من هم الذين لا يحبهم الله عز وجل

منذ 2014-04-08

خطبة جمعة للشيخ محمد راتب النابلسي يوضح فيها من هم الذين لا يحبهم الله عز وجل؟

الخطبة الأولى:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقرارًا بربوبيته، وإرغامًا لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنّات القربات.

أعظم إنجاز يحققه الإنسان في الدنيا أن يحبه الله عز وجل:

أيها الأخوة الكرام، الإنسان -أي إنسان على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة- جُبِل أو فُطِر على حب وجوده، وعلى حب سلامة وجوده، وعلى حب كمال وجوده، وعلى حب استمرار وجوده، حب وجوده، وسلامة وجوده، وكمال وجوده، واستمرار وجوده، لماذا يشقى الإنسان إذًا؟ ما دام أي إنسان فُطِر جُبِل على حب وجوده، وعلى حب سلامة وجوده، وعلى حب كمال وجوده، وعلى حب استمرار وجوده، لماذا يشقى؟ بسبب الجهل، الجهل أعدى أعداء الإنسان، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به، لذلك أزمة أهل النار و هم في النار هي الجهل، والدليل: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:10].

أيها الأخوة الكرام، أعظم إنجاز يحققه الإنسان في الدنيا على الإطلاق أن يحبه الله عز وجل، ينادى له في الكون أنّا نحبه فيسمع من في الكون أمر مُحبنا، إذا أحبك الله وصلت إلى كل شيء، ولكن كما يقال: "درء المفاسد مقدم على جلب المنافع".

من هم الذين لا يحبهم الله عز وجل؟

1ـ المعتدون:

الموضوع اليوم: من هذا الذي لا يحبه الله؟ كي نتلافى هذه البنود وبعدئذ كيف يحبك الله عز وجل؟

الله عز وجل يقول: {وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة من الآية:190]
العدوان على الأنفس بالإيذاء، أو التعذيب، أو القتل، والعدوان على الأموال بالسرقة، أو بالاحتيال، والعدوان على الأعراض، وعرض الإنسان سمعته، بالغيبة والنميمة، ولا تعتدي، لا تعتدي لا على الأنفس تعذيبًا وقتلًا، ولا على الأموال سرقة واحتيالًا، ولا على الأعراض كذبًا ونميمة: {وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة من الآية:190].
لكن هذا لا يعني أنه إذا اعتُدِي عليك أن تبقى مكتوف اليدين، هذا يتناقض مع كرامة المؤمن، يتناقض مع عزة المؤمن، قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ} [الشورى:39]، البغي: العدوان.

- من غلب على ظنه أن العفو يصلح الآخر فليعفُ و أجره على الله:

«ابتغوا الحوائج بعزة الأنفس فإن الأمور تجري بالمقادير» (ابن عساكر عن عبد الله بن بسر).

المؤمن عزيز: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ} [الشورى:39]، لكنهم إذا انتصروا: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّـهِ} [الشورى من الآية:40].

كلام دقيق جدًا، حينما يغلب على ظنك أنك بعفوك عنه تصلحه، الله عز وجل يقول لك: اعف عنه يا عبدي وأنا أكافئك: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّـهِ} [الشورى من الآية:40].
للتقريب، إنسان يقود مركبته بسرعة أقل من المقبول، طفل قفز إلى نصف الطريق فدُهِس، السائق هذا بحسب القوانين ينبغي أن يحاسب حسابًا شديدًا، الواقع يؤكد عكس ذلك، ليس له ذنب، على أقل سرعة لكن الطفل أهوج قفز إلى أمام الطريق فدُهِس، هذا إذا عَفَونا عنه عَفْونا عنه يصلحه، أما هذا الذي يقود مركبة ويتحدى الآخرين، ويتطاول على الآخرين، فإذا أخطأ ينبغي أن نحاسبه.

