعراء: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88-89].

البيان: ما رسالتكم للأمة الإسلامية في هذا الموضوع؟

أقول للأمة الإسلامية بأن مدينة القدس ليست لأهل فلسطين وحدهم، بل هي لجميع المسلمين في أرجاء المعمورة شأنها شأن مكة المكرمة والمدينة المنورة. وأن المسجد الأقصى شأنه شأن الحرم المكي والمسجد  النبوي، والمسؤولية مشتركة ولا مجال للتهرب من المسؤولية، ثم هل إن اللوبي الصهيوني العالمي أغنى من العرب والمسلمين؟! فلماذا تتخلف الحكومات العربية والإسلامية عن دعم القدس مالياً؟

وأسأل الله العلي القدير أن تتهيأ الأسباب لتحرير البلاد.

وأن ينعم المسلمون الصلاة في رحاب المسجد الأقصى المبارك.

إنه سميع مجيب.

أخوكم الشيخ الدكتور عكرمة سعيد صبري- القدس

أحمد أبو دقة

المصدر: مجلة البيان
  • 0
  • 0
  • 1,932

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً