مهارات الإصغاء وآدابه
محمد سلامة الغنيمي
يجهل معظم الناس اليوم أهمية الإصغاء، وخاصة في ظل التطورات الاقتصادية والسلوكية، وما يلزم تلك التطورات من سرعة واستغلال للوقت، فضلاً عن سرعة دوران عجلة الزمان غياب البركة في الوقت، ورغم ذلك فإن الإصغاء له تأثير عظيم في مجال العلاقات الاجتماعية والعملية والدبلوماسية، ومن هنا فالإنصات الجيد جزء لا يتجزأ من الحديث الفعال، فهو وسيلة لكسب ثقة الناس وتأييدهم..
- التصنيفات: محاسن الأخلاق -
يجهل معظم الناس اليوم أهمية الإصغاء، وخاصة في ظل التطورات الاقتصادية والسلوكية، وما يلزم تلك التطورات من سرعة واستغلال للوقت، فضلاً عن سرعة دوران عجلة الزمان غياب البركة في الوقت، ورغم ذلك فإن الإصغاء له تأثير عظيم في مجال العلاقات الاجتماعية والعملية والدبلوماسية، ومن هنا فالإنصات الجيد جزء لا يتجزأ من الحديث الفعال، فهو وسيلة لكسب ثقة الناس وتأييدهم، الأمر الذي دعى خبراء التنمية البشرية إلى الاعتقاد بأن الإصغاء فن وأنه أساس كل حديث جيد.
والأن نعرض لأهم آداب الإصغاء من خلال منهجنا الإسلامي:
* الإنصات باهتمام وتركيز:-
أول آداب الاستماع هو الإنصات ومتابعة المتحدث وعدم مقاطعته، فهذا من قبيل الاحترام والتقدير، وهو وسيلة فعالة في كسب القلوب وترك انطباعاً جيداً وأثراً حسناً، فإن المتحدث يشعر بالإيناس والطمأنينة إذا بدا على مستمعه الإنصات والرغبة في الاستماع، فكم من شخصية ترجع جاذبيتها إلى قدرتها على الإنصات بتركيز وإقبال، وظهورها بمظهر المهتم بما يقال، وفي المقابل كم من شخصية لا يحب الناس مجالستها ويغتمون لحضورها ليس إلا أن صاحبها لا ينصت لهم، فيشعرون بأنه لا يقدر حديثهم ولا يعبأ بكلامهم، والإنسان بطبعه يهتم بنفسه وبرغباته أكثر من أي شيء أخر، وكما قيل إذا أردت أن تكون مهماً فكن مهتماً، ولنا في رسولنا صلى الله عليه وسلم أسوة، فما قاطع متحدثاً قط حتى مع المخالفين له في الرأي والاعتقاد، كان يسمع وبعد أن ينتهوا، يرد عليه بما يناسبهم.
وكان العلماء يقولون: "أول أبواب العلم الاستماع"، ومن الحقائق المتعارف عليها في علم النفس، أن الإنسان يفكر بأضعاف السرعة التي نتحدث بها، لذلك فإن العقول تكون في حالة سباق مع الصمت، ومن ثم فالمستمع أقوى من المتحدث، وقد وجه القرآن إلى المسلمين الأمر بالإنصات أمام القرآن، للتفكر والتدبر ونيل الرحمة والهداية، قال تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:204]، ومن الجدير بالذكر أن الإنصات ليس بالشيء الهين، فالإنسان مجبول على الكلام ومدفوع إلى الرغبة في الصدارة والتميز، فتجد الكثيرين لا يصبرون أمام هذا الدافع فيحاولون التحدث بدلاً من الاستماع، والعاقل هو الذي يتذكر أثار الإنصات فيكبت جماح نفسه، ومن هنا كانت التأكيد على أهمية الصبر.
* تجنب الاستماع إلى الغيبة، الكلام القبيح:
كما حرم الشرع أن يغتاب المسلم أخاه، حرم كذلك أن يستمع إلى غيبة أخيه دون أن ينكر على قائلها، قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون:3]، وقال تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء:36]، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من رد عن عرض أخيه، رد الله عن وجهه النار يوم القيامة» (صحيح الترمذي:1931).
فمن تمام المرؤة وحسن الخلق أن يذب المرء عن عرض أخيه، وأن يدفع عنه ما يسوؤه في غيبوبته، لأن عدم الذب فيه إقرار، والمقر بالشيء كمن فعله أو شارك فيه، وسمعك صن عـن سماع القبيح كصون اللسان عن النطق به، فـإنـك عنـد سماع القبيح شـريك لقائله فـانته.
* البشاشة والوجه الطلق:
من آداب الاستماع تحلي المستمع بالبشاشة والوجه الطلق، وتجنب العبوس والكآبة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحقرن من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق» (صحيح مسلم:2626)، وقال صلى الله عليه وسلم: «تبسمك في وجه أخيك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة» (صحيح الترمذي:1956)، الابتسامة تبث الطمأنينة والارتياح، تعمل على توسيع دائرة العلاقات الاجتماعية، ولها تأثير فعال في امتصاص الغضب وكسر الحدة والعنف، لذلك قال الصينيون: "إذا لم تستطع أن تبتسم فلا تفتح دكاناً".
* حفظ السر:
السر عهد يعهد به المتحدث إلى المخاطب، والله أمر بالوفاء بالعهود، قال تعالى: {وأوفوا العهد إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء:34]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور:19].
إفشاء الأسرار من أخطر الوسائل التي تثير الفتن وتفضي إلى البغض لأنه ما سمي سراً إلا لخطروة انتشاره وذيعه، والإنسان بطبعه يميل إلى الفضفضة بالهموم والملمات لعله يجد من يريح عنه ويطمئنه، لذلك جعل الإسلام السر أمانة، ومن هنا تجد الأمين على الأسرار يقبل عليه الناس ويفتحون له قلوبهم ثقة فيه، قال أنس بن مالك: "أسر إلي النبي صلى الله عليه وسلم سراً فما أخبرت به أحداً بعده، ولقد سألتني أم سليم فما أخبرتها به"، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانه» (حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة:1090).
وقيل: "كتمان الأسرار يدل على جواهر الرجال، وكما أنه لا خير في آنيه لا نمسك ما فيها، فكذلك لا خير في إنسان لا يمسك سره"، قال الحسين بن عبد الله: "لا يكتم السر إلا كل ذي خطر، والسر عند كرام الناس مكتوم، والسر عندي في بيت له غلـق قد ضاع مفتاحه والباب مردوم".