أخي أنت حر وراء السدود - (4) أن يغضب لله وحده

منذ 2014-04-19

السنة التي يسير عليها المؤمن في يقين أن يغضب لله وحده، فلا يقبل الدنية في دينه ولا يجعل نفسة مطية للكافرين والخونة والمنافقين وأعداء الدين! فأهل الإيمان إذا أصابهم البغي هم ينتصرون، لا يريدون بذلك علوًا في الأرض ولا فسادًا، وإنما لتكون كلمة الله هي العليا..

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد:
قال صاحب الظلال رحمه الله:
 

سأثأر لكن لرب ودين *** وأمضي على سنتي في يقين
فإما إلى النصر فوق الأنام *** وإما إلى الله في الخالدين


«..الله أعلى وأجل..» (مسند أحمد:191/6)، هكذا حث رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، أن يجيبوا أبا سفيان حين نطق مقالته القبيحة يريد إعلاء شركه، فحينها فقط أمرهم صلى الله عليه وسلم ان يجيبوه وكان لا يبالي قبلها شماتة أبي سفيان في ظنه مقتلهم، وهذه هي السنة التي يسير عليها المؤمن في يقين أن يغضب لله وحده فلا يقبل الدنية في دينه ولا يجعل نفسة مطية للكافرين والخونة والمنافقين وأعداء الدين! فأهل الإيمان إذا أصابهم البغي هم ينتصرون، لا يريدون بذلك علوًا في الأرض ولا فسادًا، وإنما لتكون كلمة الله هي العليا، فلا يلتفتون لتثبيط منافق ولا لتعويق مخادع..


فقد وعدهم الله إحدى الحسنيين، فليسوا هم كبني إسرائيل الذين وعدهم الله نصرًا مقدمًا: {ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة:23]، فقالوا مقالتهم الشنيعة الفاجرة: {قالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة:24]، تلك المقولة التي ينطق بحقيقتها أهل النفاق وأهل الهمم الساقطة الذين لا يبالون بالدين شيئًا، ولا رغبة عندهم في البذل لأمر هو في مؤخرة اهتماماتهم، فيستترون بأن لا طاقة لنا اليوم بالكفر وجنوده، أو بأن الحرب ليست على الدين أصلاً، بل لو نعلم قتالاً لاتبعناكم، وحقيقة قولهم كقول سلفهم، بل إخوانهم أبناء القردة والخنازير.

أما أهل الإيمان فدينهم أغلى من لحمهم ودمهم، يثورون له ويثأرون ويقبلون كلام ربهم عز وجل فيصدعون في وجه أعدائهم، هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين، فأي ضر يظن أعداء الدين أن ينزلوه بالمؤمنين وقد قال تعالى: {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى...} [آل عمران:111]، وهو الألم المأجور المقدم بوعد الله وإجابته: {لاُكَفّرَنّ عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ وَلاُدْخِلَنّهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ ثَوَاباً مّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثّوَابِ} [آل عمران:195]، فهل هو إلا عز المجاهد أو رفعة الشهيد؟!

أخي إن ذرفت علي الدموع *** وبللت قبري بها في خشوع
فأوقد لهم من رفاتي الشموع *** وسيروا بها نحو مجد تليد
فإن أنا مت فإني شهيد *** وأنت ستمضي بنصر مجيد

 

فهنا تسكب العبرات في لحظة تأثر إيماني وضعف بشري فطري، وألم مقارن لهذه الدار (دار الممر) تلك الدار التي نفقد فيها خير من فيها! فكم تمتلئ القبور بمن تفتقدهم الأرض فتبكي العين ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، والله أضحك وأبكى وأمات وأحيا ولم يجعل ذلك البكاء في هذا الموضع بكاء يأس وقهر، فإنما هو أجل محتوم زين بحسن الخاتمة، وإنما جعله بكاء رحمة وصلة ودعاء يشق الفضاء إلى من بيده الأمر، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، وإن رابطة الإيمان لعجيبة والله، فهي عروة وثقى لا تنفصم ولا تنتهي حتى بالموت، فالشهيد الذي حقق غايته بنيل رضوان الله، والذي يتلقاه ربه بالقبول عبدي تمن علي! لا يزال يحمل هم إخوانه من خلفه الذين تركهم يكملون طريق الكفاح! فلحوقه بمن هم أحياء عند ربهم يرزقون: {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله..} [آل عمران:170]، لم ينسه من خلفه حتى يبشره الله: {..وَيَسْتَبْشِرُونَ بِاَلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفهمْ أَنْ لَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [آل عمران:170]، فسبحان الله والله أكبر! بل لا تنتهي هذه الرابطة بدخول الجنة حتى يتفقدوا إخوانهم ممن زلت أقدامهم فيشفعوا لهم ربنا إخواننا! فيشفعهم ربهم ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ويزيدهم من فضله.

وأما في الدنيا فرابطة الإيمان سلسلة ذهبية بل هي نورانية، وكل مؤمن هو حلقة في هذه السلسلة المتصلة على مر الزمان، وكل مؤمن يضع لبنة في صرح مجد الدين ورفعة الشرع في بناء لا ينقطع على مر الزمان، فكأن الشهيد يوصي إخوانه لا تحملوا همي فإني عند ربي، ولا تضيعوا دمي وانصروا دين ربي!
 

أخى ان نمت نلق أحبابنا *** فروضات ربى أعدت لنا
وأطيارها رفرفت حولنا *** فطوبى لنا في ديار الخلود

 

"اليوم نلقى الأحبة محمدًا وصحبه"! قالها بلال رضي الله عنه عند موته، وغاية أماني المؤمنين أن يلحقوا بهم في ديار غرس الله كرامتها بيده، حيث لا خوف ولا حزن، ولا غم، ولا هم، ولا فراق للأحبة، حيث تشفى الصدور وتطمئن القلوب، حيث يقابلهم نداء الرب الكريم أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدًا، فيصدعون بنداء الشكر {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر:34]، فالله أكبر ولله الحمد، وأرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح من الجنة حيث تشاء، كأنها تعاين ما أعد لها! فمن الأحق بأن يحزن عليه، من نال الشهادة أم من فقدها؟! فإن كان بين المؤمن ولقاء ربه عمره في هذه الدنيا فليتزود إذًا! ورحم الله ابن القيم اذ يقول:


وأي غربة فوق غربتنا التي *** أضحت الأعداء فينا تحكم
وقد زعموا أن الغريب إذا نأى *** وشطت به أوطانه فهو مغرم
وإن ضاقت عليك الدنيا بأسرها *** ولم يك فيها منزل لك يعلم
فحي على جنات عدن فإنها *** منازلنا الأولى وفيها المخيم!


فأسأل الله الكريم أن يسكن صاحب القصيدة الفردوس الأعلى من الجنة، وأن يلحقنا به في الصالحين.
وكانت هذه خواطر يسيرة ممن بضاعته قليلة مزجاة في القول والعلم والعمل، لكنها سرت على القلب فأردت تقييدها عسى الله الشكور أن ينفع بها ويتجاوز عن صاحبها وقارئها ومن دعا! وليس في فضل الله حرج.

فأستغفر الله العظيم والحمد لله رب العالمين.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 3
  • 0
  • 5,388
المقال السابق
(3) معاني إيمانية في قصيدة
 

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً