مقاصد السور القرآنية - [30] مقاصد سورة النور

منذ 2014-04-27

سورة النور هي السورة الرابعة والعشرون في ترتيب المصحف الشريف، وعدد آياتها أربع وستون آية، وهي سورة مدنية بالإجماع...

سورة النور هي السورة الرابعة والعشرون في ترتيب المصحف الشريف، وعدد آياتها أربع وستون آية، وهي سورة مدنية بالإجماع.

تسميتها

اسم هذه السورة (النور)، ولم يثبت لها اسم غيره. وسُمِّيت بسورة (النور)؛ لقوله تعالى فيها: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور من الآية:35].

قال الشيخ أبو زهرة رحمه الله: "وإنها لو سُمِّيَت سورة (الأسرة) لكانت جديرة بهذا الاسم".

وقال الشيخ الشعراوي رحمه الله: "وإذا استقرأنا موضوع المُسمَّى، أو المعنون له بسورة (النور) نجد النور شائعًا في كل أعطافها -لا أقول آياتها ولا أقول كلماتها- ولكن النور شائع في كل حروفها، لماذا؟ قالوا: لأن النور من الألفاظ التي يدل عليها نطقها، ويُعرِّفها أكثر من أي تعريف آخر، فالناس تعرف النور بمجرَّد نطق هذه الكلمة، والنور لا يُعْرَف إلا بحقيقة ما يؤديه، وهو ما تتضح به المرئيات، وتتجلى به الكائنات، فلولا هذا النور ما كُنَّا نرى شيئًا".

ونقل الشيخ القاسمي عن المهائمي رحمهم الله قوله: "سُمِّيَت به لاشتمالها على ما أمكن من بيان النور الإلهي، بالتمثيل المفيد كمال المعرفة الممكنة لنوع الإنسان، مع مقدِّماتها، وهي أعظم مقاصد القرآن".

فضائلها

روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها -وذكرت الإفك- قالت: "جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكشف عن وجهه، وقال: «أعوذ بالله السميع العليم، من الشيطان الرجيم، {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} [النور من الآية:11]».

وروى الطبري بسنده، قال: "استعمل علي بن أبي طالب ابنَ عباس رضي الله عنهم على الحج، قال: فخطب الناس خطبة، لو سمعها التُّرك والروم لأسلموا، ثم قرأ سورة النور، فجعل يُفسِّرها". وفي رواية: "والله لو سمعتها التُّرك لأسلموا".

وروى الطبراني في (الأوسط) عن أُبيِّ بن كعب رضي الله عنه، قال: "لمَّا قَدِمَ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وآوتهم الأنصار رضي الله عنهم، رمتهم العرب عن قوسٍ واحدة، فنزلت: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} [النور من الآية:55]". قال الهيثمي: "رجاله ثقات".

وروى البيهقي وغيره عن مجاهد مرفوعًا، قال: "علِّموا رجالكم سورة المائدة، وعلِّموا نسائكم سورة النور".

وفي (تفسير القرطبي) أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أهل الكوفة: "علِّموا نساءكم سورة النور".

وقد قال بعض العلماء في آيات الإفك: "إنها أرجى ما في القرآن؛ لأن الله عظم شأن الإفك، وتوعَّد عليه غاية الوعيد، وجعله منافيًا للإيمان، ثم أمر بالعطف على بعض من وقع فيه، ووصفهم بالقرابة والمسكنة والهجرة، وندب إلى الإنفاق والعفو عنهم والصفح".

مقاصدها

المحور العام الذي تدور حوله سورة النور هو محور التربية، قال القرطبي: "مقصود هذه السورة ذكر أحكام العفاف والستر".

وقال ابن الزبير: "مقصودها مدلول اسمها المودع قلبها، المراد منه: أنه تعالى شامل العلم، اللازم منه تمام القدرة، اللازم منه إثبات الأمور على غاية الحكمة، اللازم منه تأكيد الشرف للنبي صلى الله عليه وسلم، اللازم منه شرف من اختاره سبحانه لصحبته، على منازل قربهم منه، واختصاصهم به، اللازم منه غاية النزاهة والشرف والطهارة لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، التي مات صلى الله عليه وسلم وهو عنها راضٍ، ثم ماتت هي رضي الله عنها صالحة مُحسِنة، وهذا هو المقصود بالذات، ولكن إثباته محتاج إلى تلك المقدمات".

وقال الشيخ الشعراوي رحمه الله: "وسورة النور جاءت لتحمل نور المعنويات.. نور القيم، نور التعامل، نور الأخلاق، نور الإدارة والتصرُّف، وما دام أن الله تعالى وضع لنا هذا النور فلا يصح للبشر أن يضعوا لأنفسهم قوانين أخرى؛ لأنه كما قال سبحانه: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور من الآية:40]، فلو لم تكن هذه الشمس ما استطاع أحد أن يصنع لنفسه نورًا أبدًا. فالحق تبارك وتعالى يريد لخليفته في أرضه أن يكون طاهرًا شريفًا كريمًا عزيزًا؛ لذلك وضع له من القوانين ما يكفل له هذه الغاية، وأول هذه القوانين وأهمها قانون التقاء الرجل والمرأة التقاء سليمًا في وضح النهار؛ لينتج عن هذا اللقاء نسل طاهر جدير بخلافة الله في أرضه".

ويمكن تلخيص مقاصد سورة النور وفق التالي:

● بيان أن هذه السورة -وهذا شأن القرآن كله- وما تضمَّنته من أحكام ومبادئ إنما هي من عند الله سبحانه، فهو سبحانه أعلم بما يصلح عباده وما يفسدهم، وأن ما يختاره سبحانه لعباده فرض عليهم التزامه والعمل به؛ لأن فيه تحقيق مصلحتهم الدنيوية، ونيل سعادتهم الأخروية، ولا يمكن تحقيق هذه وتلك إلا بما شرعه الله سبحانه.

● تجريم عقوبتي الزنى والقذف، وبيان حدِّ كل منهما؛ لما لهاتين الجريمتين من خطر -أي خطر- على أمن المجتمع وسلامة الأسرة.

● تبرئة السيدة عائشة رضي الله عنها مما رُمِيَت به من إفك وزور، وأنها رضي الله عنها كانت طاهرة عفيفة، لا يشك في هذا إلا كل أفَّاك أثيم. وقد قرَّرت السورة في هذا السياق قاعدة مهمة، وهي أن الأصل حُسْن الظن بالمسلم، ولا يُعْدَل عن هذا الأصل إلا بيقين.

● التحذير من إشاعة الفاحشة في المجتمع؛ إذ إن انتشار الفاحشة في المجتمع من أهم عوامل هدمه وانهياره، وانتشار الفاحشة في المجتمع يعني خرابه ودماره، وشيوع الفضيلة فيه يعني بناءه واستقراره.

● تحدَّثت السورة عن وسائل الوقاية من الجريمة، وتجنيب النفوس أسباب الإغراء والغواية؛ وذلك ببيان آداب البيوت والاستئذان على أهلها، والأمر بغض البصر والنهي عن إبداء الزينة للمحارم، والحث على إنكاح الفتيان والفتيات غير المتزوجات، ولو كانوا فقراء، فإن الله سبحانه يُغنيهم من فضله، فهو الغني الحميد، والنهي عن البغاء ووسائله.

● التحذير من اتباع خطوات الشيطان، وبيان أن اتباع خطواته تفضي إلى سوء وعاقبة وخيمة، حيث إن الشيطان لا يترك الإنسان وشأنه، بل يستجره من سوءٍ إلى سوء، ومن ذنبٍ إلى آخر.. إلى أن يودي به في نار جهنم، ثم يقول له: {إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ} [الحشر من الآية:16].

● تأديب أهل البيت الواحد بأدب الاستئذان على الأسرة نفسها في الدخول إلى الحجرات المخصصة للرجل وزوجه، فدخول الأولاد على أبويهما في أوقات الفجر والظهيرة وبعد العشاء يستوجب إذن الوالدين.

وأيضًا: فإن الأطفال البالغين يجب عليهم الاستئذان ككل آحاد الأسرة، لا في أوقات العورات فحسب. وتبين السورة كذلك أحكام كبار السن من النساء، اللائي لم يعد للرجال طمع في الزواج منهن، أنه ليس {عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} [النور من الآية:60].

● ألمحت السورة الكريمة إلى أن صلاح المجتمع يبتدئ من بيوت العبادة؛ ورأس العبادة الصلاة، فهي طهارة القلوب، والمجتمع الصالح ما قام إلا على طهارة النفوس، فذكر سبحانه وتعالى المساجد ومكانتها، ومنزلة عمَّارها وروادها والمعلقة قلوبهم بها.

● وجَّهت السورة الأنظار إلى خلقه سبحانه وتعالى، وخضوع الوجود له عز وجل، فكل ما الوجود خاضع لأمره، وسائر وَفْق مشيئته، كل ذلك بانتظام وبقدر وبحكمة.

● بيَّنت السورة مجافاة المنافقين -وهم موجدون في كل عصر ومصر- للأدب الواجب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطاعة والتحاكم، وصوَّرت أدب المؤمنين الخالِص وطاعتهم.

● وَعْده سبحانه عباده المؤمنين حق الإيمان المُطبِّقين لشرعه، الاستخلاف في الأرض، والتمكين في الدين، والنصر على الكافرين.

● تحدَّثت السورة عن آداب الضيافة في محيط البيوت بين الأقارب والأصدقاء، وآداب الجماعة المسلمة كلها كأسرة واحدة، مع رسولها ومربيها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

● ختم السورة بإعلان ملكية الله لما في السماوات والأرض، وعِلمه بواقع الناس، وما تنطوي عليه حناياهم، ورجعتهم إليه، وحسابهم على ما يعلمه من أمرهم.

{وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.
 

 

 

  • 23
  • 2
  • 25,415
المقال السابق
[29] مقاصد سورة مريم
المقال التالي
[31] مقاصد سورة الفرقان

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً