الإيمان بالملائكة

منذ 2014-04-21

الإيمان بالملائكة من أركان الإيمان الستة، فكيف يكون الإيمان بهم؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:

فالإيمان بالملائكة: هو الاعتقاد الجازم بأنهم:

أولاً: عباد مكرمون، بررة مقربون، خاضعون لربهم، مشفقون: فليس لهم من خصائص الربوبية والألوهية شيء. قال تعالى: {بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ . لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ . يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [ الأنبياء:26- 28]، وقال: {يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل:50]، وقال: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]، وقال: {كِرَامٍ بَرَرَة} [عبس:16]، وقال: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ . قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم} [سبأ:40- 41]، وقال: {قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة:32].

 

ثانياً: أنهم مخلوقون من نور، أولو أجنحة، على هيئات عظيمة، متنوعة: قال صلى الله عليه وسلم: «خلقت الملائكة من نور» (رواه مسلم). وقال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فاطر:1]. وقال صلى الله عليه وسلم: «أذن لي أن أحدث عن أحد حملة العرش، ما بين شحمة أذنه، وعاتقه، مسيرة سبعمائة عام» (رواه أبوداود). وفي رواية للطبراني: «رجلاه في الأرض السفلى، وعلى قرنه العرش، وبين شحمة أذنه، وعاتقه، خفقان الطير سبعمائة عام، يقول: سبحانك حيث كنت». فهم خلق حقيقي، لا قوى معنوية كما زعم ذلك بعض المجازفين. وهم خلق كثير، لا يحصيهم كثرةً إلا خالقهم، ففي حديث أنس المتفق عليه، في قصة المعراج: أن النبي صلى الله عليه وسلم، رفع له البيت المعمور، في السماء السابعة، يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك، إذا خرجوا لم يعودوا إليه، آخر ما عليهم.

 

ثالثاً: أنهم صافون مسبحون: ألهمهم الله تسبيحه، وامتثال أمره، ومنحهم القوة على تنفيذه. قال تعالى: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ . وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ . وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} [الصافات:164- 165]، وقال: {وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ . يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [فصلت:19- 20]، {لَا يَسْأَمُونَ} [الأنبياء:38]. وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم - في أصحابه، إذ قال لهم: «أتسمعون ما أسمع؟» قالوا: ما نسمع من شيء؟ قال: «إني لأسمع أطيط السماء، وما تلام أن تئط، وما فيها موضع شبر إلا وعليه ملك ساجد أو قائم» (رواه الطبراني، وقال الألباني: صحيح على شرط مسلم).

 

رابعاً: أنهم محجوبون عن المشاهدة: فهم عالم غيبي، لا يقعون تحت مدارك الحواس الإنسانية، في الحياة الدنيا، إلا لمن شاء الله، كرؤية نبينا صلى الله عليه وسلم لجبريل على صورته التي خلقه الله عليها. وإنما يرون في الآخرة. قال تعالى: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً} [الفرقان:22]، وقال: {وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ} [الرعد:23]. ولكن الله أعطاهم القدرة على التحول، والتشكل على هيئة الآدميين، قال تعالى: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً} [مريم:17]، وقال: {وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُـشْرَى قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ . فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوط ٍ} [هود:69- 70]، وقال: {وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَـذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ . وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَـؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ} [هود:77- 78]، فكانوا عليهم السلام على صورة رجال. وكذلك حين أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم على صفة رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر. وكان يأتيه أحياناً على صورة دحية الكلبي رضي الله عنه.

 

خامساً: أنهم موكلون بأعمال متنوعة: إلى جانب وظيفتهم الأساسية المستمرة؛ من عبادة الرب وتسبيحه. فمن ذلك:

1- النزول بالوحي: وهي وظيفة جبريل عليه السلام، قال تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ} [النحل:102]، وقال: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ . نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ . عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ} [الشعراء:192- 194].

2- العناية بالجنين: بنفخ الروح فيه، وكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد.

3- حفظ بني آدم: قال تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ} [الرعد:11].

4- حفظ أعمال بني آدم: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ . مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:17- 18].

5- تثبيت المؤمنين ونصرهم: قال تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال:12].

6- قبض الأرواح: وهي وظيفة ملك الموت، قال تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [السجدة:11].

7- سؤال الميت في قبره عن ربه، ودينه، ونبيه. والسائلان هما: منكر ونكير.

8- النفخ في الصور: وهي وظيفة إسرافيل، عليه السلام، للصعق، والبعث. قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ} [الزمر:68].

9- خزانة النار: قال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً} [المدثر:31]، وقال: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ} [الزخرف:77]، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].

10- الاستغفار للمؤمنين، والدعاء لهم، وبشارتهم، وإكرامهم في الجنة: قال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ . رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ . وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [غافر:7- 9]، وقال: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30]، وقال: {وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ . سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد:23- 24].

المصدر: موقع ملتقى أهل السنة والجماعة

أحمد بن عبد الرحمن القاضي

أستاذ في قسم العقيدة بجامعة الإمام محمد بن سعود

  • 0
  • 2
  • 11,344

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً