دعاة تحرير المرأة، نتائج التجارب
أقبح ما هناك في الأخلاق، ما حصل من الفساد في أمر اختلاط النساء بدعوى تهذيبهن، وفتح المجال لهن في أعمال لم يخلقن لها، حتى نبذن وظائفهن الأساسية، من تدبير المنزل، وتربية الأطفال، وتوجيه الناشئة، الذين هم فلذات أكبادهن، وأمل المستقبل إلى ما فيه حب الدين والوطن، ومكارم الأخلاق، ونسين واجباتهن الخُلُقية من حب العائلة التي عليها قوام الأمم..
"أقبح ما هناك في الأخلاق، ما حصل من الفساد في أمر اختلاط النساء بدعوى تهذيبهن، وفتح المجال لهن في أعمال لم يخلقن لها، حتى نبذن وظائفهن الأساسية، من تدبير المنزل، وتربية الأطفال، وتوجيه الناشئة، الذين هم فلذات أكبادهن، وأمل المستقبل إلى ما فيه حب الدين والوطن، ومكارم الأخلاق، ونسين واجباتهن الخُلُقية من حب العائلة التي عليها قوام الأمم، وإبدال ذلك بالتبرج والخلاعة، ودخولهن في بؤرات الفساد والرذائل، وادعاء أن ذلك من عمل التقدم والتمدن، فلا -والله- ليس هذا التمدن في شرعنا وعرفنا وعادتنا، ولا يرضى أحد في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان وإسلام ومروءة أن يرى زوجته أو أحد من عائلته، أو من المنتسبين إليه في هذا الموقف المخزي، هذه طريق شائكة، تدفع بالأمة إلى هوة الدمار، ولا يقبل السير عليها إلا رجل خارج عن دينه، خارج من عقله، خارج من بيته، فالعائلة هي الركن في بناء الأمم، وهي الحصن الحصين الذي يجب على كل ذي شمم أن يدافع عنها" (1).
وقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم بقول فصلٍ في تأثر الناس باليهود والنصارى حين قال: «لتتبعن سنن من قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟» ( صحيح البخاري: (8/562) برقم: (3456) وصحيح مسلم: (8/57) برقم: (6952). ويعلم اليهود والنصارى أن الإسلام لا يهدمه معول، ولن يقدروا، ولكن عليهم أن ينخروا في جذعه ما استطاعوا، فقاموا يجلبون على المسلمين بخيلهم ورجلهم في كل وادٍ، وأكثر المحاولات تبوء بفشل ذريع، وبعضها يحقق نجاحًا موقوتًا ينتهي بمناسبة دينية يعيد المسلمين إلى دينهم، ثم يبدأ النخر من جديد، وهكذا دواليك، وفي الآونة الأخيرة بعد أن تكبد الكائدون خسارات المحاولات في مسخ هوية المسلمين لجؤوا إلى حبال الشهوات وشباك الملذات، فأخذوا يرمونها في مستنقعات المسلمين ليصطادوا بها ضعاف النفوس الذين يستميلهم طُعْمٌ صغير على رأس سنارة الحاقدين.
ولولا فضل الله علينا ورحمته لكادت الخطة تفتك بالمسلمين أجمعين وتأتي على مقتلهم، فقد استخدموا المرأة بفتنتها وزينتها مغناطيسًا لجذب الشباب ومسخ الفتيان، برفع شعار "تحرير المرأة" الله أعلم من أي قيد! وهو هدف قرين للهدف الأول الذي هو هتك ستر المرأة أولًا، فإن زاد على ذلك إذابة الرجولة من الشباب فهو الهدف الثاني.
وفي هذه الأسطر نذكر جانبًا احتسابيًا غير مقصود به الأجر! يناهض مخططات الكنائس، من أهل تجربة عميقة وتوغل شديد في التفسخ، فحين وصلوا إلى أسوأ حال، ولم يطيقوا حيوانيةً أكثر مما هم عليه، من العري والسفور والعهر والفجور، وضاقت بهم الحال بسبب التيه في مهامه العراة، إذا بهم يرجعون خائبين نادمين، يقولون: "إنهم وصلوا إلى نَفَقٍ مظلم لا سبيل فيه إلى نجاةٍ"، ويتداعون بالرجوع والعودة، فقد ذكرت صحيفة (لوفيحارو) الفرنسية: "أن حكومة سريلانكا تلقت عدة طلبات بحظر ارتداء التنانير القصيرة -الميني جيب- داخل جزيرة المحيط الهندي، التي وصفتها الحكومة بالمحافظة".
وقالت (نيمال روباشينغ) وزيرة الشئون الثقافية للجزيرة: "في الفترة الأخيرة تلقت الوزارة عدة شكاوى ووفود من مختلف الدوائر تطالب بفرض قانون يمنع ارتداء (الميني جيب) في الأماكن العامة". وأضافت روباشينغ: "نقوم فقط بدراسة هذه الشكاوى من أجل اتخاذ قرار نهائي بشأن هذه المسألة، خاصة وجزيرة سريلانكا جزيرة لا تزال تتمسك بالتقاليد المحافظة"، وأشارت الصحيفة إلى الإجراء الذي اتخذه رئيس سريلانكا (ماهيندا راجاباكسى) مؤخرًا الذي يقضي: "بإزالة اللوحات الإعلانية التي تعرض فتيات شبه عاريات، من الشوارع، وقيادته حملة توعية ضد شرب الخمور والتدخين، وقامت مجموعة من رجال الدين البوذيين بإلغاء حفل للمغني الشهير (أكون) ومنعه من دخول الجزيرة بسبب الفيديو كليب الذي كانت ترقص فيه فتيات شبه عاريات أمام تمثال بوذا! وتسود البوذية في جمهورية سريلانكا ويعتنقها ثلث سكان الجزيرة" (2).
وقد كتبت دي بوفوار بخصوص المرأة التي تنفق كل شيء في سبيل أنوثتها: "بأنها في مرحلة من مراحل عمرها سترسم خطًا عبر الصفحة لتحسب حساباتها؛ وذلك برصد الحساب والمقارنة بين جانبيه السلبي والإيجابي؛ وعندئذ سترتاع عند معرفة القيود الضيقة التي فرضتها عليها الحياة، ولكن الحياة ليست أقل ضيقًا إذا قمت بتضيق كل شيء لمحاولة الهروب من قيود التكوين البيولوجي كما اكتشف هذا الجيل من النساء، وفي آخر المطاف ستشعرين بالاستعداد لتصبحي أُمًّا في سن الأربعين، وسترتاعين بأنك لن تصبحي أبدًا كذلك، أو قد تطلِّقين زوجك في سن الخمسين، وسترتاعين بأنك لن تتمتعي برفقة حميمة مع رجل آخر ثانيةً، أو قد تحرمين أطفالك من صُحبتك عندما يكونون في طور النمو وذلك لمزاولة وظيفة من الوظائف، وعندئذ سترتاعين عندما يعاملونك باللامبالاة وعدم الاكتراث أو حتى العداء والكراهية عندما تلتمسين صُحبتهم وأنت امرأة عجوز، ولعل هذه أسوأ نتيجة تتعرض لها المرأة عندما تحاول تجاهل أهمية تكوينها البيولوجي، إن محاولة المرأة تجاهل أهمية تكوينها البيولوجي لن يعرض حياتها إلا للمزيد من الخطر والتهديد كلما تقدم بها السن".
وتقول: "على الرغم من ادعاء رائدات الحركة الأنثوية بأن زمن مكوث المرأة في البيت ولَّى إلى غير رجعة فإن الحقيقة التي تفرض نفسها هي أن النساء أنفسهن يتمنين البقاء في البيت مع أطفالهن إذا تيسر لهن ذلك؛ فقد جاء في استفتاء أن ثلثًا واحدًا فقط من مجموع 7. 2 ملايين امرأة متزوجة لهن أطفال يقلُّ سنهم عن ثلاث سنوات يعملن طوال ساعات الدوام. كما أظهرت نتيجة استفتاء (روبر ستارتش) حول وجهة نظر المرأة بخصوص العمل أن الأغلبية الساحقة من النساء المتزوجات يفضلن البقاء في البيت إذا تيسر لهن ذلك، وأن هذه الأغلبية في تزايد مطرد منذ عام 1985م" (3).
وتقول هيلين آندولين في كتابها (الأنوثة الساحرة: ص: 286): "ألقى نجم الأوبرا ومدير الفرقة الشهير (بيفيرلي سيلز) كلمة أمام خريجات كلية برنارد بنيويورك جاء فيها: لقد تم إقناع المرأة بأنها تستطيع أن تحصل على كل شيء: على الوظيفة والزوج والأطفال، إن الذي تحتجن إليه لتحققن آمالكن هو التعهد والالتزام، لِتُلْقِ إحداكن نظرة وجيزةً على أطفالها، إن أطفالكن لا يريدونكن أن تكنّ ذكيات أو موهوبات أو أنيقات، أو أي شيء آخر من هذا القبيل؛ إنهم فقط يريدون منكن الحب وسوف يكون هؤلاء الأطفال هم الذين يدفعون الثمن غاليًا؛ لأنكن ترغبن في الحصول على كل شيء، فكّرن جيدًا في إنجاب مثل هؤلاء الأطفال الذين سيتعرضون للحرمان بسبب بحثكن عن أشياء لا طائل من ورائها. ثم إن عدم الرغبة في الإنجاب ستكون خسارة كبيرة، وتأخير الإنجاب سيزيد من الخطورة على صحتكن وصحة أطفالكن، كما أن إنجاب الأطفال دون تحمل المسؤولية الكاملة تجاههم ستكون مأساةً كبيرة" (4).
وهكذا كثير من الذين وصلوا إلى هوة بعيدة الغور يسقط الواحد تلو الآخر، ثم يتداعى من فيهم بقايا من عقل: "أن تراجعوا إلى الوراء.. ولكن الموج من المنجرفين في سرعة وانكباب، وفي بلد الإسلام، وأرض الإيمان ظهر الاختلاط والتحرر المزعوم! وبدأت أول فتاة -جريئة- تلتفت برأسها حين يلقي إليها الفتى -الجريء- بألفاظ الغزل المستور أو المكشوف، وتسقط الفتاة الجريئة في نظر المجتمع من أجل هذه الالتفاتة، وتعتبر فتاة فاسدة الأخلاق، ولكنها لا تردع! ولا يردع الفتى الجريء الذي ألقى بألفاظ الغزل على قارعة الطريق.. فيتكرر النموذج من هنا وهناك.. وتتبلد أعصاب الناس على المنظر المكرور.. وتصبح ظاهرة (معاكسة بنات المدارس) ظاهرة مألوفة في المجتمع المصري، لا يتحرك لها أحد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. ويفرح الشياطين!
ورويدا رويدا تتغير ملابس بنات المدارس! تقصر (المريلة) قليلًا.. هل هناك مانع؟! الجورب يغطي ما كشفته (المريلة) فماذا يحدث؟! ويقصر الكم قليلا.. هل هناك مانع؟! سنتيمترات قليلة لا تقدم ولا تؤخر ماذا يحدث؟! هل تخرب الدنيا إذا قصرت الأكمام قليلا أو قصر (الذيل)! لا تحبكوها أيها المتزمتون! وتتبلد الأعصاب على المنظر المكرور، فتقصر الأكمام بضعة سنتيمترات أخرى، أو يقصر الذيل، أو يقصر الجورب.. وينكشف من المرأة ما أمر الله بستره بالمقدار نفسه!" (5).
وليته اكتفى إلى هذا التدني فحسب، فلقد ظهر ما هو أطمُّ وأعظم، فكرٌ مرجئ يعتبر الدين ما عليه المرء من صلاة! وعلاقة ودية مع الناس، وحسن خلق! ولا علاقة للاختلاط والتكشف والتعري والسفور بالدين، بل هي من التحرر والرقي! وفكر مرجف يرجف في المدن وينتقد المناوئين للرذيلة، ويؤسلم الفجور، ويخطئ الإسلام في قضايا العفاف، وينحيه قدر الإمكان، أوليس مدح الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف:157]. فيا عجبًا كيف صارت مفاهيم الدين إصرًا وأغلالًا؟!
أخيرًا: لا بد من وقفات مهمة:
الأولى: أن مفهوم تحرير المرأة، والتحرر، ونحوها من المفردات فيه مغالطات شتى أبرزها أنها دعوة إلى الحرية وهذا يعني اتهامًا لحدود الله تعالى بأنها أغلال وكبت وتضييق، وهذا فيه من الإثم ما فيه.
الثانية: أن السعيد من اتعظ بغيره، فإذا كان دعاة الرذيلة اليوم يرجعون، وينصحون غيرهم، بل والدول تتخذ قرارات بمنع بعضها، وتجريم فاعلها، ووصلوا إلى نتائج عقيمة وسعادة مغيبة، وخيبة أمل، وخسائر فادحة في الأموال والأعراض والأفكار والتعليم والصحة والأمن! فلا يليق حينئذٍ لمسلم ولا مسلمة أن يبدأ من حيث بدؤوا ويجرب تجربتهم ليصل إلى نتيجتهم.
الثالثة: في وجود أناس يجرون وراء الغرب حذو القذة بالقذة ينتقدون أهل الإسلام وأصحاب العلم والفضيلة إن نهوا أو حذروا الأمة من هذا الغزو الفكري الذي سيخلف وراءه ركامًا من الآثام، ويتهمونهم بالرجعية والتخلف والتطرف، أفلا اتهموا هذه الدول الغربية بما اتهموا به علماءهم!
الرابعة: أفلا اقتدوا بالغرب في ما أتوه من خير، ودحر للرذيلة؟ أم أن اتباعهم مقتصر على مساوئ الأخلاق، وقبيح الخلال؟ وسيء الخصال؟
الخامسة: إن المرأة في هذا كله مرتكز الصراع فلقد اتخذوها وسيلة حرب للشرف والعزة والشيم والقيم؛ لعلمهم بأثر دغدغة غريزة الإنسان التي جبله الله عليها فأساؤوا استخدام الحق، فلم يخرجوا من دائرة المرأة في كل حال، فمن خروجها إلى الشارع إلى خروجها من لباسها إلى خروجها من شرفها إلى خروجها من دينها، والرجل وراءها في كل ذلك!
السادسة: فليحذر المسلمون من كيد الكائدين، وترويج المفسدين، وأخص المسلمات المحصنات الغافلات، فإن المؤامرة تحاك خيوطها بدقة خفية. بل هم قوم مسرفون.
السابعة: إن من الحمق أن نسمع من المجربين ما يحكونه ثم لا نكف ولا نرعوي فما كُتب أعلاه ومثله كثير كافٍ شافٍ، والعادة أن كل صاحب قبيح يود أن الشرفاء يكونون مثله، إلا العقلاء، فلا نكن من الغافلين.
نسأل الله الهدى والتقى والعفاف والغنى..
______________________
(1) الملك عبد العزيز وقضية تحرير المرأة، منشورات دار القاسم. في بيان وجهه رحمه الله في عام (1356 هـ - 1937م) لتبيين رأيه في قضية (تحرير المرأة) التي كانت في أوجها في بعض الدول العربية
(2) نقلا عن موقع مفكرة الإسلام: http://www.islammemo...1/01/03/114573. html
(3) نقلا عن مجلة البيان: (228/18).
(4) نقلا عن مجلة البيان: (228/18).
(5) قضية تحرير المرأة لمحمد قطب: (ص: 34) دار الوطن للنشر.
علي بن أحمد المطاع
- التصنيف:
- المصدر: