في ظلال الرحمن: متى تقبل التوبة؟
ليس من شأننا أو من عملنا أن نحاسب الناس على أفعالهم، وأن ندخل فلانًا وعلانًا النار والجنة، فالمعايير التي تدخل النار والجنة ليست مكتملة بين أيدينا، كما المعايير التي تدخل فلان في رحمة الله وتقبل توبته وتخرج علان من رحمة الله ليست موجودة لدينا كلها، وإنما نحن مأمورون بتبيان الحلال والحرام للناس...
- التصنيفات: التوبة -
{إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا . وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء:17-18]
تشير الآيتان إلى موقفين متقابلين: الأول هم أولئك الذين يرتكبون المعاصي عن جهل ثم يتوبون حال تبين لهم المعصية، فأولئك قد ضمن الله لهم التوبة، والثاني هم أولئك الذين يعملون السيئات إلى أن تحين لحظة الموت وقبض الروح فيتوبون فأولئك لا توبة لهم وهم والكفار سواء في العذاب الأليم.
وقد يتساءل المرء وماذا عن من هو بين الحالين؟ ماذا عن الذي يرتكب السيئة والمعصية عن عمد ثم يتوب عنها؟ وماذا عن الذي يكثر من المعاصي ثم يتوب عنها قبل لحظة قبض الروح؟ وماذا عن الذي يرتكب المعصية وفي باله أن يتوب عنها لاحقًا؟
الآيات القرآنية لم تذكر هذه الحالات لحكمة جلية، فلو ذكرت أن التوبة تشمل هذه الحالات فسيتشجع الناس ويرتكبون المعاصي ثم يقولون سنتوب بعدها، ولو أخرجتهم من رحمة الله وحرمتهم التوبة فالعصاة لن يقلعوا عن معصيتهم ما دام لن يغفر لهم.
فكل حالة تقيم لوحدها والله عز وجل هو أعلم بخلقه، وسيحاسب كل بعمله يوم القيامة، أما ما يهمنا فقد جاء واضحًا في الآيات، فكلما كان الإنسان أقرب للحالة الأولى كان أقرب لقبول توبته، وكلما كان أقرب للحالة الثانية كان أبعد عن قبول توبته.
الآيتان تتكلمان عن معيارين أساسيين: ارتكاب المعصية في لحظة جهل (ومثلها لحظة الضعف التي تنسي المرء الحلال والحرام) وسرعة التوبة والعودة إلى الله، هذه المعادلة التي تردع المؤمن عن ارتكاب المعصية في حال وعيه أنها معصية، لأنه قد لا يغفر له لو تاب حتى لو كان قبل وفاته، وتشجع العاصي على سرعة العودة إلى الله والتوبة، فكلما كان أسرع كان أقرب للقبول.
وأخيرًا فإن من فوائد هذه الآيتين أنه ليس من شأننا أو من عملنا أن نحاسب الناس على أفعالهم، وأن ندخل فلانًا وعلانًا النار والجنة، فالمعايير التي تدخل النار والجنة ليست مكتملة بين أيدينا، كما المعايير التي تدخل فلان في رحمة الله وتقبل توبته وتخرج علان من رحمة الله ليست موجودة لدينا كلها، وإنما نحن مأمورون بتبيان الحلال والحرام للناس.
نحن دعاة ولسنا قضاة نقول للناس سارعوا إلى التوبة، ونبين لهم هذا حرام يقود إلى النار وذاك حلال وواجب يؤدي إلى الجنة، لكن لا نتورط في تقييم الناس ومحاكمتهم على أفعالهم، إلا طبعًا ما يختص بالحدود والعقوبات والتعزير فذلك شأن آخر، إنما القصد هنا محاكمة إيمانهم وصدق إخلاصهم والتزامهم بالدين.
ياسين عز الدين