إنسان بلا مكان!

منذ 2014-04-11

هل يمكن لإنسان أن يحيا بلا مكان؟! تضيق به الأرض بما رحبت، ولا يجد بقعة صغيرة من الأرض يسكنها وليس ثمة جدران تؤويه؟!

هل يمكن لإنسان أن يحيا بلا مكان؟!
تضيق به الأرض بما رحبت، ولا يجد بقعة صغيرة من الأرض يسكنها وليس ثمة جدران تؤويه؟!
مكان يتكنن فيه من هطل المطر، ومن رياح الخريف العاتية، ويستظل تحت سقفه من لهيب شمس الصيف المحرقة، ويستتر فيه من أعين الناس الفضولية، ويشعر فيه بأنه إنسان؟

(بهية) امرأة عجوز بلا مكان! تعيش داخل سيارة مهشمة ملقاة على حافة الجبل في إحدى الحارات في تعز، كان لها بيت وزوج وأولاد، ولكن الجميع تخلى عنها، هكذا قصت خبرها على من حولها! لماذا تخلوا عنها؟ سؤال لم نجد لدى بهية عنه جوابًاً.

لا تريد بهية البوح بالحقيقة وأيما كانت هذه الحقيقة، فلا يوجد إنسان يفضل العيش بلا مكان ولديه أسرة تؤويه ومكان يدفئه ويحتويه! امرأة خشنة الطباع، متوحشة الملامح، لم تفصح ربما لأن الخبر قد يكون عظيمًا، لكن الواقع الذي نراه هو أنها تعيش بلا مكان، تنقلت بهية بين البيوت، تعيش مدة عند هؤلاء، وأخرى عند أولئك، تعاطف معها البعض وأسكنها في حجرة بلا باب، وتلقت المزيد من التعاطف من الآخرين، فاشتروا لها باباً، وصارت الحجرة التي بالكاد تتسع لنومتها سكناً لها لشهور..

بعدها جاء المالك وقذف بها خارجاً، فهذه البقعة من الأرض مكانه هو وليس لأحد غيره فيها مكان، فقررت أن تتخذ بقايا السيارة المهشمة مكاناً لها، وبعد مدة قد تطول أو تقصر سوف يأتي صاحب المكان الملقى عليه بقايا السيارة، ويرمي بها بعيداً وتعود من جديد بلا مكان، صورة ربما تتكرر في شتى بقاع الأرض، ويتعاطف الكثيرون مع أمثال هؤلاء، لكن هناك بشر كثر ها هنا ليس لهم مكان، كل يوم هم مهددون بالعيش في العراء، ليسوا مريبين ويخفون سراً غامضاً، أو هاربين من ذويهم، وليسوا متشردين صعاليك.

هل جربت العيش بلا مكان، بلا جدران تعلق على حائطها ساعة تدخلك حيز الزمان، وتنظم عيشك على هذه الأرض، مكان تنصب فيه خزانة لتضع فيها ملابسك، وربما يسعدك الحظ بشراء بعض وسائل الترفيه كالتلفاز ومستقبل القنوات الفضائية وخط نت وو...؟

المكان هو أبسط حقوق الأدمي في شتى بقاع الأرض؛ فلماذا أصبح الحصول على مكان للعيش معضلة لإنسان هذا الوطن؟ التيه في فراغ مقلق، وفقد الأمان المكاني هم مؤرق ومنغص للعيش، وسببه ارتفاع الإيجارات في البلاد بصورة مرهقة لكاهل المواطن، حيث أضحت إيجارات الشقق في تعز والعديد من محافظات اليمن الرئيسية تلتهم راتب الموظف من الطبقة المتوسطة بأكمله! وأصبحت الرغبة في الحصول على مسكن خاص تشعر فيه بكينونتك، حلم بعيد المنال على الكثيرين.

كل إنسان يريد مكاناً في أرضه يستوطنه، يمارس فيه استقلاليته، ويضع عليه بصماته ولمساته الخاصة، وتنبعث من أثاثه رائحته الشخصية، ويعبق هوائه برائحة خبزه الساخن، عطوره، أطفاله، إنه مكانه، بقعة يملكها، لا يمكن لأحد أن يطرده منها يوماً ما، وسيحيا فيها آمناً حتى ينتقل لبيته الأخير في دار المقر.

من يملكون مكاناً للعيش لا يعرفون ما هية شعور بهية وأمثالها، ولا يدركون شعور الإنسان الكريم وهو يهان كل سنة من قبل المالك الذي يهدد أمنه وسكينته برفع الإيجار التعسفي أو التلويح بالطرد! ولا يعرفون شعور الشاب الذي جاوز الثلاثين دون أن يتزوج لأن راتبه لا يكفي إيجار مسكن صغير؛ يكون مكاناً خاصاً به وزوجته وصغاره، صاروا غرباء، يتجرعون غصص الاغتراب الداخلي في أوطانهم، الوطن ليس اسماً وهواء وسماء وشجراً وماء، الوطن مكان أعيش فيه بأمان، وأجد فيه أركان تؤويني، وتحتويني بآمالي الصغيرة، وأمنياتي الخفية وأحلامي في النوم واليقظة، مكان أمارس فيه أدميتي، وأحي فيه خصوصيتي، وأصبح به جزءاً من الصورة الكبيرة للوطن..

أريد مكانا، بقعة وجدران، سقف يضمني وأشيائي التي أحبها وأقتنيها في هذا الوطن.

  • 1
  • 0
  • 1,418

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً