لو صبر القاتل

منذ 2014-04-23

كل مخالفة شرعية يرتكبها الإنسان آملًا تحقيق غاية معينة، حتى لو وجد لنفسه مبررًا فإنه لو تركها لله وتوكل عليه سبحانه لكفاه عناء فعلها وشر إثمها وحقق له فوق ما تمنى.

(لو صبر القاتل على المقتول طلعت روحه) هذا مثل معروف يضرب لبيان أن الصبر يحقق للإنسان أبعد ما  تمنى دون أن يقترف إثمًا ولا خطيئة، وأن الإنسان لا يغير من أقدار الله ولكن شيطانه يوهمه أن سعيه الهدام هو الذي سيصل به إلى مآربه.
فلو أن لديه تصديقًا جازمًا أن العلي القدير هو الذي يحدد الآجال لما أرتكب حماقة قتل غيره و هو حتمًا سيموت حين يحين الأجل ولن يموت قبل ذلك بحال، و لن يجني من فعلته سوى سوء الجزاء في الدنيا و الآخرة، و هذه القاعدة القدرية تسري على كل شيئ وليست قاصرة على القتل فحسب بل تشمل كل الإعتداءات الأخرى، فكما الإنسان يعجز عن سلب غيره جزءًا من عمره؛ فهو كذلك لا يستطيع أن يسلبه جزءًا من رزقه، و عندما ينقض شره على ما في أيدي الأخرين بالسرقة أو النصب أو الإحتيال، فهو لن يمنع عنهم رزقًا قد كتبه المولى لهم، كما أنه لن يضيف إلى رزقه المقدر شيئًا.
فللخالق العظيم في هذا الكون تصاريف، و كم سمعنا بقصص المحتالين الذين أنفقوا كل ما جمعوا في علاج مرض أو ما شابهه، أو رزقوا بمن يلعب معهم نفس الدور و ينتهي الأمر بالحسرة والألم، إضافة إلى إرتفاع رصيد الذنوب والعياذ بالله.
وهكذا كل مخالفة شرعية يرتكبها الإنسان آملًا تحقيق غاية معينة، حتى لو وجد لنفسه مبررًا فإنه لو تركها لله وتوكل عليه سبحانه لكفاه عناء فعلها وشر إثمها وحقق له فوق ما تمنى.
والأمثلة على هذه المخالفات كثيرة منها الغيبة مثلا، فعندما يغتاب الإنسان آخرً معللًا أنه يستحق ذلك لحذر الآخرين منه، أو عندما يتعرض الإنسان للإضطهاد أو سوء المعاملة فيشكو لمن لا يملك دفع الظلم عنه؛ فهذه كلها أمور تكفل الله بإصلاحها إذا فقد الإنسان الوسائل الشرعية لتغييرها، فتغيير المنكر لا يكون بمنكر آخر أسوء أثرًا.
فإذا كان نظرنا القاصر يجعلنا نتعجل الأمور فإن مسير هذا الكون هو أعلم بالتوقيت المناسب والآداة المناسبة.
ولنا فيما يحدث  حولنا كل يوم آية من آيات الحكمة الإلهية على صحة ذلك و الأمثلة كثيرة منها قصة أخت في الله كان غاية ما تتمنى أن تربي إبنتها تربية إسلامية صحيحة، إلا أنه كانت لهما قريبة متبرجة مفتونة بالدنيا تمامًا، و كان الجوار من العوامل التي جعلت إجتنابها أمرًا عسيرًا، أما تغيير الوضع فكان أشد عسرًا و كانت البنت الصغيرة ترى بعين طفولتها في تلك المرأة شيئًا أخاذًا مبهرًا خاصة أنها كانت تعمل بوظيفة تعتمد بشكل كبير على التبرج، مما زاد من خشية الأم على إبنتها، فكان ينتابها صراع ما بين رغبتها في توجيه إبنتها لعدم صلاحية تلك القريبة لأن تكون قدوة، وبين إحجامها عن ذلك حتى لا تكون هي قدوة لإبنتها في ممارسة الغيبة فيكون إثمها مضاعفًا، فأخذت توجه إبنتها إلى القيم الإسلامية مجتنبة إقحام سيرة الأخرى أمام البنت متوكلة على الله ملمتسة منه العون في هذه المهمة الصعبة.
و ما أن تجاوزت الفتاة مرحلة الطفولة لتقف على أعتاب سن المراهقة بدأت البنت تكف تمامًا عن مجرد الكلام عن تلك القريبة، بل كان هناك ما هو أكثر عندما فؤجت الأم برأي إبتنها في تلك المرأة و في وظيفتها عندما كانت الفتاة تتبادل الرأي مع صديقة لها حول الوظائف المختلفة فإذا بها تصف تلك الوظيفة و أهلها وصف الواعي المتبصر تمامًا لحقيقة الأمور وبواطنها، فقرت عن الأم و أطمأنت و سعدت بتحقيق ما تمنت دون التورط بكلمة غيبة واحدة طوال هذه السنين ومن يتوكل على الله فهو حسبه. 

سهام علي

سهام علي

كاتبة مصرية، تخرجت في كلية الإعلام، وعضوة في هيئة تحرير موقع طريق الإسلام.

  • 0
  • 0
  • 8,959

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً