أخي أنت حر وراء السدود - (2) فأي إيمانٍ يدعيه

منذ 2014-04-08

فأي إيمانٍ يدعيه ذلك الذي يرى حربًا على شريعة الله تنتهك فيها حرمات مصونة، وتُسفَك فيها دماء معصومة، وتُخرَّب فيها بيوت أذن الله أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه، وتجفف فيها منابع كل دعوة جعلت صدقًا شعارها (إن الحكم إلا لله)، ثم هو مع كل ذلك لا يبالي ولا يحرك ساكنًا!

يقول صاحب الظلال رحمه الله:

أخي إنني ما سئمت الكفاح *** ولا أنا ألقيتُ عني السلاح

فمن للضحايا يواسي الجراح *** ويرفع راياتها من جديد

فكيف يُسأم كفاح حقيقته قربى إلى الله تعالى بإقامة الدين وإعلاء كلمة الله في الأرض؟! لقد قذف الله الإيمان في قلوب السحرة فهددهم فرعون بالقتل مقطعين إلى أشلاء فعلموا منزلة الصدع بالحق في وجوه الطغاة وإنها من مواطن الطمع في رحمة الله {إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء:51]؛ فجعلوا الدنيا ورائهم ظهريا {اقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [طه:72].

وهل يتصور أن يسأم مسلم من الصلاة فيتركها؟! فهذه كتلك!! فان سَئِم نصرة دينه فكأنه سئم العبودية لله!! تلك الغاية التي خُلق لأجلها أصلا {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، والتي تستمر حتى لقاء ربه {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99].

ومن للضحايا يواسى الجراح والله تعالى يقول: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} [النساء:75]، و«المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه» (البخاري: [6951])، و«مَثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمِهم وتعاطُفِهم ، مَثلُ الجسدِ. إذا اشتكَى منه عضوٌ ، تداعَى له سائرُ الجسدِ بالسَّهرِ والحُمَّى» (مسلم: [2586])، و«المؤمنُ للمؤمنِ كالبنيانِ ، يشدُّ بعضُه بعضًا» (البخاري: [2446]). ورابطة الإيمان تأبى أن يترك المؤمن نصرة إخوانه في مواجهة الظلم والبغي والعدوان والله تعالى يقول: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} [الأنفال:72]، ولقد حرك رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش المسلمين فأجلى يهود الغدر أذلة لأجل امرأة كشفوا عورتها فثار لعرضها مسلم فقتلته يد الغدر!!

فأي إيمانٍ يدعيه ذلك الذي يرى حربًا على شريعة الله تنتهك فيها حرمات مصونة، وتُسفَك فيها دماء معصومة، وتُخرَّب فيها بيوت أذن الله أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه، وتجفف فيها منابع كل دعوة جعلت صدقًا شعارها (إن الحكم إلا لله)، ثم هو مع كل ذلك لا يبالي ولا يحرك ساكنًا! فما بال من اعنهم على ذلك وبيّض زورًا وجوههم المسودة! ألا لعنة الله على الكاذبين.. ألا لعنة الله على المنافقين!!.. أما المؤمن فيستجيب لنداء ربه: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60] فيواسي جراح إخوانه ويحمل همهم ويحوطهم من ورائهم وعينه على ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله!

أخي قد سرت من يديك الدماء *** أبت أن تشل بقيد الإماء

سترفع قربانها للسماء *** مخضبة بدماء الخلود

فالإماء والعبيد يسهل عليهم أن يبيعوا دينهم بعرض من الدنيا زائل!! وما أحقرها من صفقة!! والمؤمن لا يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير فيقف بالحق ومع الحق ولسان حاله ومقاله: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا} [الأنعام:114]، {أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا} [الأنعام:164]، {أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا} [الأنعام:14]. فلأجل أي شيء يباع الدين؟! أيستبدل رضوان الله بسخطه؟! ولأجل أي شيء؟!.. شهوة.. مال.. منصب.. شهرة.. دنيا..!! بل السموات والأرض وما فيهن لا تصلح أن تكون ثمنًا يباع به الدين، ولسوف يدرك العبيد ذلك في موقفٍ لن يجدوا من دونه موئلا. فحينئذٍ لن يُقبَل منهم أضعاف ذلك لو قدموه: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة: 36] فسبحان الله! وهم الذين كانوا في الدنيا (أحرص الناس على حياة) أي حياة ولو كانت حياة الذل التي يساقون فيها كالبهائم!!

فما أحقر أهل النفاق وما أتعسهم {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [النساء:139]. تلك العزة التحى يعرفها المؤمن فلا يرضى بالصفقة الخاسرة ولا يرضى أن يعيش ذليلًا كالعبيد للعبيد فقد تحرر من قيد الإماء ورفع قربانه للسماء بأغلى ما عنده و(إنما يتقبل الله من المتقين) فقدم نفسه قربانًا لربه الذي {اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة:111] فاغتنم الصفقة لما رأى عظمة المشتري وقدر السلعة وجلالة من جرى على يديه عقد التبايع فعلم أن لهذه السلعة شأنًا وأن من أعظم الغبن أن يبيعها بثمن بخس فعقد الصفقة بالتراضي من غير ثبوت خيار وقال: والله لا أّذر هذه البيعة ولا أقيلها ولا أستقيلها! (ابن القيم- بتصرف).

ولقد وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر يتوسل لربه قائلًا: «اللهمَّ! إن تهلِك هذه العصابةُ من أهلِ الإسلامِ لا تُعبدُ في الأرض» (مسلم: [1763]) فيا الله سبحانك! أرواح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا تشغلهم! بل الذي يخشون عليه عبادة الله أن تقام في الأرض!! فهؤلاء سادة الأحرار والأسوة الحسنة لكل حر فمن أراد أن يلحق بهم فليركب مركبهم؛ مركب النجاة والوحيد {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [التوبة:88]. فاللهم اجعلنا من الفائزين وألحقنا بهم في الصالحين!

وإني على ثقة من طريقي *** إلى الله رب السنا والشروق

فإن عافني السوق أو عاقني *** فإني أمين لعهدي الوثيق

فالمؤمن يسير إلى ربه في يقين وهو يرى نصب عينيه قول ربه: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام:115] صدقًا في الأخبار، وعدلا في الأحكام فلا يرغب عن دين ربه سبيلا وهو يمتثل قول ربه جل وعلا: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام:161] فلا ينحرف عن طريقه لوعورة الطريق أو كثرة المحن أو تكالب الأعداء فليس هو كمن {يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ} [الحج:11]، وليس بالذي يترقب من بعيد بغير مشاركة في هدم الباطل {فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا . وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا} [النساء:72، 73].

فأهل الإيمان {يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ} [الرعد:20]، وهم يعلمون أن المحن مهما عظمت أو طال زمانها فكشفها سهل على الله يسير كما يأتي بالسنا والشروق يبدد ظلام الليل.. يأتي بالفرج والنصر {إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ . وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ . فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ} [الروم:48- 50]!! والمحن كاشفة!! يميز الله بها الخبيث من الطيب، والصادق من الكاذب، والمؤمن من المنافق فيقع بحكمة الله وعلمه ما يشاء و{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27]. فاللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك.. وللحديث بقية إن شاء الله!!

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 2
  • 0
  • 6,115
المقال السابق
(1) أخي أنت حُرٌ وراء السدود
المقال التالي
(3) معاني إيمانية في قصيدة

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً