حل الشفرة الأسرية طريق السعادة
التآلف والتفاهم أساس الحياة الأسرية السعيدة، وأي بيت غاب عنه هذان المفهومان فقد اتبع السبل التي تتفرق عن سبيل الله، وأصبح بيته كبيت العنكبوت تحركه النسمة، وتتلفه القطرة، وتخترقه الحشرة.
- التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -
التآلف والتفاهم أساس الحياة الأسرية السعيدة، وأي بيت غاب عنه هذان المفهومان فقد اتبع السبل التي تتفرق عن سبيل الله، وأصبح بيته كبيت العنكبوت تحركه النسمة، وتتلفه القطرة، وتخترقه الحشرة.
ومن لا يستطيع أن يضع نقاطا ومعالم للتفاهم والتآلف بينه وبين زوجه، وبينه وبين أولاده، سيبقى في شقاء وتعب، وجهد ونصب، يلهث وراء السعادة ولا يصل إليها، ويحلم بالهناء في بيته ولا يجده على أرض الواقع.
ولعل الأصل الشرعي للتفاهم والتراحم في الحياة الأسرية يكمن في كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.
فمن الآيات قوله تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} [الروم :21]. فمقام المودة والرحمة؛ هو المقام الأساس في الحياة الزوجية ولا يمكن الوصول إليه إلا بالتفاهم والتآلف، بتآلف الزوج لقلب زوجته، وتآلف الزوجة لقلب زوجها وبتفهم الزوج لهموم زوجته ومشاكلها، وتفهم الزوجة مشاكل الزوج وهمومه.
ومن الأحاديث التي تحض على التفاهم والتآلف ما رواه المغيرة بن شعبه أنه خطب امرأة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « ». ومعنى قوله أحرى أن يؤدم بينكما: أي أحرى أن تدوم المودة بينكما.
ولكل شخص طباعه الخاصة التي أمتعه الله بها، فهو يعيش في هذه الطباع ويركن إليها، وتظهر هذه الطباع أكثر ما تظهر في حالات السرور الشديد والحزن الشديد.
ولمًّا كان الله سبحانه وتعالى قد جعل عقد الزواج على نية الديمومة بين الزوجين، كان لا بد لكلا الزوجين أن يسيرا باتجاه بعضهما اتجاها إيجابيا يحققا من خلاله التآلف المنشود والتفاهم المقصود ويحطمان كل ما يقف في طريق سعادتهما.
وكان من أحد سبل هذا السير الإيجابي هو معرفة طباع الرجل لزوجته، ومعرفة طباع المرأة لزوجها وهو الذي أسميناه (الشيفرة الأسرية).
فإذا كانت المرأة قد عقدت العزم على أن تسير باتجاه زوجها هذا السير الإيجابي وقررت أن تحطم كل ما يقف بطريق سعادتها كان لا بد لها أن تعرف زوجها حق المعرفة، وأن تسعى لتتعرف عليه، وعلى طباعه بشكل أكبر وبطرق مختلفة حتى تصل إلى حل الشيفرة الخاصة به؛ وبالتالي تصل بزوجها وبيتها إلى بر الأمان وشاطئ المودة والتراحم الذي ذكره الله وما يقال للزوجة يقال للزوج.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرف زوجاته حق المعرفة حيث روى الإمام مسلم والإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: "قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ». قالت: فقلت من أين تعرف ذلك. فقال: « ». قالت: قلت أجل والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك".
وقد قال في فتح الباري كلاماً لطيفا هذا نصه: "قوله « ». يؤخذ منه استقراء الرجل حال المرأة من فعلها وقولها فيما يتعلق بالميل إليه وعدمه، والحكم بما تقتضيه القرائن في ذلك، لأنه صلى الله عليه وسلم جزم برضا عائشة وغضبها بمجرد ذكرها لاسمه وسكوتها، فبنى على تغير الحالتين من الذكر والسكوت تغير الحالتين من الرضا والغضب".
فها هو النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا في هذا الحديث المبارك الاهتمام بطبيعة المرأة ومعرفة أحوالها والتصرف معها في كل حالة بما تقتضيها، وهذا أدعى إلى عدم الخلط ومعرفة الأحوال وبالتالي يصل باستقراء أحوال زوجته إلى الحكم الصحيح عليها؛ فيعاملها بما تقتضيه القرائن.
وهذه الشيفرة الزوجية مهمة جدا في حسن سير الحياة بين الزوجين، فإذا وصل الإنسان لحل هذه الشيفرة الخاصة بزوجته لاستطاع أن يقود سفينة بيته إلى شاطئ المودة والرحمة.
ومن لا يعرف ذلك سيصل بسفينته هذه إلى صخور التنافر لتحطمها وتكسرها وهو ما عبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكسر عندما قال: « » (رواه مسلم). وكذلك المرأة لا بد أن تتعرف على طباع زوجها وشيفرته الخاصة؛ لتهيئ الجو المناسب والرياح الهادئة لسير هذه السفينة.
خطوات على طريق حل الشيفرة الأسرية:
1 - النية الصادقة في معرفة الحقوق والواجبات:
عن عائشة رضي الله عنها قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « » (رواه البخاري)
قال في الفتح في شرح هذا الحديث: "يقول ابن الجوزي يستفاد من هذا الحديث أن الإنسان إذا وجد من نفسه نفرة ممن له الفضيلة والصلاح فينبغي أن يبحث عن المقتضى لذلك ليسعى في إزالته حتى يتخلص من الوصف المذموم".
ويبنى على كلام ابن الجوزي رحمه الله أن الزوج إذا كان يعرف أن زوجه من المشهود لها بالصلاح وهو لا يستطيع أن يتفاهم معها لا بد أن يعيد حساباته مع نفسه؛ فلعله يحمل صفة مذمومة هي التي تحول بينه وبين التفاهم مع زوجه، وكذلك يقال للزوجة، فلا بد إذن من وجود نية صادقة لحل هذه الشيفرة؛ فيسعى الإنسان لفك رموزها ولو كان بالتخلص من بعض الصفات التي يتصف بها.
2 - معرفة نمط تفكير الزوج ونمط تفكير الزوجة:
خلق الله البشر متفاوتين بطباعهم وتصرفاتهم وطرائق تفكيرهم، وهذا الاختلاف قائم إلى يوم الدين بين جميع البشر، والمسلم مطالب أن لا يصل هذا الاختلاف إلى النفور والهجر و البغضاء، بل مطلوب منه أن يقارب الأفكار المختلفة ويتعامل معها بحكمة وروية، فإذا كانت هذه هي الصفة العامة والراسخة في الإسلام بين جميع المسلمين، فهي بين الزوجين يجب أن تكون أكثر ترسيخا وأكثر وضوحا؛ إذ ينبغي أن لا يكون هذا الاختلاف سبباً في التنافر بين الزوجين، بل يجب أن يحصل نوع من التقارب وذلك من خلال معرفة طريق تفكير الزوجين لبعضهما.
يقول د. التكريتي: "لكل شخص نمط يغلب عليه فهو إما أن يكون صورياً أو سمعياً أو حسياً. هل رأيت مشهداً لزوج وزوجته يتجادلان دون أن يكون بينهما تفاهم فهو يقول مثلاً: جلبت لك فستاناً جميلاً وسواراً ثميناً، وهي تقول له: لم أسمع منك كلمة تعبر عن مشاعرك تجاهي. إن نمط تفكير الرجل هو صوري ونمط تفكير المرأة هو سمعي؛ فهي تريد أن تسمع منه كلاماً جميلاً، لا أن تنظر إلى الفساتين، وكان يمكن لهذا الرجل أن يرضي زوجته بكلمات قليلة" (د. محمد التكريتي - آفاق بلا حدود).
3- الاهتمام بالحالة النفسية لكلا الجانبين:
ولقد وضح ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان يعرف تماما حال زوجته (الحديث السابق).
حالة الغضب وحالة الرضا؛ فهو يعرف حالة الغضب في زوجته، ويعلم حالة الرضا وهذا مهم جدا في الحياة الزوجية حتى يضع الأمور في نصابها.
4 - الاهتمام بالحالة الجنسية لكلا الجانبين:
وهذا أمر مهم يعرفه كل زوج في زوجه. حيث يعتبر الزواج سبباً في استقرار الحالة الجنسية عند الطرفين، فلما يفقد أحد الطرفين الاهتمام به أمام الطرف الآخر؛ يحصل الاضطراب الذي يسبب كثيراً من المشاكل التي تكون سبباً في اختلال التوازن في الأسرة، والإسلام ذهب إلى أبعد من هذا، فقد طلب من الرجل ألاَّ ينزع عن زوجته حتى تنتهي حرصا منه على استقرار حالتها الجنسية ونيل حظها من زوجها.
إن الخطوات المتعددة في حل الشفرة الأسرية لا تقتصر على هذه النقاط الأربعة، بل إن هناك أمورا دقيقة لا يعرفها إلا الزوجين بين بعضهما، وحتى يصل الزوجان إلى سعادتهما الحقيقة، وإلى مقام المودة والرحمة؛ لا بد أن يتجنب كل واحد ما يزعج الآخر ويفعل ما يحبه، وعند ذلك سيتحققا في هذا المقام العظيم والهادئ.