المواجهةُ بين الكفر والإيمان
علي بن نايف الشحود
المواجهةُ دائماً بين الكفر والإيمان، وبين الحق والباطل، وبين الهدى والضلال، وتظهر هذه المواجهة جليةً بين الكفر والإيمان في قِصَّةِ أصحاب القرية.
فالإيمان يتمثل في رسل الله الذين أرسلهم الله لأصحاب القرية وفي الرجل المؤمن الذي جاء من أقصا المدينة يسعى، والكفر يتمثل في أصحاب القرية.
والله سبحانه وتعالى في هذه القصةِ وفي غيرها من قَصَص القرآن يُخبرُنا بالمواجهة التي تحدث بين الكفر والإيمان، ويُخبرنا بنتائج هذه المواجهة وهي النصرُ والتمكينُ والفوز بسعادة الدنيا والآخرة لأهل الإيمان.
والخزيُ والهلاكُ والشقاءُ والعذاب في الدنيا والآخرة لأهل الكفر والضلال.
قال تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ. إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ}
فهذه قريةٌ أرسلَ اللهُ إليها رسولينِ –كما أرسل موسى وأخاه هارونَ إلى فرعون وملئه- فدَعوا أهلَ تلك القريةِ إلى عبادة الله وحده فكذبوهما فشدَّ اللهُ أَزْرَهما وأَمْرَهما برسولٍ ثالثٍ، وتقدم ثلاثتهم من جديد بدعوة أهل تلك القرية: {فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ}
وفي هاتين الآيتين فوائدُ:
الفائدة الأولى: أنه ما من قرية إلا أرسلَ اللهُ إليها رسولاً يدعوهم إلى عبادة الله وحدهُ، كما قال تعالى {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر:24].
وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [سـبأ:34].
الفائدة الثانية: أنَّ الرسولَ يتقوى بالرسول الآخر. والرسولينِ يتعززان بالرسول الثالث. والداعي إلى الله يتقوى بإخوانهِ الدعاةِ إلى الله.
الفائدة الثالثة: الإصرار على الدعوة والتبليغ مهما كانت النتائج.
ولكن بماذا ردَّ أصحابُ القريةِ على رسُل الله؟
يخبرنا ربُّنا سبحانه وتعالى في كتابه فيقول عنهم: {قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا تَكْذِبُونَ}
أثارَ أصحابُ القريةِ شُبهةً وهي شُبهةُ بشرية الرسل، وبنوا على تلك الشبهةِ نتيجةً خاطئةً وهي أنهم كاذبون وليسوا مرسلينَ: {قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا تَكْذِبُونَ}
وهذه هي الشبهةُ التي واجهَ بها كلُّ قومٍ رسولَهم، واعتبروها مانعاً من تصديقهِ والإيمان بهِ، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [التغابن:6].
وبماذا ردَّ رسُلُ اللهِ على افتراءات أصحاب القرية؟
يخبرنا ربنا سبحانه وتعالى فيقول عنهم {قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ. وَمَا عَلَيْنَا إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} أي: أجابتهم رسُلُهم الثلاثةُ قائلينَ: اللهُ يعلمُ أنا رسله إليكم، ولو كذبنا عليه لانتقمَ منا أشدَّ الانتقامِ.
وقالوا لهم: {وَمَا عَلَيْنَا إِلا الْبَلاغُ الْمُبِين} أي: إنما علينا أنْ نبلغكم ما أرسلنا به، وهذه هي مهمتنا وهذا هو واجبنا.
ومهمةُ الرسلِ جميعاً ومهمةُ الدعاةِ إلى الله جميعاً هي البلاغُ والدعوةُ فقط كما قال تعالى على لسان رُسُلهِ {وَمَا عَلَيْنَا إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ}
والتطير-وهو التشاؤم- من الرسل والدعاة إلى الله والتهديد بالقتل والتعذيب من أفعال الكفار قديماً وحديثاً: قال تعالى عن أصحاب القرية قَالُوا {إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ}
التطير من الرسل ليس خاصاً بأهل هذه القرية، بل هو سُنَّةٌ عامةٌ، وموقفٌ محدَّدٌ مُطَّردٌ، فما من قومٍ جاءهم رسولٌ إلا تطيروا به وتشاءموا من دعوته.
• ها هم قومُ ثمودَ يتطيرونَ برسولهم صالحٍ صلى الله عليه وسلم
قال تعالى: {قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ} [النمل: من الآية47]
• وقوم فرعون تطيروا بموسى صلى الله عليه وسلم ومن معه. قال تعالى عنهم: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ} [لأعراف:131].
• وها هم كفار مكةَ يتطيرون بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم. قال تعالى عنهم: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ} [النساء: من الآية78].
أتدرون ماذا ردَّ رسلُ الله على تطيُّرِ وتهديدِ أصحابِ القريةِ؟
قال الله عنهم {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} أي: قالتْ الرسلُ لهم: ليس شؤمكم بسببنا، وإنما شؤمكم بسببكم، وبكفركم، وعصيانكم، وسوء أعمالكم، وإسرافكم في المعاصي والإجرام.
وكفار اليومِ -والكفرُ ملةٌ واحدةٌ - يتشاءمون من الإسلام ومن دعاة الإسلام، وينفقون أموالهم بالليل والنهار ليُشوِّهوا صورةَ الإسلام ودعاة الإسلام ليصدوا الناسَ عن سبيل الله،كما قال تعالى {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ} [الحج: من الآية72].
وقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُون} [لأنفال:36].
وكفار اليوم لا يعرفون إلاَّ لغةَ التهديد بالقتل والسجن وهي لغةُ العاجزِ الضعيفِ الذي لا يملك حجةً ولا برهاناً.
فعلى الدعاة إلى الله تعالى أن يصبروا على دعوتهم للناسِ ويقولوا للكفار كما قال الرسلُ لأصحاب القريةِ{طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} .