أهوال القبر - سؤال الملكين ورؤية العبد مكانه
وتتوالى المفاجآت، فلا يكاد العبد يُفيق من داهية إلا وتأتي أخرى على إثرها، فهو ما زال في رعب من منظرهما؛ إذ يسألانه بصوت كالرعد، ينخلع معه القلبُ ويطير منه العقل، سؤالًا محددًا واضحًا صريحًا، والسؤال يحتاج إلى إجابة فورية.
- التصنيفات: الموت وما بعده -
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
وتتوالى المفاجآت، فلا يكاد العبد يُفيق من داهية إلا وتأتي أخرى على إثرها، فهو ما زال في رعب من منظرهما؛ إذ يسألانه بصوت كالرعد، ينخلع معه القلبُ ويطير منه العقل، سؤالًا محددًا واضحًا صريحًا، والسؤال يحتاج إلى إجابة فورية.
إنه الاختبار الذي قال عنه الحبيب المختار صلى الله عليه وسلم كما في (صحيح البخاري ومسلم) من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها: « ».
أخرج البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبًا، فذكر فتنة القبر التي يُفْتَن بها المرء، فلما ذكر ذلك ضجَّ (والضجيج: هو الصياح عند المكروه والمشقة والجزع؛ النهاية) المسلمون ضجة".
وفي هذا الامتحان يُسأَل العبد عن ثلاثة أسئلة:
ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه الترمذي عن البراء بن عازب حينما تكلم النبي صلى الله عليه وسلم عن المؤمن وتعرضه للفتنة في القبر فقال: « {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} » (السلسلة الصحيحة: [3/1391]).
أخرج ابن حبان والطبراني في (الأوسط) والحاكم في (المستدرك) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} ».
وعند البخاري ومسلم من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
« {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} ».
ويقول طاووس في قوله عز وجل: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} قال: "لا إله إلا الله"، {وَفِي الْآخِرَةِ}: "المسألة في القبر".
وقال قتادة رحمه الله: "أما الحياة الدنيا: فيثبتهم بالخير والعمل الصالح، وفي الآخرة في القبر".
يا طِيب كرامة المؤمن في قبره حين ينادي منادٍ من السماء: "أنْ صدَق عبدي"!
ويا طِيب مثواه حين يقول الملَكان له: "على اليقين كنتَ، وعليه متَّ، وعليه تبعث إن شاء الله".
وأخرج الترمذي وابن حبَّان بسند حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ».
وفي رواية أخرى: قال النبي صلى الله عليه وسلم عن العبد الكافر أو الفاجر: « (لا دريت ولا تلوت: لا دريتَ ولا تَبِعت الناس بأن تقول شيئًا يقولونه) » (السلسلة الصحيحة: [3/1391]).
وأخرج الإمام أحمد عن أبي قتادة رضي الله عنه في قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم:27]، قال: "إن المؤمن إذا مات أُجْلس في قبره، فيقال له: "مَن ربُّك؟" فيقول: "الله عز وجل"، فيقال له: "مَن نبيك؟" فيقول: "محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم" فيقال له ذلك مرات، ثم يُفتح له باب إلى النار، فيقال له: "انظر إلى منزلك من النار لو زغت"، ثم يُفْتح له باب إلى الجَنَّة، فيقال له: "انظر إلى منزلك من الجَنَّة إذ ثبتَّ"، وإذا مات الكافر أُجْلس في قبره، فيقال له: "من ربك؟ ومن نبيك؟" فيقول: "لا أدري، كنت أسمع الناس يقولون"، فيقال له: "لا دريت"، ثم يُفْتح له باب إلى الجَنَّة، فيقال له: "انظر إلى مجلسك من الجَنَّة لو ثبتَّ"، ثم يُفتح له باب إلى النار فيقال له: "انظر إلى منزلك من النار إذ زغت"، فذلك قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم:27]".
وأخرج أبو داود عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: « » (صحيح الجامع: [1926]).
يتضح ممَّا سبق أن هناك ثلاثة أسئلة محددة سيسأل عنها العبد، وهذه الأسئلة تحتاج إلى إجابة فورية صحيحة، فهيا نستعد لهذه الأسئلة من الآن، فإنه لا يجيب عنها إلا من عاش لها، فعرف ربه وعاش لدينه واتبع رسوله صلى الله عليه وسلم.
فعندما يسأل العبد عن ربه فإنه لا يجيب عن هذا السؤال إلا مَن عرف ربه في الدنيا وعبده.
فهل تعرفه حقًّا؟! معرفة تجعلك لا تعصيه، وتعبده كأنك تراه؟
فهل تعرفه حقًّا؟! معرفة تدعوك إلى الخضوع له والإذعان؟
فهل تعرفه حقًّا؟! معرفة تجعلك تعود إليه كلما أذنبت ترجو رضاه ولا تخشى أحدًا سواه؟
وكذلك عندما يُسأل العبد عن دينه، فإنه سيجيب عن دينه الذي يَدين لله به، ويخضع له، ويعيش في كنفه، ويلتزم بأوامره، ويتحاكم إليه في كل شؤونه.
وكذلك عندما يُسأل عن نبيه، فإنه لا يجيب عن هذا السؤال إلا من عرف النبيَّ صلى الله عليه وسلم حقًّا، واهتدى بهديه واقتفى أثره واستنَّ بسنته، فجعل النبيَّ صلى الله عليه وسلم إمامَهُ وقائدَهُ ومُرشدَهُ ودليله وأستاذه ومعلمَه، أمَّا من كان يُقلِّد الناس ويتبع هواه، فإنه يتلعثم في الإجابة؛ لأنه كان بعيدًا عن هديه فلا يهتدي لاسمه.
كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « » (صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب).
وأخرج البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ».
وانظر إلى قول هذا العبد عندما يقول: "سمعت الناس يقولون قولًا فقلتُ كما قالوا، أو كنتُ أقول ما يقول الناسُ فيه"، فهؤلاء لا يتحاكمون إلى شرع، بل يتحاكمون إلى العادات والتقاليد، وإلى كلام الناس، يقال لهم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا وكذا، فيقولون: بل قال فلان: كذا وكذا، ويقولون: بل قال الآباء: كذا وكذا، فهؤلاء يصدُق عليهم قول الحق سبحانه وتعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [البقرة:170].
فهَيَّا من الآن نستعد لهذه الأسئلة، حتى نستطيع أن نُجيب عنها غدًا بمشيئة الله وكرمه.
واحذر أخي الحبيب.. أن تكون عن الله من الغافلين، وعن شرعه من المُعرضين، وعن هدي رسوله من المخالفين، وفي ملذَّات الدنيا من المنغمسين.
وأُذكِّرك أخي أن الموت يأتي بغتة، وملك الموت لن يُؤجِّلك، وضمة القبر لن ترحمَك، فهيا استعدَّ من الآن لهذا اليوم العصيب، وارجع إلى رب العالمين قبل أن يأتيك اليقين، واستكثر الزاد ليوم الميعاد.
نسأل الله تعالى من كل خير دعا به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ونستعيذه جلَّ جلاله من كل شر استعاذ منه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والله تعالى أعلى وأعلم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
ندا أبو أحمد