الخروج من الورطة التربوية

منذ 2014-04-08

أسئلة أبنائنا المحرجة موقف تعرض له أغلبنا، وسوف يتعرض له الكثير أيضًا، ولعلها تطرح كسلوك طبيعي وفطري من الأولاد نظرًا ليقظة عقولهم، وانتباهنا للتربية الصحيحة يوفر علينا مزيدًا من الإحراج والارتباك، وتفادي المشاكل التي من الممكن أن يقع فيها الولد نتيجة لإهمال تلك الجزئية المهمة في عملية التربية.

كان يحفظ ولده القرآن، وفجأة أصابته الحيرة عندما سأله الولد عن معنى: {..وَلاَ يَزْنُونَ..} [الفرقان:68].
نزل عليه السؤال كالصاعقة، كيف يجيب عن هذا السؤال طفلا لم يتجاوز عمره التاسعة..! أيزجر الولد عن ذلك التساؤل، أم يتجاوزه ويغير الموضوع ويلفت انتباهه لشيء آخر؟! وحتى لو شرح له الأمر، كيف سيدرك ابن التسع سنوات ذلك الأمر المعقد؟ وهل إدراكه لمثل هذا الأمر سيضره، حيث إنه علم ما لا يعنيه، أم سينفعه حيث إنه علم سر الحياة؟!

أسئلة أبنائنا المحرجة الخاصة بالجنس موقف تعرض له أغلبنا، وسوف يتعرض له الكثير أيضًا، ولعلها تطرح كسلوك طبيعي وفطري من الأولاد نظرًا ليقظة عقولهم، وانتباهنا للتربية الجنسية الصحيحة يوفر علينا مزيدًا من الإحراج والارتباك، وتفادي المشاكل التي من الممكن أن يقع فيها الولد نتيجة لإهمال تلك الجزئية المهمة في عملية التربية.

تعريف التربية الجنسية:
(هي المعلومات المتعلقة بالجنس وتتصل بالغريزة وترتبط بالزواج، التي يجب مصارحة الولد بها في إطار قيمي وأخلاقي وشرعي، وبطريقة مناسبة لعمره، لبناء قواعد صحيحة تضمن صحة تعامله مع الأمور الجنسية بطريقة سليمة)، أو (إمداد الفرد بالمعلومات العلمية، والخبرات الصحيحة، والاتجاهات السليمة، إزاء المسائل الجنسية، بقدر ما يسمح به النمو الجسمي الفسيولوجي والعقلي الانفعالي والاجتماعي، وفي إطار التعاليم الدينية والمعايير الاجتماعية والقيم الأخلاقية السائدة في المجتمع؛ مما يؤدي إلى حسن توافقه في المواقف الجنسية، ومواجهة مشكلاته الجنسية مواجهة واقعية، تؤدي إلى الصحة النفسية).

أهمية التربية الجنسية:
تكمن أهمية النشأة المعرفية الصحيحة عن الجنس وأموره في تأسيس قواعد وتصورات صحيحة، تجنب الولد الوقوع في انحرافات أو أذى أو اعتداء، كما تجنبه أن يكون فريسة للمعلومات المشوهة التي من الممكن أن يستقيها من مصادر غير مسؤولة وخاطئة تزيد هذا الأمر تعقيدًا وتضلل الولد،  فعلى المستوى الشخصي قابلت من الشباب من لا يعلم شيئًا عن الاستحداد، وقد وجب عليه منذ سنين، وآخر عندما احتلم أراد الذهاب للطبيب! وثالث لا يعلم معنى الجنابة ولا كيفية التطهر منها، بل ورابع اتصل بي مصدومًا حينما علم من صديقه عن كيفية الاتصال الجنسي الذي به يكون الولد..

"إن عدم توعية الولد لنموه الجسدي وتطوره خاصة عندما يصل لمرحلة البلوغ قد يجعله فريسة للمعلومات الخاطئة المشوشة، التي قد يسمعها من الآخرين أو الخرافات والأوهام، وقد يعرضه أيضًا لاستغلال من يتعرض له بالأذى أو الاعتداء.. لم يعد هناك أي مكان في وقتنا الحاضر للتحفظ على نقل المفاهيم الجنسية الصحيحة لأولادنا؛ لأننا إذا لم نقم بذلك فهناك أسئلة ملحة في عقولهم يجب أن يجاب عليها، وهناك مساحات واسعة في نفوسهم يجب أن يملأ فضولها" (ألف باء الحب والجنس، د.ليلى الأحدب)، كما أن الواقع الذي نحياه في ظل التقدم التكنولوجي المخيف يفرض علينا تحديًا صعبًا، فبضغطة زر واحدة يكون الولد في وسط العالم بكل سهولة ويسر تتلقفه أمواج الفساد، وإن لم يكن محصنًا ضدها فسيغرق في إحداها والعياذ بالله.

كيف تعامل الإسلام مع الجنس؟!
اشتمل القرآن الكريم على تفاصيل الحياة عمومًا ولم يسقط منها شيئًا، ومن الأمور التي شملها الأمور المتعلقة بالجنس وأحكامه، يقول الدكتور عبدا لله ناصح علوان في كتابه تربية الأولاد في الإسلام أنه: "يجوز للمربي أن يصارح ابنه أو ابنته في القضايا التي تتعلق بالجنس وترتبط بالغريزة، بل أحيانًا تكون المصارحة واجبة إذا ترتب عليها حكم شرعي"، ويضيف: "إن طمس معاني هذه الآيات القرآنية يتنافى مع التربية الإسلامية القويمة، ويتناقض مع شمولية الإسلام وعظمته ومراعاته للفطرة، أما إذا تم شرحها للناشئ بأسلوب قريب لفهمه وإدراكه، وملامس لحيائه في فطرته، فإن هذه الثقافة الجنسية لها ثمرات كريمة بأن تعلي من شأن دينه وصلاحيته لكل زمان ومكان"، فديننا في التعامل مع الجنس وسط بين الإباحية البغيضة والكبت الممرض، فالجنس في حياة الإنسان المسلم غريزة وفطرة وضرورة لاستمرار الحياة، يحكمها إطار شرعي وأخلاقي، وهو ليس أمرًا سيئ الذكر أو قذرًا.
إرشادات تربوية

1- تعويد الولد أصول الاستئذان على الأهل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور:58].

2- يجب على المربين والآباء والأمهات تعليم الولد الأحكام الشرعية التي ترتبط بميله الغريزي قبل أن يشرف على البلوغ وينضج جنسيًا، كما يجب تعليمه أحكام الاحتلام، وكيفية التطهر من الجنابة، والفرق بين المني والمذي والودي، إضافة إلى سنن الفطرة المتعلقة بهذا الأمر، كـ(الاستحداد ونتف الإبط)، كما أن الفتاة يجب أن تصارحها أمها بأمور الاحتلام والحيض وأحكامهما الفقهية، وهنا أمران يجب الإشارة إليهما:

أولهما: أن المصارحة بتلك المعلومات يجب أن تكون قبل حدوثها، كي لا يتعرض الولد أو البنت إلى صدمة من رؤية هذه التغيرات ويقدرها تقديرًا خاطئًا، فكم من ابن ظن أن احتلامه مرض! وكم من بنت ظنت أن حيضها نزيف!

ثاني إشارة: هي إدراج النصوص الشرعية أثناء شرح هذه المعلومات، لكي تصل إلى ذهن الأبناء على أنها فطرة الله، وإخراجها من دائرة (العيب، والحرام) "فالتربية الجنسية للطفل يجب ألا تترك للصدفة، بل لا بد أن تبدأ في المنزل وتستمر في المدرسة، وعندما يكبر الطفل ويصبح في مقتبل سن المراهقة تعطى له معلومات واضحة عن الجنس السليم ومخاطره إذا انصرف الفرد وانساق وراء نزواته" (التربية ودورها في تشكيل السلوك، د. مصطفى محمد الطحان)، فيجب التوعية ضد الانحرافات الجنسية وأضرارها وأحكامها، فذلك يعد من أعظم الوسائل الإيجابية للبعد عن هذه الانحرافات، فالوقاية خير من العلاج.

3- يجب فتح الطريق أمام الولد ليطرح أسئلته، وعدم إشعاره أن مجرد السؤال في تلك الأمور من باب العيب أو الحرام، كي لا نزيد علامات الاستفهام حول تلك المنطقة في ذهنه، فيحاول استقاء معلوماته من جهات مغلوطة، فـ"حاول ألا تعطيه انطباعًا أن الأمور الجنسية أمر معيب بالضرورة، أو تعطيه الانطباع أنك لا تسمح له بالحديث في مثل هذه المواضيع، وحاول أيضًا من طرفك أن تتكلم معه بالطبيعة التي تتكلم معه بها في قضايا الحياة الأخرى" (ألف باء الحب والجنس، د. ليلى الأحدب).

كما يجب الإجابة على كل أسئلة الولد المحرجة التي يطرحها، وعدم التهرب منها بإجابات غير صحيحة لا تزيد الأمر إلا تعقيدا مثل: (وجدناك على باب المسجد) وما شابهها، والمصارحة تكون حسب العمر والاستيعاب، فعند سؤاله عن كيفية وجودنا في هذه الحياة، من الممكن تقريب الأمر له عن طريق شرح طريقة التلقيح في النبات، وأنه لا ثمرة بغير تلقيح كما أنه لا حمل إلا بهذا الاتصال الجنسي، ووضع الأب بذرة تجعل الطفل ينمو في بطن الأم، وهكذا حتى تكمل عنده الصورة، فحاول قدر استطاعتك أن تكون إجاباتك بسيطة ومباشرة وصحيحة غير معقدة.

4- هناك خطأ يرتكب من قبل الوالدين في اعتقادهما أن تلك المعلومات تعطى للولد على دفعة واحدة، لكي يتم الانتهاء من هذا الواجب المزعج، والأمر الصحيح أنه يجب إعطاء الولد المعلومات على دفعات بطرق متعددة، فتارة من كتاب، وتارة أخرى من درس في المسجد، وثالثة من الأهل، كي تترسخ في ذهنه تدريجيًا، ويتم استيعابها وإدراكها بما يواكب نموه وعقله.

وأخيرًا وليس آخرًا:
التحفظ والكذب في الإجابة على استفسارات أبنائنا لم يعد لهما مكان في قاموس التربية في الوقت الحاضر، لا سيما في ظل الانفتاح الذي نحياه، فالأسئلة الملحة تدور في عقولهم، وهناك مساحات واسعة في نفوسهم يملؤها الفضول، فالواجب أن نتجنب في تربية أولادنا تلك الثغرات قدر المستطاع.

 

عبد الرحمن ضاحي

المصدر: مجلة الوعي الإسلامي
  • 3
  • 0
  • 3,084

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً