تلخيص كتاب واقعنا المعاصر - (5) التوحيد ونواقضه
المعصية -بغير استحلال- لا تنقض أصل الالتزام، ولا تخرج الناس من الإسلام، ما داموا يقرون بالأمر المنزل من عند الله، ولا يجعلون مخالفتهم له تشريعًا مضاهيًا لشرع الله، أو قائمًا بذاته مناقضًا لشرع الله..، أما الاعتقاد بأن هناك شركاء لله في الخلق أو التدبير أو الرزق.. إلخ، أو التوجّه لغير الله بالشعائر التعبدية، فهو الشرك الذي يخرج الناس من الإسلام.
العبادة كما بينها الله في كتابه المنزل تشمل أمورًا ثلاثة:
- الاعتقاد الجازم بأن الله واحد في ذاته وفي أسمائه وصفاته.
- والتوجّه إليه وحده بالشعائر التعبدية التي افترضها على عباده.
- والالتزام بما أنزل الله من التحليل والتحريم والتحسين والتقبيح والإباحة والمنع.
وأيما أمر اختل من هذه الثلاثة فهو ناقض للتوحيد، ومُدْخِل في الشرك الذي يخرج الناس من الإسلام، مع اعتبار معين في هذا الشأن هو أن المعصية -بغير استحلال- لا تنقض أصل الالتزام، ولا تخرج الناس من الإسلام، ما داموا يقرون بالأمر المنزل من عند الله، ولا يجعلون مخالفتهم له تشريعًا مضاهيًا لشرع الله، أو قائمًا بذاته مناقضًا لشرع الله.
بعبارة أخرى: ليست المعصية لما أنزل الله هي التي تخرج من الملة، إنما هو التشريع بغير ما أنزل الله، {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ..} [الشورى:21].
{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ..} [الأعراف:3].
و(الدين) في آية الشورى، واتباع ما أنزل الله في آية الأعراف، كلاهما لا يتعلق بالاعتقاد وحده ولا بالشعائر التعبدية وحدها، إنما يشمل قضية التحليل والتحريم، ويعتبر اتخاذ أيِّ من هذه الأمور الثلاثة: (الاعتقاد، والشعائر، والشرائع) من مصدر غير الله شركًا واتباعًا للأولياء، بدليل قوله تعالى في سورة النحل حكاية عن المشركين، وتحديدًا لأعمال الشرك التي يقومون بها: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ..} [النحل:35].
وبدليل قوله تعالى عن المنافقين في سورة النساء موضحًا المحك الذي يصدقّ دعوي الإيمان أو يكذبها.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً} [النساء:60]، إلى قوله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [سورة النساء:65].
من هذه الآيات -وأمثالها في القرآن كثير- يتضح لنا أن العبادة المطلوبة من العباد هي إفراد الله بالألوهية والربوبية، الذي يشمل توحيد الله في ذاته وأسمائه وصفاته، والتوجه إليه وحده بالشعائر التعبدية، والالتزام بما أنزل الله، وعدم اتخاذ شرع من مصدر سواه، سواء على سبيل المضاهاة لشرع الله كما كان يفعل التتار قبل إسلامهم من اتخاذ (الفاسق) الذي يجمع أحكامًا من القرآن وأحكامًا من مصادر أخرى، أو على سبيل التشريع المطلق، أي تنحية شرع الله جملة واتخاذ شرع غيره.
هذه العبادة -على هذه الصورة- هي التي تخرج الناس من الشرك وتجعلهم مسلمين، وهذا هو الإخلاص في حده الأدنى، الذي لا يقبل الله من الناس أقل منه، ولا تقوم بغيره حقيقة الإسلام في داخل النفوس ولا في واقع الحياة..
أما الدرجات العليا: فمرهونة بمقدار الطاعات التي يتقدم بها العباد إلى الله، ومقدار الحرص على الالتزام بما أقر به القلب واللسان.
أما الاعتقاد بأن هناك شركاء لله في الخلق أو التدبير أو الرزق، أو الإحياء أو الأماتة، أو النفع أو الضر... إلخ، أو التوجّه لغير الله بالشعائر التعبدية، أو التشريع بغير ما أنزل الله، أو الرضى بغير ما أنزل الله، فهو الشرك الذي يخرج الناس من الإسلام.
- التصنيف: