إما أنا أو سكان الشقة

منذ 2014-04-05

سمع عنك وعن حسن أخلاقك فأراد أن يكمل الطاقم بك، فجاءك يعرض عليك أن تسكن مع هؤلاء في الشقة. هل ستقبل العرض؟

تصور رجلا لديه شقة تقع فوق منزله، يريد أن يؤجرها مجانا لمن يجلب له راحة البال ويُرَفِّه عنه. حتى الآن اجتمع في الشقة: ممثلة عوجاء السلوك لكنها "مسلية"، ورجل أجرب كريه الرائحة لكنه "خفيف الظل"، ومطرب منحرف لكنه وسيم جميل الصوت. لم يحقق هؤلاء له راحة البال، لكنه تعود عليهم ويخاف أن "تجف حياته" إن طردهم.

سمع عنك وعن حسن أخلاقك فأراد أن يكمل الطاقم بك، فجاءك يعرض عليك أن تسكن مع هؤلاء في الشقة. هل ستقبل العرض؟

ماذا؟ ضايقك السؤال؟ وجدت العرض بحد ذاته مسيئا؟

معذرةً! لكن دعنا نواجه الحقيقة: قد كنا أقل لباقة إذ ظننا أنا أدخلنا "الدين" في حياتنا! قد كنا واهمين إذ ظننا أن هذا الذي "سمحنا له" أن يتدخل في جزء من قلوبنا، ويزاحم المستأجرين "المنافسين" الذين لا نريد التخلص منهم لأنهم "مُسَلُّون" تعودنا عليهم...قد كنا واهمين جدا إذ ظننا أن هذا هو دين الله! 

فإن كنت تعاليت عن سكن شقة هذا حالها فالله أعلى وأجل، وإن كنت غِرتَ على نفسك أن تزاحم هؤلاء المنافسين الأراذل فما أحد أغير من الله.

يغار سبحانه أن يختلط في قلب واحدٍ حبه والأنسُ به والشوق إليه مع حب المعاصي والأنس بها والشوق إليها! 

لذا، فالذي يعمر قلبك ليس الله، بل نموذج مـُحجَّم اصطنعته تكمل به الطاقم! تـُخضِعه ولا تـَخضَع له. فإذا وجدت نفسك تقول: "أريد أن أستقيم، لكن أخاف أن تجف حياتي"، فالسبب ببساطة هو أنك تظن الاستقامة تكون بطرد السكان السيئين وإبقاء هذا النموذج الـمُحجم وحده في الشقة. ونعم، لن يكون قادرا على أن يعمر قلبك حقا! لأنه -ببساطة- ليس الله!

لن تذوق حلاوة الإيمان إن كنت تريد أن "تجرب" الاستقامة فترة، فتطرد السكان السيئين من قلبك لكنك تقول لهم: "ابقوا قريبين، فقد أحتاج إليكم من جديد إن جفت حياتي"! 

فتحفظ خط الرجعة، وتبقي على ما يصلك بحياة الغفلة، وتعطي النموذج المحجم الذي ظننته الدين فرصة، وتجلس تنتظر منه الفتوحات والتَّجَلِّيات والنفحات حتى إذا لم يحصل من ذلك شيء عذرت نفسك وقلت: "جربت التدين ولم يحقق لي السعادة"، ولولا "العيب" لقلت: "جربت الله ولكن..."! ثم ناديت على سكان السوء لينساحوا في الشقة من جديد! 

خدعت نفسك يا مسكين! فالله يوقن به ولا يُجرَّب! إنما جربت بذلك ما اصطنعته لنفسك كما كان أحدهم يصنع صنما من عجوة ثم يسأله الرزق فلما لم يجبه أكله!

من أراد بصدق أن يعمر الله قلبه فعليه أن ينظفه ويهيئه ويطيبه ثم يـُملِّكه لله طواعيةً، تمليكا أبديا لا تأجيرا مؤقتا. قائلا: رب أسلمت نفسي إليك. رب إني نذرت لك ما في صدري محررا فتقبل مني. وهو في ذلك مستحٍ من هذه البضاعة المزجاة، خائف ألا يقبله الله، باحثٌ عن أي خلل في هذا القلب يمكن أن يسقطه من عين الله. قد أحرق سفنه على شاطئ الاستقامة لئلا يفكر في العودة إلى ماضي الغفلة.

حينئذ سيعمر الله قلبه حقا، وسيذوق حلاوة الإيمان حقا، ولن تجف حياته. 

نعم، سيهجم على قلبه لصوص السوء، فهو في النهاية بشر، لكنه يراهم لصوصا ويعاملهم كلصوص، فيستعين بالله على طردهم. 

أما أن تستأنس بهؤلاء اللصوص، وتسكنهم قلبك طواعية، ولا تبذل الجهد في طردهم وقطع العلائق بهم، ثم تمن على الله بقلب خَرِب كهذا تريد أن يعمره، فقد أسأت بالله الظن إذ ظننت أنه تعالى يقبل أن يزاحم هؤلاء! {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الزمر من الآية:67]. 

لذا، فيا من تقول: "أريد أن أجرب الاستقامة ولكن..."، ستفشل التجربة، والسبب معروف من جملتك! فالله يوقن به، ولا يـُجَرَّب. فأيقن، وأقبل على من قال في الحديث القدسي: «إذا تقرَّبَ العبد إليَّ شبرا تقربتُ إليه ذراعا، وإذا تقرب إليَّ ذراعا تقربتُ منه باعا، وإذا أتاني مشيا أتيته هَرولةً» (البخاري).

المصدر: صفحة الكاتب على الفيس بوك
  • 3
  • 0
  • 2,428

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً