نماذج للسلف في علو الهمة
نماذج من علو الهمة لدى السلف الصالح أمثال سفيان الثوري والقاضي شريك بن عبد الله النخعي
- التصنيفات: أخبار السلف الصالح - تربية النفس - محاسن الأخلاق -
1- سفيان الثوري:
- "عن أبي شهاب الحناط قال: بعثت أخت سفيان الثوري معي بجراب إلى سفيان وهو بمكة فيه كعك وخُشْكِنانْج ("خَشْكَنانِج: نوع من الخبز يعمل بالزبد والسكر واللوز والفستق وهو على شكل الهلال" (تكملة المعاجم العربية، لرينهارت بيتر آن دُوزِي، [4/102])، فقدمت مكة فسألت عنه فقيل لي: إنَّه ربما قعد دبر الكعبة مما يلي باب الحناطين، قال: فأتيته هناك، وكان لي صديقًا، فوجدته مستلقيًا، فسلَّمت عليه فلم يسألني تلك المسائلة، ولم يسلِّم علي كما كنت أعرف منه، فقلت له: إن أختك بعثت إليك معي بجراب فيه كعك وخشكنانج، قال: فعجل به علي، واستوى جالسًا. فقلت: يا أبا عبد الله، أتيتك وأنا صديقك. فسلَّمت عليك، فلم تردَّ عليَّ ذاك الرد، فلما أخبرتك أني أتيتك بجراب كعك لا يساوي شيئًا جلست وكلمتني، فقال: يا أبا شهاب، لا تلمني؛ فإنَّ هذه لي ثلاثة أيام لم أذق فيها ذواقًا. فعذرته" (الطبقات الكبرى، لابن سعد [6/350]).
وعن سفيان بن عيينة، قال: "جاع سفيان الثوري جوعًا شديدًا، مكث ثلاثة أيام لا يأكل شيئًا، فمرَّ بدار فيها عرس، فدعته نفسه إلى أن يدخل فعصمه الله، ومضى إلى منزل ابنته، فأتته بقرص فأكله، وشرب ماءً فتجشى (التجشؤ: تنفس المعدة عند الامتلاء. (لسان العرب، لابن منظور [1/48]) ثم قال:
سيكفيك عما أغلق الباب دونه *** وضن به الأقوام ملح وجردق
وتشرب من ماء فرات وتغتدي *** تعارض أصحاب الثريد الملبق
تجشى إذا ما هم تجشوا كأنما *** ظللت بأنواع الخبيص تفتق
(الجردقة: الرغيف، فارسية معربة. (لسان العرب، لابن منظور [10/35]).
(الثريد الملبق: الشديد التثريد الملَيَّنُ بالدَسم. (لسان العرب، لابن منظور [10/326]).
(الخبيص: المعمول من التمر والسمن، حلواء معروف يخبص بعضه في بعض. (تاج العروس) للزبيدي [17/542]).
2- القاضي شريك بن عبد الله النخعي:
- عن يزيد بن يحيى قال: "مرَّ شريك القاضي بالمستنير بن عمرو النخعي، فجلس إليه فقال: يا أبا عبد الله، من أدَّبك؟ قال: أدَّبتني نفسي والله، ولدت ببخارى من أرض خراسان، فحملني ابن عمٍّ لنا حتى طرحني عند بني عم لي بنهر صرصر، فكنت أجلس إِلى معلم لهم تعلَّق بقلبي يعلِّم القرآن؛ فجئت إِلى شيخهم فقلت: يا عماه، الذي كنت تجري عليَّ ها هنا أجره علي بالكوفة أعرف بها السنة والجماعة وقومي، ففعل؛ قال: فكنت بالكوفة أضرب اللبن وأبيعه؛ فأشتري دفاتر وطروسًا، فأكتب فيها العلم والحديث، ثم طلب الفقه فقلت: ما نرى؟ فقال المستنير بن عمرو لولده: قد سمعتم قول ابن عمكم وقد أكثرت عليكم، فلا أراكم تفلحون فيه، فليؤدِّب كلُّ رجل نفسه، ثم من أحسن فلها، ومن أساء فعليها" (أخبار القضاة، لوكيع [3/150]).
- وعن عمر بن الهياج بن سعيد: قال: "كنت من صحابة شريك، فأتيته يومًا وهو في منزله باكرًا، فخرج إلي في فرو ليس تحته قميص، عليه كساء. فقلت له: قد أضحت عن مجلس الحكم، فقال: غسلت ثيابي أمس فلم تجف، فأنا أنتظر جفوفها، اجلس. فجلست فجعلنا نتذاكر باب العبد يتزوج بغير إذن مواليه، فقال: ما عندك فيه؟ ما تقول فيه؟..." (تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي [9/288]).