علينا بالائتلاف والاعتصام ونبذ الاختلاف والانقسام
فمن الضيقِ الذي يعانيه الناسُ في فلسطين؛ دعا بعض النساءِ الثكلى على من جاورنا من إخواننا العرب؛ بأن يصيبَهم ما أصابنا، ودعا بعضُ الرجالِ الذين أُصيبوا في مالٍ أو أهلٍ أو ولدٍ بأن يذوقَ العربُ ما ذُقنا، من ألم المصيبة والدمار، وهذا الدعاء على المسلمين وإن كان لا يجوز، ويأثم من دعا به، لكنه تحقَّق أكثرُه، فهل ما يسمَّى بالربيع العربي وما حدث فيه.. هو نتيجةَ دعاءِ المظلومين والمظلومات من أهل فلسطين؟!
اعلموا عباد الله أن الاختلاف في الناس موجود؛ فمنه مذموم ومنه محمود، فالمحمود هو الذي لا يفسد للودِّ بقية، والاختلاف المذموم هو الذي يؤدِّي إلى الانقسام والافتراق، والنزاع والشقاق، فقد حصل بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين بعض هذه الأنواع من الاختلافات، ولكنهم رجَّاعون إلى الحقِّ ومنصاعون إليه، فعندهم أصلٌ يسيرون عليه، وهديٌ يهتدون به، وحقٌّ ينزعون إليه، فإذا ذُكِّروا تذكَّروا، وإذا وُعِظوا اتّعظوا، وإذا تُليت عليهم آياتُ الله والحكمةِ اعتبروا، يأتمرون بالمعروف فيفعلوه، وينزجرون عن المنكر فيجتنبوه، يوفون بالعهود، وينفذون العقود.
اختلف الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وكادت أن تحدثَ بينهم مقتلةٌ، فذكَّرهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فتأسفوا وحزنوا، ورجع بعضهم يصافح ويعانق بعض، وهاكم مثلاً لما يبثُّه شياطينُ الإنس من المنافقين الذين غاظهم توحد المسلمين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ حِمَارًا عَلَيْهِ إِكَافٌ تَحْتَهُ قَطِيفَةٌ فَدَكِيَّةٌ، وَأَرْدَفَ وَرَاءَهُ أُسَامَةَ، وَهُوَ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَذَاكَ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، حَتَّى مَرَّ بِمَجْلِسٍ فِيهِ أَخْلاطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ، وَالْيَهُودِ، فِيهِمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ، وَفِي الْمَجْلِسِ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَلَمَّا غَشِيَتِ الْمَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ، خَمَّرَ -عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ بن سلول المنافقُ غطَّى أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ- ثُمَّ قَالَ: لا تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا..
فَسَلَّمَ عَلَيْهِمِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ وَقَفَ، فَنَزَلَ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللهِ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمِ الْقُرْآنَ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ: أَيُّهَا الْمَرْءُ! لا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا، إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا؛ فَلا تُؤْذِنَا فِي مَجَالِسِنَا، وَارْجِعْ إِلَى رَحْلِكَ، فَمَنْ جَاءَكَ مِنَّا فَاقْصُصْ عَلَيْهِ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ: اغْشَنَا فِي مَجَالِسِنَا، فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ، قَالَ: فَاسْتَبَّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ، حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَتَوَاثَبُوا، فَلَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ، ثُمَّ رَكِبَ دَابَّتَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ: «أَيْ سَعْدُ، أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ؟» -يُرِيدُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ- قَالَ: «كَذَا وَكَذَا»، قَالَ: اعْفُ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللهِ! وَاصْفَحْ، فَوَاللهِ! لَقَدْ أَعْطَاكَ اللهُ الَّذِي أَعْطَاكَ؛ وَلَقَدِ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ الْبُحَيْرَةِ أَنْ يُتَوِّجُوهُ فَيُعَصِّبُوهُ بِالْعِصَابَةِ، فَلَمَّا رَدَّ اللهُ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِي أَعْطَاكَهُ، شَرِقَ بِذَلِكَ، فَذَلِكَ فَعَلَ بِهِ مَا رَأَيْتَ، فَعَفَا عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" (مسلم:1798)، هكذا نضيِّع على المنافقين وأشباههم مكائدهم ومكرهم ضد الصلح والمصالحة.
عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قال: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ، فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ، وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؟» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ؛ كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: «دَعُوهَا، فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ» فَسَمِعَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ فَقَالَ: قَدْ فَعَلُوهَا، وَاللهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، قَالَ عُمَرُ: دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ، فَقَالَ: «دَعْهُ، لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ» (مسلم:2584).
عباد الله! دعوهم لا تسمعوا لهم، يموتوا بغيظهم، استمروا في مصالحتكم «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ، وَلاَ تَحَسَّسُوا، وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَنَاجَشُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا» (البخاري:6066).
عباد الله! بعض الناس إذا خاصم أخاه فجر، فذكر ما يعلمه من عيوب أخيه، وأعلن بها في المجامع والمحافل، وسائر وسائل الإعلام، وإذا عاهد عدوًّا أو صديقًا غدر ولم يفِ بما عاهد عليه، وإذا وعد أحدًا بشيء أخلف وعْدَه ونسي عهده، وأغضب ربه، إن التفرق والتنازع ينشأ بين شخصين، أو عائلتين أو قبيلتين، أو حزبين أو فصيلين، أو حكومتين أو دولتين، وهذا كلُّه موجودٌ في أمتنا اليوم، فيا أيها المتخاصمون المتنازعون عودوا إلى رشدكم، وارحموا أمَّتَكم، فيا أيها الفريقان المتصالحان «يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلاَ تَخْتَلِفَا» (صحيح البخاري:3038).
التيسيرُ على الناس لا التعسير، والتبشيرُ لا التنفير، والتطاوعُ وعدمُ التنازع، بهذا تنالُ الأمة عزَّها، وتسترجعُ مجدَها، وتسودُ بين أفرادها المودَّةُ والأُلفَةُ والرحمة، لا تكونوا سببًا في ذِلَّةِ هذه الأمَّة، وتسلُّطِ أعدائها عليها، فتحلَّ عليكم اللعنةُ وسوءُ الدار، فما دام الدينُ واحدًا، والدمُ واحدًا، والعِرْقُ واحدًا، واللغةُ واحدة، والوطن واحدًا؛ فلماذا لا نكون صفًا واحدًا؟ وعلام هذه القطيعةُ والانقسام والهجران، وعلامَ هذا الاختلاف والشقاق؟ أمنْ أجلِ شارعٍ ضيق؟ أو مجرًى مؤذٍ؟ أو من أجل دابة أو سيارة؟ أو من أجل تراشق كلامي أو إعلامي؟ أو من أجل مالٍ أو جاه، أو سلطانٍ أو كرسيّ، أو من أجل وطن أو دين؟ وعلامَ هذا التنازع وذاك الافتراق؟ وإلامَ الخُلْفُ والاختلاف؟
قال أحمد شوقي (سنة 1925 شمسية):
إلامَ الخلفُ بينكم؟ إلامَ؟ *** وهذي الضجة ُّ الكُبرى علامَا؟
وفيمَ يَكيدُ بعضكمُ لبعض؟ *** وتُبْدُون العداوةَ والخِصامَا؟
وَلِينا الأمرَ حزبًا بعد حزب *** فلم نكُ مصلحين ولا كراما
وأينَ الفوز؟ لا مصرُ استقرَّت *** على حالٍ ولا السودانُ داما
(الشوقيات:1/ 274-276، وفي الأدب الحديث لعمر الدسوقي:2/ 130)
فـ("الخلافُ شَرٌّ"، كما قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، (سنن أبي داود:1960).
ألا تدري أيها المخاصم والمخالف أنك ستجلسُ يومًا مّا أنت وخصمُك على مائدةِ واحدة؟ ألا تعلم أنك ستصافحُ خصمَك وتعانقه؟ فلِمَ هذا التنابزُ بالألقابِ والسبِّ والشتمِ والطعن؟ لِمَ تذكرُ أخاك بالسوءِ في المجالسِ والدواوين، أو عبرَ وسائلِ الإعلام؟ وإن كانت بصماتُ خيره وآثارُه الطيبة، وخطواتُه الحسنة، يعرفُها القاصي والداني، والشاردُ والوارد، فإنكارُها وغَمْطُها يثيرُ الضغائنَ والأحقاد، ويولِّد الفتنَ والإِحَن! وعكسُ ذلك فيمن تحبُّه وتواليه، وتتعصَّبُ له وتغالي فيه، وتكيلُ له المديحَ والشكرَ والثناء، وإن كانت أخطاؤه؛ ذِكْرُها ملأ ما بين الأرض والسماء، فأين العدل والإنصاف؟ أنسيت قولَ اللهِ جلَّ في علاه: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا} [الإسراء:53].
أغفَلْتِ عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا، وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا» (سنن الترمذي:1997، صحيح الجامع:178)، واستمع لما صح عن أسلمَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: "لَا يَكُنْ حُبُّكَ كَلَفًا، وَلَا بُغْضُكَ تَلَفًا، فَقُلْتُ: كَيْفَ ذَاكَ؟ قَالَ: إِذَا أَحْبَبْتَ كَلِفْتَ كَلَفَ الصبيّ، وإذا أبغضت أحببت لصاحبه التلف" (الأدب المفرد:1322)، والكلف الولوع بالشيء مع شغل قلب، أخي المسلم؛ ألست مؤمنًا بقوله صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ المُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الفَاحِشِ وَلَا البَذِيءِ» (سنن الترمذي:1977).
أخي المسلم؛ ألم تعلم أنَّ غِشَّ أخيك في الطعامِ ونحوه حرامٌ لا يجوز! لما ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى صُبْرَةٍ مِنْ طَعَامٍ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا، فَقَالَ: «يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ، مَا هَذَا؟»، قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: «أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ»، ثُمَّ قَالَ: «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا»" (سنن الترمذي:1315)، فكيف بغشه في حياتِه وسفك دمه؟! فإنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد قَالَ: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» (مسلم:101).
إن الغشّ والفرقةَ والهجران، تساوي انتهاكَ الأعرضِ بل سفكَ الدماء، فقد ورد عَنْ أَبِي خِرَاشٍ السُّلَمِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ هَجَرَ أَخَاهُ سَنَةً فَهُوَ كَسَفْكِ دَمِهِ» (سنن أبي داود:4915، الصحيحة:928)، فمَن سفكَ دمَ مَنْ خلالَ السنواتِ السبعِ العجاف؟ هل هو ذنبٌ مشترك؟ أو هو من عطَّلَ المصالحة؟ أو غيرَ ذلك؟ أقول: أيًّا كان ذلك، فالتوبةُ تجبُّ ما قبلها، و«التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ، كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ» (سنن ابن ماجه:4250، صحيح الجامع:3008)، والرجوع إلى الحق فضيلة.
إخواني علينا أن نستقبلَ أيامَنا في جوِّ المصالحة بالتحابُبِ والتوادِّ، والأُلْفةِ والتراحم، ونبذِ الاختلافِ والفرقة، وأن نقبل على طاعةِ اللهِ سبحانَه واجتنابِ معصيتِه، ليباركَ اللهُ لنا في أعمالنا وطاعاتِنا، ويباركَ في هذه المصالحةِ، ويجعلَ فيها القوةَ والاتحاد، فيقذفُ الله في قلوبِ أعدائنا الرعبَ والخوفَ والوهن، فبالإيمانِ والأعمالِ الصالحةِ يكونُ الأمنُ والأمانُ والتمكينُ لنا من الله في أرض الله، فقد: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ . وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النور:55-56].
إخواني في دين الله جلَّ جلاله، في فلسطين كانت الحروب، ومنذُ زمنٍ طويلٍ وأمَدٍ بعيد، لم تذقْ طعمَ الحريةِ والاستقلال، تلقَّفتْها دولٌ شتَّى، وتعاقبتْ عليها حكومات، وتعرضت للاعتدائاتِ مراتٍ ومرَّات، فما إن تنسَّمت شيئًا من رائحة الحريّة، حتى ابتُليَت بالانقسام البغيض، والافتراقِ والاختلافِ خلالَ سبع سنوات عجاف، خلالها ذاقَ أهلُها مرارةَ الحياة، وعايش ناسُها شَظَفَ العيش، توالت عليها سياطُ العدوّ، من البرِّ والبحر والجوّ، فوقع قتلى وجرحى، وهُدِّمت مساكنُ ومساجد، واجتِيحَت مزارعُ وأراضٍ، والناسُ من حولنا؛ يغنُّون في فضائياتهم وإذاعاتهم ويرقصون ويمثِّلون، وفي المباريات والمسابقات يلهون ويلعبون..
فمن الضيقِ الذي يعانيه الناسُ في فلسطين؛ دعا بعض النساءِ الثكلى على من جاورنا من إخواننا العرب؛ بأن يصيبَهم ما أصابنا، ودعا بعضُ الرجالِ الذين أُصيبوا في مالٍ أو أهلٍ أو ولدٍ بأن يذوقَ العربُ ما ذُقنا، من ألم المصيبة والدمار، وهذا الدعاء على المسلمين وإن كان لا يجوز، ويأثم من دعا به، لكنه تحقَّق أكثرُه، فهل ما يسمَّى بالربيع العربي وما حدث فيه من سفكٍ للدماء، وزهقٍ للأنفس والأرواح، وتدميرٍ للممتلكات العامَّةِ والخاصّة، واختلالٍ للأمن، وانتشارٍ للفتن، مما يعانيه إخواننا في مصرَ وليبيا، واليمنِ والعراقِ وسوريا، وسائرِ بلاد المسلمين، هو نتيجةَ دعاءِ المظلومين والمظلومات من أهل فلسطين؟!
فإن كان الأمرُ كذلك، ودعاءُ أهلِ فلسطينَ المكلومين مجابٌ عند الله عاجلاً أو آجلاً، فواجبٌ علينا نحن الفلسطينيين، ونحن مقبلون على مصالحَةٍ وطنيَّةٍ أخويَّة، أنْ ندعوَ لنا ولإخواننا العربِ والمسلمين فنقول: اللهم وحِّد صفوفَنا، وألِّف بين قلوبنا، وأزل الغلَّ والحقد والحسد والبغضاء من صدورنا، وأصلحْ ذات بيننا، واجعلنا يدًا على من سوانا، ووحِّد كلمتَنا، واعطفْ قلوبَ قادتِنا وولاةِ أمورنا علينا، وارفع اللهم الظلم عن المظلومين في شتى بقاع الأرض عامة، وفي بلادنا الإسلامية والعربية خاصة، اللهم انصر إخواننا المظلومين من نساء وشيوخ وأطفال وأبرياء في سوريا والعراق واليمن خاصة، وسائر بلاد الإسلام عامة.
اللهم كثرت الفتن، وانتشرت المحن، واختلطت الأمور، وكثر الهرج، فأصبح فينا الحليم حيرانا، والحكيم مدهوشًا، فاللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واختم لنا ولسائر المسلمين بخير يا أرحم الراحمين.
الزعفران أبو المنذر فؤاد
- التصنيف: