الكبائر المائة (1–10)
من الكبائر الشرك بالله بأنواعه وترك الصلاة ومنع الزكاة وترك الحج مع القدرة وقتل النفس التي حرم الله
الحمد لله الرحمن الرحيم، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، هو أهل التقوى وأهل المغفرة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فيقول الله جل جلاله: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء:31]، هذه الآية الكريمة بشارة عظيمة من الله الكريم لهذه الأمة المرحومة أن من اجتنب الكبائر يكفر الله عنه سيئاته الصغائر ويدخله الجنة، روى عبد الرزاق الصنعاني عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال عن هذه الآية: "هي أحب إلي من الدنيا جميعًا"، وروى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال عن هذه الآية: "هي خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت".
ويقول الله تبارك وتعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [النجم:32].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: « » (متفق عليه).
والكبائر هي كل ما جاء فيه وعيد في الآخرة من عذاب أو غضب أو تهديد أو لعن لفاعله أو براءة منه أو وصفه بالكفر أو الفسوق أو النفاق أو جعله من الضالين أو العادين لحدود الله أو جاء نفي الإيمان عنه أو عدم قبول صلاته أو التصريح بإثمه أو عدم محبة الله له أو كان فيه حد في الدنيا أو كان فيه كفارة.
وأهل العلم لم يتفقوا على عدد محدد للكبائر، والراجح أن عددها غير محصور وإنما يمكن معرفتها وتمييزها بالوصف، وبعض الكبائر أكبر من بعض، والصغيرة مع الإصرار تعظم كما قال ابن عباس: "لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار"، والصغيرة مع الصغيرة تُهلِك كما روى أحمد بسند صحيح عن سهل بن سعد رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « ».
1- الشرك بالله:
والشرك نوعان:
النوع الأول: شرك أكبر، وهو عبادة غير الله معه بصرف أي نوع من العبادات لغير الله، كدعاء غير الله والذبح لغير الله واعتقاد أن غير الله يتصرف في الكون مع الله، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء من الآية:48]، وروى مسلم في صحيحه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: « ».
النوع الثاني: شرك أصغر، وهو كل وسيلة إلى الشرك الأصغر مثل الحلف بغير الله كالنبي والكعبة والأمانة والرأس والوجه والأولاد وغير ذلك، روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: « »، وروى أبو داود وأحمد بسند صحيح عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « ».
ومن الشرك الأصغر: الرياء بالأعمال، قال الله تعالى مخبرا عن المنافقين: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:142]، وروى أحمد بسند حسن عن محمود بن لبيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: « » قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: « ».
ومن الرياء: تعلم العلم الشرعي للدنيا، روى ابن ماجه وصححه الألباني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « » (عرف الجنة: يعني ريحها).
ومن الشرك الأصغر: تعليق التمائم والحروز واعتقاد أنها سبب لدفع البلاء، أما من اعتقد أنها تنفع وتؤثر بذاتها فهذا شرك أكبر، روى أبو داود بسند صحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: « »، والتولة شيء من السحر تصنعه بعض النساء يتحببن به إلى أزواجهن.
ومن الشرك الأصغر: التطيّر وهو التّشاؤم بمرأي أو مسموع أو مكان أو زمان كيوم أو شهر معين، روى أبو داود بسند صحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: « » قال ابن مسعود: "وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل".
2- قتل المسلم أو الذمي المعصوم:
قال الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}[النساء:93]، وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: « » فكيف بمن يقتل مسلما؟!
ومن الكبائر: الإعانة على القتل المحرم، صرح بذلك الفقيه الهيتمي في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر، والله تعالى يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة من الآية:2].
3- السحر:
قال تعالى: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} [البقرة من الآية:102] (من خلاق: أي من نصيب).
ومن الكبائر: تصديق الكاهن والمنجم، روى مسلم عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: « »، وروى البزار بسند حسن عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « ».
4- ترك صلاة واحدة من الصلوات الخمس المفروضة:
الصلاة عمود الإسلام وآكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي أول ما يحاسب به العبد من أعماله، فمن جحدها أو تركها بالكلية فقد كفر وارتدَّ عن دين الإسلام للحديث الصحيح الذي رواه الترمذي عن بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: « »، وأما من يصلي أحيانًا ويترك بعض الصلوات أحيانًا فهو فاسق متوعد بقوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ . الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}[الماعون:4-5] أي غافلون عنها متهاونون بها، وقال الله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا . إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا} [مريم:59-60].
ويخشى النفاق على من يترك بعض الصلوات كما قال الله سبحانه: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا } [النساء:142].
5- منع الزكاة:
قال الله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران من الآية:180]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة:34-35].
6- إفطار يوم من رمضان بلا عذر:
في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : « ».
ومن أفطر يومًا من رمضان بأكل أو جماع أو غير ذلك بلا عذر فعليه أن يبادر بالتوبة إلى الله وقضاء ما أفطره من الأيام، فقد عد الهيتمي في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر تأخير القضاء لمن أفطر متعمدًا من الكبائر لما تقرر من أنه إذا تعدى بالإفطار يكون فاسقا فتجب عليه التوبة فورًا خروجا من الفسق، ولا تصح التوبة إلا بالقضاء فإذا أخره من غير عذر كان متماديًا في الفسق، والتمادي في الفسق فسق.
7- ترك الحج مع القدرة عليه:
قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:97].
8- عقوق الوالدين:
في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الكبائر، قال: « ».
9- هجر الأقارب:
قال الله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22-23]، وفي الصحيحين عن جبير بن مطعم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: « ».
10- هجر المسلم فوق ثلاث ليال بغير غرض شرعي:
روى البخاري ومسلم عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: « »، وروى أبو داود وصححه الألباني عن أبي خِرَاش السُلَمي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: « ».
محمد بن علي بن جميل المطري
- التصنيف:
- المصدر: