(سذاجة، أم استدراج، أم تضليل)؟!!

منذ 2014-04-18

من تصدَّر للإفتاء فيجب أن يكون يقظًا فطِنًا مدرِكًا لواقعه ومنتبهًا لمحاولات استدراجه، واستنطاقه وإحراجه، واستغلال اسمه وسمعته أسوأ استغلال، فإن لم يكن كذلك، فرحم الله امرأً قال خيرًا فغنم أو سكت فسلم...

لا تملك حينما تسمع لبعض الفتاوى التي صدرت اليومين الماضيين، وبعضها مرئي ومسموع، والآخر مكتوب ومنشور على موقع إلكتروني إلا أن تستعيذ بالله من التعمية والتخليط والتلبيس والتدليس، وإطلاق الفتاوى غير المنضبطة، وفتح باب الاحتمالات التي لا تنتهي، والتشكيك في الواضحات التي لا يكاد منصف يجحدها أو يُشكِّك فيها، وإصدار أحكام يُساءُ فهمها ويُعاد تأويلها وتُستغل أبشع استغلال ويُضلَّل بسببها فئام كثير من الناس.

ورحمة الله على الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه والذي سأله الظلوم الغشوم مبير ثقيف الحجاج بن يوسف عن أشد عقوبة عاقب بها النبي صلى الله عليه وسلم أحدًا فأخبره بحديث العرنيين الذين قَتلوا راعي رسول الله وسرقوا ماشيته، فأمر صلى الله عليه وسلم بقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم.. فوَ اللَّه مَا انْتهى الْحجَّاج من سماع كلمة أنس رضي الله عنه حَتَّى قَامَ بهَا على الْمِنْبَر، فَقَالَ: حَدثنَا أنس فَذكر الخبر، وَقَالَ: "قطع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَيْدِي والأرجل وَسمر الْأَعْين فِي مَعْصِيّة الله، أَفلا نَفْعل نَحْو ذَلِك فِي مَعْصِيّة الله".

ولما بلغ الحَسَنَ البصري صنيع أنس رضي الله عنه قَالَ: "وَدِدْتُ أنَّهُ لَمْ يُحَدِّثْهُ بِهذَا، لِأَن الْحجَّاج كَانَ ظَالِما يتَمَسَّك فِي الظُّلم بِأَدْنَى شَيْء"، وقد ندم أنس على تحديثه الحجاج بذلك فقال: "مَا نَدِمت على شَيْء مَا نَدِمت على حَدِيث حدثت بِهِ الْحجَّاج"، مع أنه رضي الله عنه ما زاد على أن أخبره بالحديث.

والشاهد من ذلك كله أن من تصدر للإفتاء فيجب أن يكون يقظًا فطِنًا مدرِكًا لواقعه ومنتبهًا لمحاولات استدراجه، واستنطاقه وإحراجه، واستغلال اسمه وسمعته أسوأ استغلال، فإن لم يكن كذلك، فرحم الله امرأً قال خيرًا فغنم أو سكت فسلم.

وهذا كله على فرض إحسان الظن وأن من صدر منه ذلك لم يقصد وإنما زلّ لطيبة فيه وسذاجة، ومكر محاوره ودهائه، أما إن كان الاحتمال الآخر الشنيع، وهو أن يكون المتكلم مدرِكًا واعيًا، وراضيًا ومشارِكًا ومضللًا، فالموعد الله، وهو سائل كل متكلم وكاتب عما صدر منه {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ . عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ‏ [الحجر:92-93].

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أحمد قوشتي عبد الرحيم

دكتور بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة

  • 1
  • 0
  • 1,020

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً