من وحي النظرة - (02) الطفل والشهيد
لا تتعجب من دموعي يا ولدي! فهذا غاية ما أملك.. ولا تسألني عن سبب وجومي فالكلام مُتحجِّر على طرف لساني.. ساءلتني عيناك بالأمس عن سبب ذهولي عنك وعن أُمّك، لِمَ استسلمتُ أنا للأرق في حين استسلمتما للنوم؟!
لِمَ احتضنتك قبل أن أخرج اليوم كأشد ما يكون شوق الأُبوة الحانية للبُنوة البريئة؟!
لِمَ تبكي هكذا يا أبي! ماذا دهاك؟!
لو كنتَ تتكلم لقلتها أعلم، لكني فهمتها من نبض قلبك الصغير..
بالأمس! يا ولدي رأيت وجهًا بريئًا كوجهك.. جسدًا يُشبِه كثيرًا جسدك.. لعله في نفس عمرك.. لكنهم غدروا بعمره!
نعم يا ولدي! غدروا به دون جريرة ارتكبها أو ذنب اقترفه.. قدره أنه سوري وُلِدَ في زمن البحث عن الحرية!
تدافعت الأفكار والتخيُّلات برأسي فأذهلتني عن كل شيء، كنتُ جالسًا معكما لكني لا أكاد أراكما.. صورة هذا الطفل لا تفارق عيني، تخيَّلتُ.. تخيَّلتُ يا ولدي.. لا.. لا..!
ماذا أقول؟ ماذا دهاني؟! إني لا أستطيع تخيُّلها يا ولدي، فكيف بمن عاش مرارتها؟
يا لِحرِّ الفقد القاسي بقلبِ أم ثكلى.. يا لِمرارة الغدر الفاجر بحلقِ الأب المكلوم! هذا ما أطار النوم من عيني يا ولدي، فهل عذرتني؟!
لم أكد أجد النوم الذي بحثتُ عنه طوال الليل حتى فاجئني خبر..! خبرٌ أثلج صدري، لكنه لم يلبث أن طعنني بقلبي، أو طَعن -تحديدًا- الدنيا التي تسكن قلبي! خبر استشهاد محمد محرز -اللهم اقبله في الشهداء-.. هذا الشاب المرموق المركز، الهانئ في حياته، المُحب لزوجته وابنته بشهادةِ كل القريبين منه.. ترك كل ذلك وسافر مختارًا سَفرته الأسمى لعالم الخلود..
يا لله دره، أبى إلا أن يُبرهِن لنا جميعًا أن النُّصرة لم تكن يومًا فقط في كلام مُنمَّق أو خُطبٌ ثائرة!
أخجلني.. أخلجني الشهيد يا ولدي من نفسي، فلم أملك إلا أن أضمّك بحضنٍ يصمت فيه الكلام، وتنطق الدموع فقط!
تُرى هل ستفهم نبض قلبي، كما فهمتك يا ولدي؟!
- التصنيف: