قبل أن تدعوا فلا أجيب
لماذا ندعو ولا يستجاب لنا؟
- التصنيفات: الذكر والدعاء - تربية النفس - خطب الجمعة -
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
ما بالنا ندعو ولا يستجاب لنا؟
كثيرًا ما سمعنا هذه العبارة وأمثالها، تُرى ما السبب في تأخر الإجابة أو عدم وجود أثرها؟
السبب في ذلك ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في حديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: "دخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم فعرفت في وجهه أن قد حضره شيء، فتوضأ وما كلم أحدًا، فلصقت بالحجرة أستمع ما يقول، فقعد على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: « ». فما زاد عليهن حتى نزل" (رواه ابن ماجه وابن حبان في صحيحه، وقال الألباني: "حسن لغيره"؛ كما في صحيح الترغيب والترهيب، رقم [2325]).
يا الله! أو حقًا يدعو الناس فلا يستجيب الله لهم؟ الله الذي يقول: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف من الآية:156]. الله الذي يقول: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة من الآية:186].
هل يمكن أن يحدث ذلك؟
نعم يحدث وسيحدث ذلك؛ لأنه لا أحد أصدق من الله ورسوله.
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «
» (رواه الترمذي وقال: "حديث حسن"، وقال الألباني: "حسن لغيره"؛ كما في صحيح الترغيب والترهيب، رقم [2313]).قال أبو الدرداء رضي الله عنه: "لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليبسطن الله عليكم سلطاناً ظالماً لا يجل كبيركم ولا يرحم صغيركم ويدعوا عليه خياركم فلا يستجاب لهم، وتستنصرون فلا تنصرون، وتستغفرون فلا يغفر لكم" (إحياء علوم الدين [2/311]. الغزالي. الناشر: دار المعرفة، بيروت).
وفي الأثر عن إبراهيم ابن أدهم رحمه الله أنه لما سئل، فقيل له: "ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا؟ قال: لأنكم عرفتم الله تعالى فلم تطيعوه، وعرفتم الرسول صلى الله عليه وسلم فلم تتبعوا سنته، وعرفتم القرآن فلم تعملوا به، وأكلتم نعم الله فلم تؤدوا شكرها، وعرفتم الجنة فلم تطلبوها، وعرفتم النار فلم تهربوا منها، وعرفتم الشطان فلم تحاربوه ووافقتموه، وعرفتم الموت فلم تستعدوا له، ودفنتم الأموات فلم تعتبروا، وتركتم عيوبكم واشتغلتم بعيوب الناس" (الجامع لأحكام القرآن [2/303]).
بل إن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتقصير فيه سبب من أسباب هلاك الناس؛ فعن أم الحكم زينب بنت جحش رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعاً، يقول: «
». فقلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: « » (متفق عليه).قال العلماء عن هذا الحديث فيه: "دليل على أن البلاء قد يرفع عن غير الصالحين إذا كثر الصالحون. فأما إذا كثر المفسدون وقل الصالحون هلك المفسدون والصالحون معهم إذا لم يأمروا بالمعروف ويكرهوا ما صنع المفسدون، وهو معنى قوله {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال من الآية:25]؛ بل يعم شؤمها من تعاطاها ومن رضيها هذا بفساده وهذا برضاه وإقراره" (التذكرة، ص: [606] للقرطبي).
وقال النووي رحمه الله: "واعلم أن هذا الباب -أعنى باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر- قد ضيع أكثره من أزمان متطاولة، ولم يبق منه في هذه الأزمان إلا رسوم قليلة جدا، وهو باب عظيم، به قوام الأمر وملاكه، وإذا كثر الخبث عم العقاب الصالح والطالح، وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمهم الله تعالى بعقابه: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور من الآية:63]؛ فينبغي لطالب الآخرة والساعي في تحصيل رضا الله عز وجل أن يعتني بهذا الباب فإن نفعه عظيم، لاسيما وقد ذهب معظمه، ويخلص نيته، ولا يهابن من ينكر عليه لارتفاع مرتبته، فان الله تعالى قال: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ} [الحج من الآية:40]؛ وقال تعالى: {وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّـهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [آل عمران من الآية:101]؛ وقال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت من الآية:69]؛ وقال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّـهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:2-3]" (المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج[2/24]. الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية 1392هـ).
واعلم أن الأجر على قدر النصب، ولا يتاركه أيضاً لصداقته ومودته ومداهنته وطلب الوجاهة عنده ودوام المنزلة لديه، فإن صداقته ومودته توجب له حرمة وحقا ومن حقه أن ينصحه ويهديه إلى مصالح آخرته وينقذه من مضارها، وصديق الإنسان ومحبه هو من سعى في عمارة آخرته وأن أدى ذلك إلى نقص في دنياه، وعدوه من يسعى في ذهاب أو نقص آخرته وإن حصل بسبب ذلك صورة نفع في دنياه، وإنما كان إبليس عدوا لنا لهذا، وكانت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أولياء للمؤمنين لسعيهم في مصالح آخرتهم وهدايتهم إليها.
ونسأل الله الكريم توفيقنا وأحبابنا وسائر المسلمين لمرضاته وأن يعمنا بجوده ورحمته والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.