إن إبراهيم كان أمة - (6) هجرة إبراهيم عليه السلام
بعد أن قام إبراهيم عليه السلام بدعوة قومه بشتى الطرق والوسائل.. فلم يجد منهم إلا الإعراض، قرر أن يهاجر من بلدته إلى مكان آخر لينشر دين الله تعالى وليدعو قومًا آخرين لعبادة الله تعالى.
ونلاحظ أنه من فرط طيبة قلبه عليه السلام وحبه لقومه وعطفه عليهم فإنه لم يدعُ الله أن يُهلكهم أو يعذبهم وإنما فارقهم عليه السلام إلى ديار أخرى.. أما ما ورد في الإسرائيليات من أن الله سبحانه وتعالى عذبهم وبعث عليهم البعوض وغير ذلك فإنه لم يثبت بنص ثابت في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإن كان الله قد عذبهم أو أهلكهم فكان سيُذكر ذلك في القرآن بلا شك كما ورد ذكر باقي العذاب الذي وقع على باقي الأمم المكذبة برسلها.. والله أعلم.
قال العلامة السعدي رحمه الله تعالى: "ولكن لعل من أسرار ذلك، أن الخليل عليه السلام من أرحم الخلق وأفضلهم وأحلمهم وأجلهم، فلم يدع على قومه كما دعا غيره، ولم يكن اللّه ليجري بسببه عذابًا عامًا. ومما يدل على ذلك، أنه راجع الملائكة في إهلاك قوم لوط، وجادلهم، ودافع عنهم، وهم ليسوا قومه، واللّه أعلم بالحال". ا.هـ.
{وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [العنكبوت:26]. وهاجر إبراهيم عليه السلام من أرض بابل بالعراق إلى بلاد الشام؛ الأرض المباركة ثم ما لبث أن تركها وهاجر إلى مصر. وكان يحكم مصر في هذا الوقت رجل جبار من الجبابرة المتكبرين المتسلطين على الناس.. فكان هذا الملك الجبار كلما سمع بامرأة جميلة أرادها لنفسه فإن كان لها زوج قتله حتى يأخذها لنفسه، وكان إبراهيم عليه السلام يعلم بأمر هذا الملك الجبار فأخبر زوجته سارة بأمر هذا الجبار وطلب منها أن تقول إن سألها هذا الملك عن قرابتها بإبراهيم عليه السلام أن تقول إنها أخته.. وقد قصد إبراهيم عليه السلام أن سارة أخته في دين الإسلام.. وهذا من المعاريض التي تجوز أو ما يُسمى بالتورية ؛ وهو أن تأتي بكلامٍ له معنيان؛ معنى قريب، ومعنى بعيد، فالسامع يتوهم أنك تقصد المعنى القريب، وفي الحقيقة أنك تقصد المعنى البعيد. والأصل في مشروعيتها قوله صلى الله عليه وسلم: « » (رواه البيهقي في (السنن الكبرى): [10/199]).
وبالفعل حدث ما كان يخشاه إبراهيم عليه السلام.. فقد أخبر أحد أتباع هذا الملك أنه قد دخل رجل ومعه امرأة جميلة أرض مصر.. فأرسل هذا الملك الجبار إلى إبراهيم عليه السلام يسأله عن سارة فقال له إنها أخته ولما ذهب إليها إبراهيم طلب منها أن تخبر الملك أنها أخته. وأرسل هذا الملك الظالم جنوده إلى سارة ليحضروها فذهبت معهم فلما سألها عن إبراهيم أخبرته بأنها أخته.. فحاول هذا المتعجرف أن يمد يده ليمسها بسوء فشلّ الله يده فلم يستطع أن يحركها.. فلما رأى الملك ذلك طلب منها أن تدعو الله أن يفك عنه ما هو فيه ووعدها بألا يؤذيها، فدعت سارة الله سبحانه وتعالى فرجعت يد الملك كما كانت، فعاد هو في وعده وأراد أن يقترب منها مرة أخرى فشلّ الله يده.. فتوسل إليها أن تدعو الله أن يفك عنه.. فدعت الله ففرج عنه. فلما كانت المرة الثالثة التي أراد أن يقترب منها فشل الله يده فطلب منها أن تدعو الله وألا يمسها بسوء ففعلت.. فخاف هذا الملك وعلم أنه لن يقدر على الوصول إليها.. فتركها تذهب وأعطاه خادمة لتخدمها وهي السيدة هاجر.
وفي أثناء ذلك كان إبراهيم عليه السلام يصلي ويدعو الله جل وعلا أن يحفظ زوجته من بطش هذا الجبار.. فلما عادت سارة سالمة سألها إبراهيم عليه السلام عما حدث فأخبرته ما جرى وأخبرته أن هذا الملك أعطاها خادمة لتخدمها. وبهذا نجَّى الله سبحانه وتعالى إبراهيم وزوجته السيدة سارة من هذه المحنة العظيمة.. وقد وردت هذه القصة في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ورواها البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني سقيم} {بل فعله كبيرهم هذا} ». قال أبو هريرة: تلك أمكم، يا بني ماء السماء (رواه البخاري في صحيحه).
{سدرة المُنتهى
- التصنيف:
- المصدر: