أين أثرك؟
عبد الملك بن محمد القاسم
الدعوة تحتاج إلى قيام وجهد وتعب ونصب، يقول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ}، فأمره الله عز وجل بالقيام والجهاد في سبيل هذا الدين. فأين أثرك أنت الدعوي؟
- التصنيفات: الدعاة ووسائل الدعوة -
كل من سار على هذه الأرض ترك أثرًا وعلامة تدل على مروره على هذه الأرض، فإن سرت على الرمال بدت آثار قدمك، وإن تجولت في حديقة ظهرت علامات طريقك.
ولنا اليوم أن نتساءل:
- لك سنوات تتعلم العلم فأين أثر علمك؟
- ولك سنوات تصلي وتصوم فأين الأثر في النفس والجوارح؟
- ولقد قرأت كثيرًا وحفظت كثيرًا عن بر الوالدين وحسن المعاملة فأين النتيجة؟
دعني أنقلك إلى واقع موظف صغير في إحدى المستشفيات لترى كيف نفع الإسلام والمسلمين.
موظف صغير في المرتبة والمكان، ولكنه موفق مسدد استثمر مكانه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك بتطبيق عملي، فهو يعمل في قسم المواعيد، فإذا أتته امرأة أحالها إلى الطبيبة مباشرة، وإذا تقدم إليه رجل أحاله إلى الطبيب، ثم في حالة وجود عجز وضغط على الطبيبة فإنه يحوِّل النساء الكبيرات في السن إلى الطبيب. وهو بهذا حفظ نساء المسلمين وحفظ رجالهم، ومنع وقوع المحظور الشرعي من رؤية الرجل للمرأة والمرأة للرجل.
أليس هذا الموظف الصغير قدَّم خدمة عظيمة للإسلام؟
ومن أمثلة خدمة الدين: طرح الآراء النيرة والأفكار الجيدة على أهلها، ومتابعة تنفيذها، وقد ألقى أحد الموفَّقين قبل سنوات كلمة إلى أحد الدعاة، وقال له: هذه الجالية التي تُقدر أعدادها بالملايين لماذا لا يجعل لها مكان يختص بدعوتها وتعليمها الإسلام؟ ألقى هذه الكلمات على الداعية وخرج...ولا يعرف مَن هو حتى الآن؟ بعد حين سعى الداعية إلى تنفيذ هذه الفكرة الجيدة، وطرق الأبواب لإصدار ترخيص لأول مكتب جاليات في المملكة وكان له ما أراد، وزاد اليوم عدد تلك المكاتب عن مائة وعشرين مكتبًا، نفع الله بها نفعًا عظيمًا.
فما رأيكم لو بقيت هذه الفكرة حبيسة رأس صاحبها؟
ومن أمثلة نفع الإسلام والمسلمين: عمل بسيط قام به أحد الشباب قبل سنوات، بأن أحصى من بداية العام الدراسي عدد المكتبات التجارية في حيِّهم، واشترى من جيبه الخاص مجموعة من الكتيبات والمطويات، والأذكار وذهب بها إلى تلك المكتبات، وكانت فترة زحام وكثرة مشترين، وقال لكل صاحب مكتبة: هذه هدايا وزِّعها على المشترين، فَسُرُّوا بذلك وفرحوا وأخذوها، وفيما بعد طالبوا بالمزيد.
وقِسْ على ذلك توزيع الكتب على الأسواق التجارية، ومحلات الملابس، والذهب، وغيرها مما يرتاده الناس بكثرة.
أما توزيع الكتب على صوالين الحلاقة، والمستشفيات الحكومية الخاصة، وإدارات الجوازات والمرور وأماكن المراجعين فيها، فهي ولله الحمد منتشرة وبكثرة، لكنها تشكو من الفتور والغفلة، وكل موظف يستطيع أن يجعل رفًّا من هذه الكتب كإهداء ويتعاهدها باستمرار ولا تكلف شيئًا يذكر من مرتبه.
وفي مجال طبع الكتب ونشرها أذكر أن بعض الكتب التي نُشرت هي من اقتراحات القراء مثل كتاب: (ماذا تفعل في 10 دقائق) وكتاب: (إلى من حجبته السحب)، وكذلك فكرة كتيبات الجيب الدعوية المتدرجة مثل (إشراقات) وغيرها، فهي فكرة من إحدى الأخوات؛ فانظر أيها الحبيب إلى ثمرتها وكثرة النفع لهذه الاقتراحات.
وأذكر هنا عمل امرأة كبيرة مُحِبّة للخير، فقد كنت خارجًا من مكة المكرمة إلى الرياض في رمضان العام الماضي، وتوقفتُ للصلاة في مسجد أحد محطات الوقود، وكان مصلى النساء بجوار مدخل الرجال، وقد جلستْ بين المدخلين امرأةٌ عجوز كبيرة، وكان معها مجموعة من الأشرطة، وبجوارها صغيرٌ لعله من أحفادها، وكلما رأت مصليًا خارجًا أرسلت الصغير بشريطٍ من الأشرطة الإسلامية الموجودة لديها كهدية، وكان الشريط الذي أرسلته إليَّ عن بر الوالدين، فجزاها الله خيرًا.
أخي الكريم:
ما ذكرته تجارب إخوة لنا في الإسلام، ونحن لا نقرأ ونسمع لنستمتع بجهودهم ونفرح بأعمالهم فحسب، بل لنقتدي ونتأسى، وإلا فقد قامت الحجة علينا، فلا تأخذنا الغفلة وتلهينا الأماني!
فالدعوة تحتاج إلى قيام وجهد وتعب ونصب، يقول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدثر الآيتين:1-2]، فأمره الله عز وجل بالقيام والجهاد في سبيل هذا الدين.
وقال الله عز وجل حاكيًا عن أهل النار: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ. قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ} [الملك من الآية:8].
فالنذير يذهب ويكد ويكدح في سبيل الوصول إلى الناس وتعليمهم وإرشادهم، ونبينا عليه الصلاة والسلام في كل مكان يسعى إلى الدعوة، فصعد الصفا، وذهب إلى الطائف، وهاجر إلى المدينة، كل ذلك في سبيل نشر هذا الإسلام.