الضابط: حينما يغلب على ظنك أنك بعفوك عنه تصلحه، اعف عنه والله يكافئك، أما إذا كان عفوك عنه يزيده انحرافًا، وتطاولًا فينبغي ألا تعفو عنه، لذلك: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ . وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّـهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى:39-40]، أي أصلح بعفوه، غلب على ظنه أن العفو يصلحه، عندئذ يقول الله عز وجل: {فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّـهِ} [الشورى من الآية:40].

- الغيبة أشد من الزنا لأنها عدوان على أعراض الآخرين:

أيها الأخوة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «الغيبة أشد من الزنا» (الدار قطني عن جابر بن عبد الله)، لأنه عدوان على أعراض الآخرين، والعرض موضع المدح والذم في الإنسان: «إِيَّاكُمْ وَالْغِيبَةَ فَإِنَّ الْغِيبَةَ أَشَدُّ مِنَ الزِّنَا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ الْغِيبَةُ أَشَدُّ مِنَ الزِّنَا؟ قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَزْنِي، ثُمَّ يَتُوبُ فَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنَّ صَاحِبَ الْغِيبَةِ لا يُغْفَرُ لَهُ حَتَّى يَغْفِرَ لَهُ صَاحِبُهُ» (الدار قطني عن جابر بن عبد الله).

قال أحدهم لإنسان: لقد اغتبتني، قال له: ومن أنت حتى أغتابك؟ لو كنت مغتابًا أحدًا لاغتبت أبي وأمي لأنهم أولى بحسناتي منك، لذلك ورد: قذف محصنة يهدم عمل مئة سنة، فالغيبة من العدوان، والإيذاء المادي -التعذيب- من العدوان، والقتل من العدوان، ولا تنظر إلى من أعطاك الأمر انظر إلى صاحب الأمر، انظر إلى الواحد الديان، انظر إلى الذي أنت في قبضته: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ . وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّـهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى:39-40].

- نهي النبي عليه الصلاة والسلام عن الغيبة وعن الاستماع لها:

أيها الأخوة الكرام، لازلنا في قوله تعالى: {وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة من الآية:190]
نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن الغيبة وهذا معروف لديكم، ولكن الذي قد يغيب عن بعضكم ونهى عن الاستماع للغيبة، كان هناك عالم جليل في هذا البلد الطيب إذا اغتاب أحد عنده أحدًا يقول له: "اسكت أظلم قلبي، النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن الغيبة ونهى عن الاستماع للغيبة".
أول بند: إن الله لا يحب المعتدين، لا على الأنفس بالتعذيب والقتل، ولا على الأموال بالسرقة والنهب، ولا على الأعراض بالغيبة والنميمة، أول فقرة الله عز وجل لا يحب المعتدين.

2ـ الظالمون:

- أشد أنواع الظلم الإشراك بالله عز وجل:

الآية الثانية: {وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران من الآية:140]
وأشد أشد أنواع الظلم الإشراك بالله لقوله تعالى: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّـهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان من الآية:13].
أنت حينما اتجهت إلى إنسان وتوهمت أن خيرك منه، وأن خوفك منه، وأن شرك منه، وأن مقاديرك بيده، وأنك في قبضته، ونسيت الله، عبدته من دون الله، هذا هو الشرك العظيم، يؤتى بالمقتول يوم القيامة يجر قاتله يقول: يا رب هذا قتلني: قَالَ: «يَجِيءُ الرَّجُلُ آخِذًا بِيَدِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ هَذَا قَتَلَنِي، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: لِمَ قَتَلْتَهُ؟ فَيَقُولُ: قَتَلْتُهُ لِتَكُونَ الْعِزَّةُ لَكَ، فَيَقُولُ: فَإِنَّهَا لِي، وَيَجِيءُ الرَّجُلُ آخِذًا بِيَدِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ: إِنَّ هَذَا قَتَلَنِي، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: لِمَ قَتَلْتَهُ؟ فَيَقُولُ: لِتَكُونَ الْعِزَّةُ لِفُلَانٍ، فَيَقُولُ: إِنَّهَا لَيْسَتْ لِفُلَانٍ فَيَبُوءُ بِإِثْمِهِ» (النسائي عن عبدالله بن مسعود).
فالمؤمن يأتمر بالقرآن والسنة، وأي أمر جاء يتناقض مع الكتاب والسنة ينبغي ألا ينفذه وليكن ما يكن، هذا هو المنهج الإلهي: {وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران من الآية:140].

أشد أشد أنواع الظلم الشرك بالله، أن ترى مع الله أحدًا، أن ترى مع يد الله يدًا، أن ترى أن الأقوياء بيدهم الأمر.
{وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ} [هود من الآية:123]، متى أمرك أن تعبده؟ بعد أن طمأنك أن الأمر كله بيده، حياتك بيد الله، موتك بيد الله، رزقك بيد الله، سعادتك بيد الله، أهلك بيد الله، أولادك بيد الله، من فوقك بيد الله، من تحتك بيد الله، من حولك بيد الله، هذا هو التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، لذلك: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان من الآية:13]، {وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران من الآية:140].

من هم الذين لا يحبهم الله عز وجل؟

لا يحب الظالمين، مرة شرحت هذه الآية بمثل: {إِنَّ اللَّـهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [النساء من الآية:116].

إنسان من دمشق له مبلغ كبير في حلب، وقد وعد أن يقبضه مثلًا الساعة الثانية عشرة ظهرًا، هناك قطار يتجه من دمشق إلى حلب، يصل الساعة الحادية عشرة، ركب بمركبة من الدرجة الثالثة وبطاقته من الدرجة الأولى، هذا غلط، مع أن هذا غلط لكن القطار يتجه إلى حلب وسيصل الساعة الحادية عشرة، ركب مع شباب أزعجوه كثيرًا وهذا خطأ ثان ولكن القطار يتجه إلى حلب وسيصل الساعة الحادية عشرة، ركب القطار وهو يتلوى من الجوع وهناك عربة فيها مطعم، لا يعلم ذلك هذا خطأ ثالث، ممكن أن أعدد لك عشرات الأخطاء، لكنه بالنهاية القطار يتجه إلى حلب وسيصل الساعة الحادية عشرة، أما هناك غلط لا يغتفر أن يركب قطار عمان، لا شيء، لا يوجد مليون ليرة، فالإنسان إذا اتجه لغير الله أشرك، هذا الذي هو بعيد عن أن يكون مقصدك، إذا اتجهت لغير الله وقعت بالشرك العظيم: {إِنَّ اللَّـهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّـهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء:48].
هناك مع الشرك أخطاء، مع الشرك أكل أموال الناس بالباطل، مع الشرك عدوان على الأشخاص وعلى حياتهم.
أيها الأخوة، البند الثاني الله عز وجل لا يحب الظالمين.

3ـ المسرفون:
{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف من الآية:31].
إذًا لا يحب المعتدين، لا يحب الظالمين، لا يحب المسرفين.

4ـ الفرحون:
الشيء الذي يلفت النظر: {إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [القصص من الآية:76].
حرام أن تفرح؟ الآية الأخرى، سمي القرآن الكريم مثاني، كل موضوع فيه آيتان، الآية الثانية تنثني على أختها فتفسرها، الآية الكريمة: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّـهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّـهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص:77]
لا تفرح بالمال، والمال ينقلك إلى معاصي الله، عندئذ: {إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [القصص من الآية:76].

لكن ما الذي ينبغي أن تفرح به؟، {قُلْ بِفَضْلِ اللَّـهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس من الآية:58]،افرح إن كنت مؤمنًا، افرح إن كنت مستقيمًا، افرح إن أجرى الله على يدك الخير، افرح بمعرفة الله، افرح بفهم القرآن، افرح بعمل صالح يرقى بك عند الله، إذًا ليس النهي عن الفرح مطلقًا أن تفرح بالدنيا، الدنيا تغر وتضر وتمر.

حدثني إنسان توفي رحمه الله كان يعمل في سوق الحميدية وله سلوك هكذا فعل، يجمع قمامة المحل بعلبة فخمة، يغلفها بورق هدايا، مع شريط أحمر، ويضعها على الرصيف أمام المحل، يراها إنسان يظنها شيئًا نفيسًا يحملها ويسرع يتبعه، بعد مئة متر يفك الشريط، بعد مئة متر ثانية يفك الورق، يفتح العلبة يظن أن يلقى بها ذهبًا أو ألماسًا، فإذا في العلبة قمامة المحل، يزمجر ويسب، وهذا حال الإنسان عند لقاء الله، أحب الدنيا، وتعلق بها، ظنها شيئًا ثمينًا، ولكن كشفت له الحقيقة لكن متى؟ بعد فوات الأوان، إذًا: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّـهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس من الآية:58].

لا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين، لا يحب الظالمين، إن الشرك لظلم عظيم، لا يحب الفرحين، ينبغي أن تفرح بفضل الله عز وجل، باستقامتك، بعملك الصالح، بإنفاق المال، بطلب العلم.

5ـ الخونة الآثمون:
{إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا} [النساء من الآية:107]. أية خيانة على وجه الأرض لا يحبها الله عز وجل، بل إن الله عز وجل يقول: {وَأَنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} [يوسف من الآية:52].

الكيد التدبير، إذا خان إنسان الأمانة، أقسم قبل أن يتخرج على أن يرعى حقوق الوطن، أن يرعى حقوق المرضى كطبيب، أن يرعى حقوق المظلومين كمحام، أقسم عند التخرج فإذا به لا يفعل ذلك، هذه خيانة للمبدأ، خيانة للقسم، كل الحرف الراقية فيها قسم عند التخرج، أقسم بالله أن أرعى حقوق الأمة، حقوق المواطنين، لذلك: {إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا} [النساء من الآية:107].
{وَأَنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} [يوسف من الآية:52]. أي تدبير مهما كان متقنًا، مهما كان محكمًا، إذا انطلق من خيانة فالله لا بد من أن يكشفه.

6ـ المتكبرون:
{إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان من الآية:18].
الكِبر على ماذا؟ بثانية واحدة الإنسان يكون من أهل القبور، قطرة دم لا تزيد عن رأس الدبوس إذا تجمدت في أحد شرايين الدماغ يصاب الإنسان بالشلل، أو بالعمى، أو بأمراض لا تعد ولا تحصى، أي كل مكانتك وهيمنتك وقوتك وشأنك بين الناس مبني على قطرة دم بحجم رأس الدبوس إذا تجمدت بأحد أوعية الدماغ يصاب الإنسان بالشلل. هناك ملك ببلد عربي عشر سنوات كان مشلولًا بسبب قطرة دم. من أنت؟ لا تقل أنا، لذلك: {وَأَنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} [يوسف من الآية:52]، {إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان من الآية:18]. تواضع لرب العرش، تواضع لله عز وجل، تواضع لمن حولك.

7ـ من يجهر بالسوء:
أيها الأخوة، الله عز وجل أيضًا: {لَّا يُحِبُّ اللَّـهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ} [النساء من الآية:148].
هناك توجيه للنبي مذهل، أحد الصحابة سبّ أبا جهل، أكفر كفار قريش، ناصب العداء للنبي عشرين عامًا، تفنن بإذلال أصحابه بالعدوان عليهم، ومع ذلك حينما سبه أحد الصحابة، قال: «يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنًا مهاجرًا فلا تسبوا أباه فإن سب الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت» (أخرجه الحاكم عن عبد الله بن زبير).
ما هذا الأدب؟ نهى عن سب أبي جهل إكرامًا لعكرمة، عود نفسك ألا تستخدم السباب في حياتك.

8ـ المستكبرون:
شيء آخر: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ} [النحل من الآية:23]، «لو لم تكونوا تذنبون خشيت عليكم ما هو أكبر من ذلك العجب العجب» (شعب الإيمان عن أنس بن مالك).
{إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ} [النحل من الآية:23]،  «الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ» (أحمد عن أبي هريرة).

