(04) زماننا وزمانكم
محمد عطية
- التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -
«البخاري).. وقفتُ مع هذا الحديث يا أنس، والذي رواه سيدنا أنس رضي الله عنه يرفعه للنبي صلى الله عليه وسلم.. نعم يا ولدي! سميتُك على اسمِه تيمُّنًا أن تخدِم سنة نبيك كما خدم أنس نبينا صلى الله عليه وسلم، فنِعم المخدوم ونِعم الخادم.
» (رواهذهبوا إليه في زمن الحجاج يشتكون، فأجابهم بهذا الحديث مُصَبِّرًا لهم، مبينًا سنة لله في خلقه.. وكأني بهم يتحسَّرون في أنفسهم سائلين: وأي شر سيأتي أمر من بطش الحجاج وظلمه؟! لم يدروا يا ولدي! أنه جاء من بعد الحجاج من يبكي الحجاج نفسه شفقة واستنكارًا لو رأى ظلم فعالِهم!
طوال يوم كامل! وهذا الحديث مسيّطر على خاطري يا ولدي!
تُرى كيف يكون زمانكم؟! وهل هناك شرٌ أشرّ مما وصلنا إليه؟!
لا.. لن أصف لك ما وصلنا إليه، لا تطاوعني نفسي أن أُلوِّثَ عالمك البريء الذي لا تعرِف فيه أكثر من حضن أُمّك وقت نومك، وعلبة الحليب على الرف تنظر إليها وقت جوعك، و(طيور الجنة) تنسجم معها وقت لهوِك!
أظنك لو تعلم حقيقة دنيانا لرجوتَ أن تظل في عالمِك النقي لا تكبر، أو ترجع حتى لرحم أمك لا تخرج! وما هذا ولا ذاك ممكنًا.. فستمشيها خطىً كُتِبَت عليك، وتحياها أيامًا قُدِّرت في الأزل..
يا ولدي.."كان زمااااان....".. لطالما تعوَّدت سماع هذه الكلمة من جدِّك وجدَّتِك، ممزوجة بتنهيدة عميقة تبحث عن بركة زمان، وبساطة ونقاء أيام زمان، وطيبة وتآلف أهل زمان.. تحكي جدَّتك لما كان جنيه واحد يكفي لتسويقة تُغْني البيتَ أُسبوعًا، شاملة كيلو من اللحم الطازج! ويحكي جدُّك عن بركة اليوم الذي كان يكفي لأعمال قد نحتاج نحن الآن أُسبوعًا لإنجازها! يحكون عن طعم الفاكهة الطبيعي، ورائحتها التي كانت تملأ البيت وقت أكلها، ويتعجبون من مشمش أيامنا الذي صار بطعم الخيار!
يحكون ويحكون.. يشتاقون ويتعجبون.. وما ظننت أبدًا يا ولدي! أنه سيأتي اليوم الذي أتنهَّد أنا فيه تلك التنهيدة العميقة! لمَّا أُفكِّر في أن جدَّتك ظلَّت ثلاثة عشر عامًا لا تملك ثلاجة، ومع ذلك لا أذكر أبدًا أنه فسد لدينا حبة فاكهة أو خضار، وأُمّك اليوم تُخرِج من ثلاجتها الحديثة ما فسد منهما في اليوم التالي للشراء!
لمَّا أذكر يوم كنتُ أنتظر مع عمِّك بشوق -لا يقل عن شوقي الآن للراتب آخر الشهر- فترة الأطفال في التاسعة صباحًا على القناة الأولى بعد قرآن الافتتاح، والتي تمتد لنصف ساعة نفرغ بعدها لمراجعتنا وحفظنا ومطالعتنا ولهونا الذي يُنشِّط أجسامنا، ثم أتنهَّد وأنا أرى قنوات أُفرِدَت للكرتون التهمت يوم جيلكم كله إلا قليلًا، ثم نشكو من انطواءِ وخمولِ كثير من الأطفال!
أتساءل يا ولدي! هل يُقنِع (كابتن ماجد) الذي كان يقضي حلقتين في الهواء ليستلم الكرة ويُسدِّدها ومع ذلك تخلو الشوارع وقت عَرضِه من أطفال جيلنا، هل يُقنِع جيل (سبونچ بوب) و(بن تن)؟!
هل يرضي البلي الذي كان غاية التطور في لهونا جيل (الآيباد) و(البلاي ستيشن)؟! إني أسمع الآن من طلاب ثالث ابتدائي كلامًا والله ما عقِلته إلا في ثالث إعدادي، ويا ليته في الخير!
إيييييه يا ولدي! إني مُشفِقٌ خائف.. علامَ نحن مُقدِمون، هل ستشتاقون أنتم لأيامنا هذه، أنبكي منها اليوم! وغدًا تبكون عليها يا ولدي!
كيف ستكون أيامكم يا ولدي؟!
يحفظك الله يا أنس..