لون خفي من المسؤولية

منذ 2014-04-05

كل إنسان صغر دوره أم كبر، هو قدوة لسواه شاء ذلك أم أبى و كلما ارتفعت مكانته - أيا كان المقياس - أو ذاع صيته أو تعددت أدواره، زاد عدد مقلديه، و المغرور من غره الشيطان بذلك، فجعله يسعى إليه أو يتمناه أو يسعد به إن تم له، ولا يدري أنه يستدرجه لهلاكه ما لم يكن مدركًا لخطورة هذا الأمر.

قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [سورة الأحزاب:72].

هذه الآية لو ترددت في القلب كما تتردد البسملة على اللسان قبل البدء بأي عمل يقوم به المسلم - لأخذت المكانة التي تليق بها لتظل تذكره بذلك العهد الذي أخذه على نفسه والميثاق الذي وقعه بأن المسؤولية كانت اختياره، و بأنه ارتضى بالشرط الجزائي المدرج بهذا الميثاق.

فطموح الإنسان و حبه لتحقيق ذاته و ازدياد حجم الدور الذي يلعبه في المجتمع الإنساني جزء من تكوينه النفسي.

أما سبب وصف المولى جل و علا له بالظلم و الجهل هو إنه يقبل على تحمل المسئولية و هو يجهل عظم الأمانة التي حمل نفسه إياها، فيظلم الأخرين و يظلم نفسه قبلهم لأن من أختار المسئولية فلسوف يسأل.

و الإنسان المستثنى من الخسران هو الذي لا يلهث خلف المناصب و الرتب و الأوضاع التي تحمله مزيدًا من المسئولية و مزيدًا من الأعباء و التبعات ما هو ليس بكفؤ له، فيكون من الذين حملوا أوزارًا فوق أوزارهم!

ألا يكفي ما تسوقه إليه المقادير من أحمال فيسعى هو للمذيد منها، فقد قال صلى الله عليه و سلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته...».

وهذا يعني أن من اراد النجاة، فعليه أن يعمل جاهدًا ليكون أهلا  للمسئولية المنوطة به كبرت أم صغرت.

ومن المؤسف له أنه بالرغم من كون هذا الأمر يمثل أساسًا عقائديا يعيه جميع المسلمين إلا أن التعامل معه من قبل الغالبية العظمى لا يوازي خطورته - مع وضوح ماهية المسؤولية - فكيف يكون التعامل مع ذلك اللون الخفي من المسئولية و الذي سيزيد من أمد وقفة المحاسبة من قبل السائل الأعظم و المتمثل في لعب دور القدوة؟

فكل إنسان صغر دوره أم كبر، هو قدوة لسواه شاء ذلك أم أبى و كلما  ارتفعت مكانته - أيا كان المقياس - أو ذاع صيته أو تعددت أدواره، زاد عدد مقلديه، و المغرور من غره الشيطان بذلك، فجعله يسعى إليه أو يتمناه أو يسعد به إن تم له، ولا يدري أنه يستدرجه لهلاكه ما لم يكن مدركًا لخطورة هذا الأمر، فعليه أن يكون أشد محاسبًة لنفسه على كل صغيرة و كبيرة، و حريصا على كل ما يصدر منه من قول أو فعل لأن الجزاء سوف يتضاعف في الإساءة كما هو في الإحسان، و الحديث الشريف يبين ذلك إذ قال صلى الله عليه وسلم: «مَن سَنَّ سُنَّةً حَسنةً عُمِلَ بِها بَعدَه كان لهُ أجرُها ، ومثلُ أُجورِهِمْ مِن غَيرِ أن يُنتَقصَ مِن أُجورِهمْ شيئًا ، ومَن سَنَّ سُنَّةً سَيئةً عُمِلَ بِها بعدَه كانَ علَيهِ وِزرُها ، ومِثلُ أوزارِهمْ مِن غيرِ أن يُنتَقصَ من أَوزارِهمْ شيئًا.».

وهذا يستوجب على المسلم أن يكون صورة مشرفة لغيره يتطلعون إليه و يتعلمون منه فيكون بذلك مثلًا أعلى، لا مثلا أدنى ينشر رذائله بين البشر كما يفعل شياطين الإنس في كل زمان و مكان.

وهذا يقتضي من المسلم أن يبدأ بنفسه، بينه و بين نفسه فيطهر قلبه، و يسأل الله العصمة، و يلتزم طريق الله القويم، فيكون نموذجًا نقيًا قلبًا و قالبًا، و تتنافس سريرته مع علانيته و يتسابقان كل منهما يحاول التفوق على الآخر، و لنا في نبينا صلى الله عليه و سلم الأسوة الحسنة فظاهره إحسان في العبادة، إحسان إلى الناس دون رياء ولا نفاق، سريرته إخلاص لله و تفان في طاعته و مرضاته دون استتار أو احتجاب.

أعاننا الله على حسن التأسي برسولنا الكريم عليه الصلاة و السلام لنصبح قدوة لغيرنا، فنكون بذلك هداة مهتدين و الله سبحانه جعل ذلك أرفع و أسمى طموح لدى المؤمن حسب الدعاء الوارد في الآية الكريمة  {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان من الآية:72].

سهام علي

سهام علي

كاتبة مصرية، تخرجت في كلية الإعلام، وعضوة في هيئة تحرير موقع طريق الإسلام.

  • 1
  • 0
  • 1,371

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً