النسمة الثانية: نعم بلا شكر (1)
خالد أبو شادي
كم عميت عيون عن رؤية نعم، فغفلت عن شكرها، فكان الحرمان جزاؤها والبعد عقابها والشقاء جليسها صباح مساء، فالمال نعمة: لأن الله عز وجل إنما أعطاك هذا المال لتشترى به الجنة: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة:111]. فهم عثمان بن عفان هذا فاشترى الجنة مرتين: مرة يوم سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من جهز جيش العسرة فله الجنة»، فجهز جيش العسرة، ومرة يوم سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من حفر بئر رومة فله الجنة»، فحفر بئر رومة، وهو مع ذلك قال عنه عبد الله بن مسعود: كنا إذا دخلنا عليه لم نميز بينه وبين خدمه!!
- التصنيفات: الزهد والرقائق -
كم عميت عيون عن رؤية نعم، فغفلت عن شكرها، فكان الحرمان جزاؤها والبعد عقابها والشقاء جليسها صباح مساء.
1. المال:
- المال نعمة: لأن الله عز وجل إنما أعطاك هذا المال لتشترى به الجنة: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة:111]. فهم عثمان بن عفان هذا فاشترى الجنة مرتين: مرة يوم سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « »، فجهز جيش العسرة، ومرة يوم سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « »، فحفر بئر رومة، وهو مع ذلك قال عنه عبد الله بن مسعود: كنا إذا دخلنا عليه لم نميز بينه وبين خدمه!!
أخي.. الإسلام لا يحرم عليك اقتناء المال، فإن نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم قال: « » (صحيح). وكذلك كان عثمان بن عفان ملياردير الصحابة، لكن هل صرفه ماله يومًا عن الجهاد في سبيل الله؟! كلا لأن المال كان في يده لا في قلبه، ولأنه عرف الحكمة من خلق المال.
ففى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: « » (صحيح كما في السلسلة الضعيفة).
النبي المعلم: ذبحت عند النبي صلى الله عليه وسلم شاة فتصدقوا بها جميعًا إلا الذراع، فقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "ما بقى عندنا إلا الذراع"، فصحح النبي صلى الله عليه وسلم العبارة وقال: « » (حسن كما في السلسلة الضعيفة رقم: 2544).
فما أنفقه هو الباقي الذي تدفعه ثمنًا لإنارة حفرة قبرك وتوسيع رقعتك في الجنة، ولخطبة الحور العين المنتظرة لك على شوق، أما ما أبقيته.. فعما قليل سيفنى وتحت الثرى سيطوى.
- المال نقمة: وفى المقابل قد يكون المال أعظم صارف عن الله، وأكبر عامل يلهي عن الآخرة، ويشغل الفاني عن الباقي كما هو حاصل في زمننا؛ لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «
فإن شراهة ابن آدم للمال لانهاية لها، ولو كان لديه واديان من ذهب لتمنى أن يكون له ثالث، فيدفعه شرهه إلى تحصيل المال من أي مصدر ولو كان حرامًا لتنمو طبقات اللحم الحرام في جسده، فإذا اكتمل نموها الخبيث لم يصلح أن تطهر إلا بالنار. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (صحيح كما في ص ج ص رقم 4519).
التاجر التائب: كان الحارث المحاسبي طفلا يلعب مع أقرانه أمام دكان تمار يوماً فأراد التمار أن يصرفهم عن محله فأعطاهم تمرات كانت سقطت من أحد المشترين، فانصرف الأطفال إلا المحاسبي فإنه أخذ يرمق التمار من مفرق رأسه إلى أخمص قدميه ثم انصرف عنه فلحق به التمار فقال: والله لا أتركك حتى تخبرني بما دار في خاطرك قال: يا رجل.. أتؤكل أبناء المسلمين السحت؟! أتؤكل أبناؤك الحرام؟! لو كنت مكانك لبحثت عن صاحب التمر بحث الظمآن عن الماء البارد، ثم تركه وانصرف، ففزع التمار وقال: والله ما تأجت بعدها في دنيا قط.
» (صحيح كما في ص ج ص رقم 2148).
2. الولد:
- الولد نعمة: إذا أحسنت تربيته، فكل حسنة يعملها توضع في ميزان أبويه اللذين ربيا وعلما، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم يخبر في حديث يحفز كل واحد على إحسان تربية أبنائه وتقويمهم فيقول: «
فبفضل ولده الصالح ترفع درجته بعد انقطاع عمله ويأسه من العودة إلى الدنيا ليعمل صالحًا غير الذي كان يعمل، ويا له من استثمار!! أربح استثمار.
هل تحب ولدك؟! إذ كنت تحبه بالفعل فاحرص على أن تزوده بالزاد الذي يبقى لينفعه في الحياة الأبدية لا أن تكتفي بالزاد الذي يفنى فلا يصل إليه منه شيئا في الآخرة. إذا كنت تحب ولدك حفظه القرآن، فإن الولد إذا حفظ القرآن ألبس والداه تاجًا ضوؤه مثل الشمس، ويكسى والداه حلتين لا تقوم بهما الدنيا جزاء ما قدماه وغرسا في ابنهما، ولعل هذا هو الذي دفع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أن يقول: "إني لأُكره نفسي على الجماع؛ رجاء أن تخرج نسمة تسبح الله".
ما أحلى موت الأبناء!! دخل أبي إسحاق الجبنياتي على ابنه عبد الله وهو يحتضر، فلقنه الشهادة.. فنطق بها ثم مات، فخرج على أمه فقال لها: أبشرى يا أم عبد الله.. لقد مات ابنك على الإسلام، وجعل ثوابه في صحيفتك، فتطيبي وارتدي أجمل ثيابك وأظهري شكر نعمة الله، ثم دخل حجرته وصلى ركعتين وارتدى ثوبا جديدا وخرج على الناس والبشر ظاهر عليه!!
وليس أبو إسحاق وحده بل كذلك الفضيل بن عياض حيث يقول عنه صاحبه أبو علي الرازي: صحبت الفضيل بن عياض ثلاثين سنة ما رأيته ضاحكاً مبتسما إلا يوم مات ابنه علي، فقلت له في ذلك، فقال: إن الله أحب أمرًا فأحببت ما أحب الله.
حل اللغز!! والسبب في هذا السرور العجيب هو ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم: « » (حسن كما في ص ج ص رقم 795). هل عرفت الآن لماذا وهبك الله العيال؟! يا أبو العيال.
أبناؤك جواهر.. قال أبو حامد الغزالي: الصبي أمانة عند واليه، وقلبه الطاهر جوهرة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش عليه، ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عود خيرا أو علمه نشأ عليه، وسعد في الدنيا ولآخرة أبواه، وإن عود شرا وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيم عليه.
» (صحيح كما في صحيح الجامع رقم 1617). - الولد نقمة: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «
أين هؤلاء من علي بن أبى طالب رضي الله عنه الذي رزقه الله أربعة عشر ولدا وخمس عشرة بنتا، ومع ذلك قال: "والله ما طمع الشيطان أن يوسوس لي يوما في أرزاقهم". وغير عليّ يسرق من أجل أبنائه، ويبيع آخرته بدنيا زائلة، ويذوق عذاب النار بنعيم فان، وليت هذا النعيم كان له بل لغيره.
احفظ الله يحفظك.. دخل مقاتل بن سليمان على المنصور يوم بويع بالخلافة، فقال له المنصور: عظني يا مقاتل. فقال: أعظك بما رأيت أم بما سمعت؟! قال: بما رأيت. قال: يا أمير المؤمنين .. عمر بن عبد العزيز أنجب أحد عشر ولدا وترك ثمانية عشر دينار، كفن بخمسة دنانير، واشترى له قبر بأربعة دنانير ووزع الباقى على أولاده، وهشام بن عبد الملك أنجب أحد عشر ولدًا، وكان نصيب كل ولد من التركة مليون دينار، والله يا أمير المؤمنين لقد رأيت في يوم واحد ولدًا من أولاد عمر يتصدق بمائة فرس للجهاد في سبيل الله، وأحد أولاد هشام يتسول في الأسواق!! » (صحيح كما في ص ج ص رقم 7160). مجبنة: تجعل الإنسان يسكت عن النطق بكلمة الحق خوفا من أن يلحقه سوء أو يلحق ولده، فيسكت عن منكر ويغض الطرف عن باطل. مبخلة: تدفع الإنسان الضن بأمواله عن الإنفاق في سبيل الله، اتباعًا لقول العامة وبئس ما قالوا: (ما احتاجه البيت حرم على الجامع). محزنة: فإن شيك ابنه بشوكة، أو ديس له طرف، أو مرض امتلأ فؤاد أبيه حزنا وشفقة عليه.