نحو إجازة سعيدة هادفة

منذ 2014-04-21

الصحة والوقت.. تجتمع هاتان النعمتان- مع غيرهما من النعم- في الإجازة الصيفية للشباب، ولَمَّا كان سوء توظيفهما وضياعهما يعرض الشباب والأمة لخسارة كبيرة، أردت أَنْ أتناصح معهم في كيفية استغلال هذه الإجازة بما يعود علينا جميعًا بالنفع في الدنيا والآخرة.

نِعَمُ اللَّهِ تعالى على عباده كثيرة لا تُحْصَى، ولهذه النِّعَمِ أصول وفروع، ومن أصولها بعد الإيمان: نعمة الصحة ونعمة الوقت.

وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من تضييع هاتين النعمتين فقال: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ»، والمغبون هو مَنْ يبيع السلعة بأقل من ثمنها أو يشتريها بأكثر من ثمنها، والمقصود أَنَّ غالب الناس لا ينتفعون بالصحة والفراغ بل يصرفونهما في غير محلهما.

وتجتمع هاتان النعمتان- مع غيرهما من النعم- في الإجازة الصيفية للشباب، ولَمَّا كان سوء توظيفهما وضياعهما يعرض الشباب والأمة لخسارة كبيرة، أردت أَنْ أتناصح معهم في كيفية استغلال هذه الإجازة بما يعود علينا جميعًا بالنفع في الدنيا والآخرة.

فأقول: لكي يستفيد المسلم من إجازته تمام الاستفادة -وفي نفس الوقت يستمتع بها- عليه أمران:
الأمر الأول: التخلي عن الرذائل التي تجتمع وتتكاثر في هذه الفترة، وسأتحدث عنها تحت عنوان: المحذورات.
الأمر الثاني: التحلي بالفضائل وسأتحدث عنها تحت عنوان: المقترحات.

أ- المحذورات:

1ـ رفقاء السوء: فمن المعلوم أن للرفقة أبلغ الأثر في سلوك المرء، فالصاحب ساحب، والطبع سرَّاق، فَمَنْ جالس الأشرار وعاشرهم فلابد أَنْ يتأثر بهم، ويقتبس من أخلاقهم، فمجالستهم تسوق بصاحبها إلى الحضيض، فكلما همَّ بالنهوض والتحلي بمكارم الأخلاق، والتخلي عن مساوئها أعاقوه، فعاد إلى غَيِّه، واستمر على جهله وسفهه، فعلى المسلم أَنْ يقلع عن صحبة السوء وأَنْ يصحب أولي الهمم العالية من الصالحين، وينتفع بلحظهم قبل لفظهم، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عن النَّبِيِّ المحمود صلى الله عليه وسلم قال: «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ».

عَنِ الْمَرْءِ لا تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ *** فكل قرين بالمقارن يقتدي

2ـ الفراغ: يعد الفراغ ووفرة الوقت لدى بعض الشباب مشكلة وسببا لكثير من مظاهر الانحرافات السلوكية المختلفة، إذ إن وفرة الوقت دون عمل نافع -أيًا كان- يوقع صاحبه في أسر الوساوس الشيطانية، والأفكار والهواجس النفسية الخطيرة، فيبدي له من التصورات والأفكار الجديدة والكثيرة ما لا يمكن أن يحصل أثناء الانشغال بعمل ما. وتعود مشكلة الفراغ في حقيقتها إلى الفراغ الروحي، وخواء القلب من كمال الإيمان الذي يشعر بالأنس والاطمئنان.

كما أن الفراغ يجعل الشاب ثقيل الظل في البيت، كثير المشاكل، كثير الأوامر والنواهي، لذلك قال الحكماء : إن الشباب والفراغ والجدة... مفسدة للمرء أَي مفسدة

3ـ التسويف: التسويف بحر لا ساحل له، يدمن ركوبه مفاليس العالم، وهو من جنود إبليس المقربين، وقد أجاد أحد السلف حينما سأله مَنْ حوله النصيحة، فقال لهم: "احذروا التسويف"، وعن الحسن البصري قال: "إياك والتسويف فإنك بيومك ولست بغدك"، وكتب أحدهم إلى أخيه: "إياك وتأمير التسويف على نفسك أو إمكانه من قلبك"، ويلاحظ أن بعض الشباب يستطيل الإجازة ومِن ثَم يسوف لنفسه آجالًا ويقول: (سأبدأ غَدًا، سأفعل غَدًا)، وتنقضي الإجازة يومًا بعد يوم، وتنصرم الشهور ولم يفعل من ذلك شيئًا، ولا شك أن هذا من تلبيس إبليس.

4ـ الإعلام المدمر: لا يخفى على أحد أن كثيرا من وسائل الإعلام مُسَخَّرة اليوم لإشاعة الفاحشة والإغواء بالجريمة والسعي بالفساد في الأرض، فهي خطة للهدم استعملت فيها كل الوسائل لتدمير هذا الدين والقضاء عليه بطريق مباشرة أو غير مباشرة، فاحذر أن تسول لك نفسك أو يسول لك الآخرون، فيخدعونك بأن هذا ترويح عن النفس، فما هو بترويح، بل هو السم الزعاف، والعائدون إلى ربهم من هذا الطريق الموحش يعرفون ذلك ويقرون به بعد أن خبروا أسراره وتجرعوا غصصه، ولا يعني هذا أن تخاصم النافع والمفيد منها، فأنت تعرف جيدًا عن أي نوع أتحدث، وأي نوع أقصد!

ب- المقترحات:

ما سبق من المحذورات إذا تجنبها المسلم يكون قد قطع شوطًا كبيرًا نحو تحقيق هدفه، وبقي الشوط الثاني وهو التحلي بالفضائل. وهذه بعض مقترحات في هذا الجانب:

أولًا: ابحث لك عن عمل ولا تنظر إلى العائد المادي منه، فللعمل مزايا وفوائد لا تحصى منها: أنه يعلم الصبر والمثابرة والجدية، وكسر حاجز الخوف من التعامل مع الناس، وتنمية روح العمل في فريق، ومن خلاله يتخلص الإِنسان من عادات سيئة كالكسل والفوضى والتسويف وسرعة الملل وحدة الطبع والفردية، كما أنه يشبع حاجاته النفسية، كالحاجة إلى الاحترام والتقدير والإِحساس بالذات؛ وقد كان داود حدادًا، وزكريا نجارًا، ورسولنا صلى الله عليه وسلم كان يرعى الغنم، بل ما من نبي إلا ورعى الغنم كما في الحديث الشريف.

وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم من كان يحمل على ظهره كي يحصل على مال يتصدق به. وليس هذا بعيب ولا منقص من قدرهم. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ خير ما أكل المرء من عمل يده، وإنَّ نبي الله داود كان يأكل من عمل يده».

ثانيًا: مساعدة الأهل: من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يَخْصِفُ النعل ويقم البيت -أي ينظفه- ويخيط الثوب. وقد سُئِلت عائشة رضي الله عنها: ما كان يعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته؟ فقالت: "كان بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ يَفْلِي ثَوْبَهُ وَيَحْلُبُ شَاتَهُ وَيَخْدِمُ نَفْسَهُ، وقالت أيضا: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ فَإِذَا سَمِعَ الأَذَانَ خَرَجَ".
فضع في برنامجك خدمة أهل بيتك وقضاء حوائجهم، ومن ذلك زيارة الأرحام والاطمئنان عليهم والتفاني في خدمتهم، خاصة إذا كانوا في حاجة لذلك.

ثالثًا: حفظ القرآن: احفظ كل يوم ولو عشر آيات وارتبط بمقرأة لتتعلم أحكام التلاوة، وإذا كنت أتقنتها فحافظ عليها-أي المقرأة- من أجل أن تكون من القوم الذين يجتمعون في بيت الله لتلاوة القرآن ومدارسته، تحفهم الملائكة، وتنزل عليهم السكينة، ويذكرهم الله فيمن عنده.