9ـ الكافرون:
لكن قد يقول أحدكم كفر بالله أي أنكر وجود الله؟ لا، اسمع الآية من أخطر الآيات: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّـهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة:54].
ما هذه الآية؟ {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّـهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة:54].
لذلك العلماء قالوا: هناك كفر دون كفر، هناك كفر يخرج من الملة، وهناك كفر دون كفر، أنت لا تنفق المال، أنت لم تعبأ بأوامر الله في إنفاق المال، أنت لم تغض بصرك عن محارم الله، لم تعبأ بقوله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور من الآية:30]، ألا تعبأ بحكم فقهي، ألا تعبأ بأمر قرآني، ألا تعبأ بأمر نبوي، هذا نوع من الكفر به.

عفوًا إنسان زار طبيبًا والطبيب عالجه وكتب له وصفة، والمريض ذكي جدًا، ولبق، واجتماعي، صافح الطبيب، وشكره شكرًا، ودفع له الأتعاب، ولكن هذا المريض لأنه لم يستخدم الوصفة التي كتبها له الطبيب معنى ذلك ليس واثقًا من علمه، فعدم شراء الدواء واستخدامه نوع من الكفر بهذا الطبيب، ما من داع تقول: أنا أؤمن بالله، إذا كنت مؤمنًا بالله ماذا فعلت؟ ما العمل الذي فعلته ليؤكد إيمانك، هناك أنواع من الانحراف سببها أن الإنسان لم يقنع بأمر الله بعد، أو ما عنده إرادة أن يطبقها.

أيها الأخوة الكرام، إذًا الله عز وجل لا يحب الكافرين، وهناك كفر دون كفر: {وَأَنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} [يوسف من الآية:52]. ولا يحب الخائنين، ولا يحب المستكبرين، ولا يحب الجهر بالسوء من القول، ولا يحب من كان مختالًا فخورًا، لا يحب المفسدين، لا يحب الفرحين بالدنيا، لا يحب الظالمين، لا يحب المعتدين، هذا الذي لا يحبه الله، وفي لقاء آخر إن شاء الله نتحدث عن الذين يحبهم الله عز وجل.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين، أستغفر الله.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

- الصلح مع الله أساس الخلاص من كل المشكلات:

أيها الأخوة الكرام، أحيانًا كلمات قليلة أنا أسميها كلمات جامعة مانعة، ورد في الأثر: «لا يخافن العبد إلا ذنبه» (ورد في الأثر).
لا تخف من قوي، لا تخف من أي شيء، لكن خف من ذنبك: «لا يخافن العبد إلا ذنبه» (ورد في الأثر).
الذنب وحده سبب أي مشكلة، والآيات تؤكد ذلك، أي ما نزل بلاءٌ إلاّ بذنب، ولا رُفع إلاّ بتوبة: «ما من عثرةً، ولا اختلاج عرق، ولا خدش عودٍ، إلا بما قدمت أيديكم وما يعفو الله أكثر» (أخرجه ابن عساكر عن البراء).
فأنت حينما تؤمن أن الله عز وجل لا يسوق للعباد مصيبة إلا بسبب، فإذا بحثت عن هذا السبب قطعت أربعة أخماس الطريق إلى الله عز وجل، حينما تؤمن أنه ما من بلاء ينزل إلا بسبب، وأن هذا السبب إذا أزيل رفع البلاء، أي قوة غاشمة، هذه القوة لا تزول، جاءت بسبب تقصير من المؤمنين، متى تزول؟ إذا اصطلح المؤمنون مع الله عز وجل أولًا، ثم تحركوا وفق الحكمة، لا بد من أن نبدأ بالصلح مع الله حتى تزول عنا المشكلات.

اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زادًا لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك، وصلِّ اللهم على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

والحمد لله رب العالمين.

 

الشيخ محمد راتب النابلسي

المصدر: موسوعة النابلسي
  • 62
  • 4
  • 36,758

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً