ازدواجية ليبرالية: فضائح ملا وقس وحاخام.. وزلة شيخ
أمير سعيد
لقد ضرب لنا الليبراليون العرب أوضح الأمثلة في الستر على فضائح الآخرين، ودللوا بجلاء عن إيمانهم بوجوب هذه الفضيلة العظيمة فيما يتعلق بالطوائف وأصحاب الديانات الأخرى، إلى حد لم يعد يوجد في أمتنا من يباريهم في ذلك..
- التصنيفات: الواقع المعاصر -
لقد ضرب لنا الليبراليون العرب أوضح الأمثلة في الستر على فضائح الآخرين، ودللوا بجلاء عن إيمانهم بوجوب هذه الفضيلة العظيمة فيما يتعلق بالطوائف وأصحاب الديانات الأخرى، إلى حد لم يعد يوجد في أمتنا من يباريهم في ذلك؛ فقصب السبق لهم وهم أصحاب المثال العصري الرائد في ذلك، وإذا كان المخطئ من غير سوادنا الأعظم، أو كان على ملة تخالفنا فله الأعذار مجتمعة، ولا بأس من صرف الشواهد على الظنيات ووهب الأخطاء لفيض الإحسان!
لك (الستر) إن لم تكن سنياً؛ فإن كنتَ فسنجهل فوق جهل الجاهلينا، ولو كان خطؤك زلة فتوى أو خطأ تعبير أو عبارة محتملة أو هفوة أو ذنب عابر.. هذا ما يبرهن عليه تعاطي صحافتنا العربية ومواقعنا الإلكترونية وإعلامنا المرئي مع كل صغيرة تصدر من عالم مسلم وأخرى كبيرة تصدر من حاخام أو قس أو حتى (آية) من آيات الفرس التي كان لنا فيها عبرة.
الداعية الشيعي الفار إلى حضن بريطانيا الدافئ لم يتناوله الإعلام الخائن عندنا على أنه مهرطق مسيء للدين الإسلامي ومقدساته إلا لماماً، ولم تلاحقه صحافتنا العربية كما لاحقت صاحب الرسوم المسيئة، مع تشابههما في الجرم والخطيئة إلا قليلاً، وتجاهلت معظم القنوات المتلفزة تتبع أسباب هذه الإساءة وجذورها، والمعلن منها والمستور، والليبراليون الذين يهرعون إلى أبواقهم عندما يزل عالم أو شيخ في فتوى، أو في غالب الأحيان عندما يقلبون كلامه فيفهمون منه ما تريد قلوبهم المريضة، ويتلاطمون على رفض حكم الدين وتسلط رجال الدين، عميت أعينهم عن قراءة فتوى أصدرها (خامنئي) في يونيو، ربط فيها منصب ولاية الفقيه في إيران بحكم الرسول وبصلاحيات أئمة الشيعة، وضرورة التسليم لأوامره ونواهيه، وتأكيدات (أحمد جنتي) سكرتير مجلس صيانة الدستور الإيراني أن: "الله حول إليه مهمة الحفاظ على الثورة الإيرانية وديمومتها"! والذي ادعى في الشهر ذاته أنه يقابل (الإمام الغائب) في خلوة! لكنهم اليوم يطبلون له بسبب فتوى (زوجة النبي صلى الله عليه وسلم) -على حد وصفه- ويزمرون بلا فهم أو تفكير أو مسحة عقل،
والذين صدعوا رؤوسنا بمحاربة ما يشتم منه على بعد آلاف الكيلومترات رائحة التكفير من علمائنا السنة، زكمت أنوفهم فلم تشم رائحة ما قاله (محمد تقي مصباح يزدي) -الأب الروحي للرئيس الإيراني نجاد، وهو بدرجة (آية الله) الحوزوية- صراحة في يونيو الماضي عن أن: "من ينكر ولاية الفقيه متعمدا فهو مرتد"، بعد أن ارتمى مقبلاً حذاء مرشد الثورة علي خامنئي ـ بحسب مواقع إيرانية ـ ولم ينبسوا ببنت شفة عن هذا المعتقد الإقصائي التكفيري وأتباعه في عالمنا العربي والإسلامي، وهو لم يتورط في تكفير آحاد من ملاك فضائيات إباحية، بل شطب بممحاته التكفيرية أكثر من مليار ونصف المليار مسلم من ديانة الإسلام لا يؤمنون بخرافة (ولاية الفقيه) بل كل المسلمين على مر العصور، لا بل حتى السواد الأعظم من الشيعة قبل قرون ثلاثة لم يكن فيها الشيعة يعرفون إلا ولاية الإمام وليس ولاية الفقيه..
وعلى ذكر الإباحية وفضائياتها، هل حفلت وسائل إعلامنا التي أقامت مناحة على روح ميكي ماوس، وفاضت بكل قبيح على علماء السنة بأي حديث أو مقال أو تلميح أو تصريح عن فضيحة أكبر وكلاء السيستاني والمعتمد الرئيسي للمرجعية، ومسؤول هيئة الحج والعمرة في محافظة ميسان العراقية (مناف الناجي) الذي تحول من ممثل المرجعية إلى ممثل إباحي، وأثارت مقاطعه المرئية موجات عنيفة بين الشيعة أنفسهم في محافظته -لم تغطها تلك الوسائل وإنما اكتفت بتغطية الوكيل نفسه- تسبب بعضها في مقتل نساء كن ضحاياه وهدفاً لانتقام أهلهن بعد ذلك، قتلاً دفاعاً عن الشرف.
وهؤلاء الذين طاروا بمعلومات غير دقيقة عن أجور الدعاة التي نشرتها فوربس العربية المشبوهة، والتي أغلقت مجلتها فيما بعد، وأظهر ليبراليونا لوعتهم على أموال المسلمين الضائعة الذاهبة إلى جيوب الدعاة -وهي أجور في أبسط الأحوال وليست اختلاسات أو سرقات- مروا على خبر اتهام إمام المركز الإسلامي في مدينة ديربورن بولاية ميتشيغان (حسن القزويني) في يوليو الماضي بالاستيلاء على مبلغ من المال يقدر بـ(350 ألف دولار) جُمع عن طريق تبرعات أبناء الجالية العربية وتم تحويلها إلى مؤسسة والد القزويني في ولاية كاليفورنيا، وتجاهلوا عن عمد أخبار التدفقات المالية الذاهبة إلى بريطانيا لشراء قصور وفلل ومساكن فخمة لـ(آيات) وزوجاتهم وأبناء، لا سيما أولئك الذي يخادعون بسطاء طائفتهم بزهدهم المصطنع في العراق وإيران.
والذين قعدوا بكل صراط يوعدون ويصدون عن سبل الخير، يجهدون لتصيد أي هفوة أو ذنب عابر لشيخ سني أو عالم أو داعية، ولا يجدون غالباً فيعمدون إلى التأليف والاختلاق، أخطأت قعداتهم رؤية بابا الفاتيكان محاصرًا في لندن خلال زيارته لها بفضائح القساوسة الجنسية التي أضحت تلاحقه أينما ذهب كقرين لا يفارقه في كل مكان، كونها باتت ملفاً زاخراً لا تنقضي مفاجآته وأحداثه في بلدان أوروبا والأمريكتين، وسلوك لصيق بقطاع عريض من الكهنة لا مجرد حادثة ولا حتى ظاهرة هنا أو هناك.
وهم مرت عليهم منذ عام كامل أنباء أكبر فضيحة فساد وغسيل أموال قذرة في الولايات المتحدة، أبطالها خمسة حاخامات يهود من إسرائيل، وسوريا، إضافة إلى عشرات المعاونين في نيويورك ونيوجيرسي، لتبييض أموال تجارة أعضاء بشرية، واختلاسات وسرقات بعشرات الملايين من الدولارات، ولم نسمع لهم ركزًا طوال تلك الفترة كلها، كما لم نسمع لهم في الشهر نفسه عن ابتزاز الحاخام (يسرائيل رند) الذي أرسل إحدى الداعرات لأمين الكنيس الكبير بالقدس الحاخام (نفتالي هيرشطيك) من أجل تسجيل موقف عليه في مسعى للإطاحة به من موقعه بالكنيس والحلول محله، وأرسل من ثم صوره المشينة للكنيس الذي اضطر إلى عزله..
وإذا كانت تلك الفضائح سقطت في صحافتنا وإعلامنا بالتقادم؛ فكيف فاتهم أيضاً فضيحة الداعية اليهودي الذي ذكرت معاريف قصته هذا الأسبوع واصفة إياه بـ: "الأبشع في تاريخ جرائم الاغتصاب"، وأوضحت أن التحقيق يجري معه بعد أن اغتصب جميع أولاده (بنين وبنات) الأربعة العشر على مدى عدة سنوات، ومزق جلد أحد أولاده ومنع أطفاله من الأكل وكسر أسنان بعضهم!
والأحدث هو ما نقلته يديعوت أحرونوت أوائل أكتوبر عن مقال أكاديمي كتبه الحاخام (آري شفات) الخبير فيما يقال إنه: "الشريعة اليهودية" ينص فيه على: "أن الشريعة اليهودية تسمح للنساء اليهوديات بممارسة الجنس مع العدو من أجل الحصول على معلومات استخباراتية مهمة لأمن إسرائيل"، ويقدم نصائحه لأتباعه بالقول: "من الأفضل إعطاء هذه المهمات لنساء فاسقات"، وكلها معطيات يمررها القوم عندنا دون ضجيج انتظارًا لسمعة شيخ ضعيف ينهشونها، وموقف يتخذه يسلقونه عليه بألسنة حداد.
هذا.. فإن صدرت فتوى شاذة هنا أو لم ترُق لبعضهم، أو اتخذ شيخ أو عالم سنة موقف لا يرضيهم، أقاموا اللطميات وعقدوا المؤتمرات وحذروا وأهابوا وطالبوا.. ثم حرضوا على تكميم الأفواه الصادقة إلا أفواههم، وأبدوا -في لوعة مصطنعة بغيضة- حدبهم على الدين وشكله وسماحته، فسحقاً لناصية ليبرالية كاذبة خاطئة، لا ترى عيناها إلا القذة في عيون خصومها، وتتعامى عن الخشبة في عيون الحلفاء!