رابعًا: حافظ على أذكار الصباح والمساء، وأكثر من الاستغفار والتسبيح والتحميد والتهليل والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، واقتن كتيب (حصن المسلم)، واحرص على ألا يفارق جيبك.

خامسًا: تعرف على حياة الصحابة والعلماء والصالحين لتقتدي بهم، فهم أعلام الهدى ومصابيح الدجى، وهم الذين ورثوا عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هديه وسمته وخلقه، فالنظر في سيرهم والاطلاع على أحوالهم يبعث على التأسي بهم والاهتداء بهديهم.

سادسًا :: شارك في بناء الأمة واحرص على صلاة الجماعة في المسجد ومنها صلاة الفجر، وخذ بكل الأسباب الممكنة لذلك (المنبه، الهاتف، أحد الأصدقاء)، وتذكر دعاء الحبيب: «اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذ بِكَ مِنَ الهَمِّ والحَزَنِ، والعَجْزِ والكَسَلِ». ومما يجب أن تكون على يقين منه أن توفيق الله لا يؤتاه خامل أو كسول متقاعس عن أداء فرض الله.

سابعًا: تعاون مع إخوانك بمسجد الحي في إقامة الأنشطة المتنوعة -علمية واجتماعية وتربوية وأدبية- ولا تنس أن تشارك في نشاط أو أكثر من هذه الأنشطة، منها على سبيل المثال:
ـ مسابقة بين الشباب والناشئة في المحافظة على صلاة الجماعة والتبكير اليها، وفي حفظ حديثين من رياض الصالحين كل يوم.
- زيارة إحدى المؤسسات الخيرية أو مكاتب الدعوة؛ أو المستشفيات والمؤسسات الإيوائية لتتعرف عليها وتسهم فيها بأي شكل مهما كان يسيرًا.
- الالتحاق بإحدى الدورات العلمية أو العملية النافعة والمفيدة، مثل: دورة في الخط أو الكمبيوتر أو الرسم وغيرها كثير.

ثامنًا: شيء من الترويح: من الضروري في أغلب أيام الأسبوع أَنْ تخصص وقتا لممارسة شيء من اللهو المباح الذي يروح به المسلم عن نفسه، ففي الأثر: «روحوا القلوب سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ، فإِنَّ القلوب إِذَا كَلَّتْ عَمِيَتْ»، والترويح المباح كثير -ولله الحمد- ومتنوع ومتعدد في وسائله حتى يتمكن كل فرد أَنْ يجد ما يناسبه، فمنه: السفر، السياحة، والرياضة باختلاف أشكالها، الصيد والقنص والمخيمات والرحلات، بالإضافة إلى ما يُشاهد أو يسمع، مع التنبيه على ضرورة اختيار المكان المناسب و أَنْ يخلو هذا اللهو من المخالفات الشرعية.

تاسعًا: وأخيرًا، الأمة في أمس الحاجة إلى قلبك وعينيك، فلا تفسدها بيديك وجاهد نفسك على غض بصرك،

فكُلُّ الْحَوَادِثِ مَبْدَؤهَا مِنَ النَّظَرِ *** وَمُعْظَمُ النَّارِ مِنْ مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ

وستجد لذلك ثمرة عجيبة -إن شاء الله- فالجزاء مِنْ جنس العمل، وليتك تنسخ قول ابن القيم وتحتفظ به قريبا منك- بعد أَنْ تتأمله وتتدبره-: "وللمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة، الْمُضِرَّةِ بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله...".
اللهم ارزقنا حسن استغلال أوقاتنا، وَقِنَا وأَهْلَنا شَرَّ البطالة و الفراغ، آمين.

 

د. أحمد عبد المجيد مكي (بتصرف واختصار)

  • 0
  • 0
  • 4,359

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً