مكونات الإمام العادل
القول الفصل في المكونات النفسية للإمام العادل أنها تخضع لأصول وثوابت، أساسها التقوى والخوف من الله، التقوى التي هي سنام الأمر وعموده في هوية الإمام العادل، حيث تتوقف عليها مدى فاعلية التعامل بتلك القدرات والإمكانات، التزامًا وممارسة..
- التصنيفات: قضايا إسلامية -
المتأمل لنصوص القرآن الكريم والحديث الشريف الخاصة بالإمام العادل، يدرك المكونات والقدرات النفسية التي ينبغي أن يتمتع بها دون غيره، مساهمة في خلق صورة خاصة متفردة تتفق ومهامه الجسيمة، لمَ لا؟ وهو ممن تَزَّين بهم الأرض زهوًا وفخرًا؛ لأنه يقيم الشرع، شرع السماء الذي نزل نظامًا لبِشر هذا الكون ومخلوقاته.
والقول الفصل في المكونات النفسية للإمام العادل أنها تخضع لأصول وثوابت، أساسها التقوى والخوف من الله، التقوى التي هي سنام الأمر وعموده في هوية الإمام العادل، حيث تتوقف عليها مدى فاعلية التعامل بتلك القدرات والإمكانات، التزامًا وممارسة.
والتقوى بما فيها من خشوع وورع وخوف، هي التي جعلت من رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة والقدوة.. لم لا؟ وقد علمه ربه فأوحى إليه ما أوحى، كي يكون مبشرًا ونذيرًا، ونلمس الصرامة والقوة في تطبيق العدل في قوله صلى الله عليه وسلم: « » (صحيح البخاري:6788)، إنها النفس التي طهرها الله لتقيم العدل، فلم تعرف -حاشا لله- ميلا ولا هوى ولا محاباة ولا مجاملة، بل وضعت نصب أعينها الورع والخوف من الله تعالى وحسابه.
إنها (التقوى) مفتاح شخصية الإمام العادل، والتي جعلت من الفاروق عمر رضي الله عنه الرجل الفرد العلم على العدل في تاريخنا الكبير، فإننا لا نكاد نعرف نفسًا امتنعت عن الغرور وتكسرت أمام حصونها المنيعة كل محاولاته مثل نفس هذا الرجل الفرد (عمر)، فمن زين له هذا؟ إن عمر يرد إلى الله وإلى الدين الذي انتهج نهجه كل ما معه من فضائل وهوى واقتدار، حتى إنه يكاد يذوب ويتحلل كلما هومت حوله من بعيد ومضة من ومضات ذي الجلال والإكرام.
هذه أصول المكونات النفسية للإمام العادل المتمثلة في: (الخشية الضاغطة، والحياء الداهم من الله عز وجل)، ليجعله يعيش رعدة ورعشة القلب لتلقي به إلى عالم الصراعات والتساؤلات بينه وبين نفسه: "ماذا تقول لربك غدا يا عمر؟"، ومن المؤكد أن تلك الصراعات وهذه التساؤلات كانت تزلزل أركان عمر، وتقتحم نفسه لتقوده إلى تأنيب الضمير، محاورًا ذاته: "لماذا فعلت هذا يا عمر؟!".
هكذا تكون قدرات الإمام العادل النفسية، عندما تتخطى ذاته إلى عالم الشفافية ورجاجة العقل وحصافة الرأي، مما يكسبها القدرة -بقوة إيمانها- الفراسة في تفهم الأمور والبصيرة النافذة في إدراك القرار وإصداره والحكم على الأشياء، ومن هنا استطاع العقاد أن يقتحم أغوار العالم النفسي للفاروق رضي الله عنه حين قال: "العدل يفتقر إلى شجاعة وشرف، وهما خصلتان مطلوبتان، أما الشجاعة في الرجل العادل فتحميه أن يحابي الأقوياء؛ وهو جبن، وأما الشرف فيحميه أن يجور على الضعيف؛ وهو خشية.. ولا تناقض بين هذه الخصال".
إن المكونات النفسية للإمام العادل أساسها خشية الله وتقواه، التي هي أصل وأساس ما يتمتع به من سمات ينتصر بها على نفسه، ويظفر برضا الله وحب الرعية، ويقتل بها شهوات النفس ونزوات الدنيا ومطامعها، ويصعد بها إلى عالم الوقار والرهبة واحترام الذات والآخر؛ محاولاً تجديد وتثبيت التقوى شعورًا وسلوكًا، التقوى التي تقود إلى إرساء وترسيخ مبادئ الأمن والاستقرار، وتقوية الروابط الإنسانية بين البشر.
عثمان إسماعيل