على أعتاب القرن السادس عشر الهجري: ما المستحيل؟
منذ 2008-02-12
والسؤال المهم هنا هو: كيف نتعامل مع هذه العبارة في ضوء ما عرفناه عن الإمكانية والفرصة والمهارة؟
الرسالة:
كتب العالم الحجة عالم الجزيرة ومفتيها ميمون بن مهران إلى عمر بن عبد العزيز: إني شيخ رقيق، كلفتني أن أقضي بين الناس، وكان علي الخراج والقضاء بالجزيرة، فكتب إليه: إني لم أكلفك ما يعنيك، اجب الطيب من الخراج، واقض بما استبان لك، فإذا لبس عليك شيء، فارفعه إلي، فإن الناس لو كان إذا كبر عليهم أمر تركوه، لم يقم دين ولا دنيا.
ما علاقة هذه القصة بالإمكانية والفرصة والهمة والتعامل مع ما يعده البعض من المستحيل؟ وكيف نستفيد من ذلك في حياتنا؟
دعونا قبل البدء نستعرض تعريفات الإمكانية والفرصة والهمة حتى لا تفسر بحسب معاني لم لم أقصدها، وهذا للأسف يحدث كثيراً عند المناقشة حيث تجد الصراخ قد ارتفع بين اثنين حول موضوع معين ولو أمعنوا النظر قليلاً لوجدوا أن الخلاف ليس حول الموضوع ذاته بل في نظرة كل منهم للتعريف!
ونبدأ في تعريف الإمكانية: فالإمكانية هي حصيلة أو مجموع ما يملكه الشخص من معارف أو ومهارات أو كلتيهما، أو القدرة على عمل شيء ما من خلال المعلومات أو المهارات أو كلتيهما، وأقرب مثال على اجتماع المعرفة مع المهارة لتحقيق إمكانية التعامل مع الأشياء يتمثل في التعامل مع الحاسب الآلي، فالتعامل مع الحاسب يحتاج معرفة مع مهارة، وأقرب مثال على المعرفة فقط يتمثل في معرفة شخص ما معلومات عن موضوع معين بحيث يستطيع التعبير عنه تعبيراً سليماً سواء من خلال الكتابة أو الحديث أو الإشارة مثلاً كما في حالة الصم والبكم، وأقرب مثال تبرز فيه المهارة فقط مع الحاجة لمعلومات بسيطة يبرز في لاعب كرة القدم والسلة وغيرهم من أصحاب المهارات. فعندما نتكلم عن الإمكانية فنحن نتحدث عن المعرفة أو المهارة أو كليهما مجتمعين.
وأما الفرصة فهي أمر مرتقب في فترة زمنية قد تقصر وقد تطول ينتظره شخص أو مجموعة لتحقيق هدف معين يبتغيه الشخص أو المجموعة، بحيث لو تأخر تحرك الفرد أو المجموعة نحو الفرصة التي ظهرت تذهب تلك الفرصة وقد تعود مرة أخرى وقد لا تعود. فالفرصة عند الفرد نوضحها في المثال التالي: فرد لديه وظيفة جيدة أو في مكان جيد يرغبه كثير من الناس ويرى إعلانا في جريدة عن وجود بعثات جديدة للدراسات العليا في الخارج، فعدم تقديمه أو تردده في التعامل مع هذه الفرصة مع وجود الإمكانية لديه ليغتنمها قد يضيع هذه الفرصة.
وهنا قد يكون من المناسب التعامل مع الفرص بالتعامل الذي يراه الشاعر الحكيم الذي قال ذات يوم:
إذا هبت رياحك فاغتنمها *** فإن لكل خافقة سكونا
أي عندما تهب الريح المناسبة التي تساعدك في المضي والتقدم إلى الأمام فسر مع هذه الريح واغتنم الفرص.
وأما اغتنام الفرص في مجال المجموعة فتظهر أكثر ما تظهر في عمل الشركات التجارية وفي المنظمات الربحية و التطوعية وغيرها، سواء كانت كل مؤسسة تعمل مستقلة أو بالتحالف مع مؤسسة أو منظمة أخرى.ونضرب لها مثالاً واحداً وإلا فالأمثلة في هذا الشأن كثيرة ومتعددة، والمثال: لو فرضنا أن مناقصة عالمية خرجت لبناء مطار في دولة ذات دخل اقتصادي عالي، فإن الفوز ببناء هذا المطار يعتبر لشركة أو مجموعة من الشركات فرصة قد لا تعوض أبداً وقد يؤدي بشركة أو مجموعة شركات متحالفة إلى تحقيق أرباح خيالية وفقدانها قد يؤدي إلى انهيار شركة أو أكثر. والفرصة قد تتاح لفترة طويلة من الزمن كما ذكرنا ثم لا تتاح مرة أخرى وأقرب مثال هنا يضح في المؤسسة التعليمية(المدرسة)، فالفرصة هنا هي تهيئة الطفل أو الشاب خلال سنوات الدراسة حتى يستطيع التفكير حسب منهجية منطقية سليمة يتم خلال سنواتها إكسابه عدداً من المهارات الهامة جداً لهذا العصر مثل القدرة على التعلم الذاتي واكتساب المهارات مستقبلاً وعندما لا تستغل هذه الفرصة تكون المؤسسة التعليمية قد خسرت فرصة عظيمة لبناء الفرد السليم، ويكون المجتمع بالتالي وبعد خسارة الفرصة من قبل المدرسة خاسراً للطاقات المهدرة.ومشكلة الفرصة أنها لا تحتمل الحلول الوسطى!
وأما الهمة: ففي القاموس المحيط (معجم لغوي لبيان معاني الكلمات) ما هُمَّ به من أمر ليُفعل، والعزم القويّ.
ومن ذلك قول الإمام الشافعي رحمه الله:
همتي همة الملوك ونفسي *** نفس حرٍ ترى المذلة كفرا
والشاهد من القصة التي ذكرناها في أول هذا المقال هذه العبارة لعمر بن عبدا لعزيز: فإن الناس لو كان إذا كبر عليهم أمر تركوه، لم يقم دين ولا دنيا.
والسؤال المهم هنا هو: كيف نتعامل مع هذه العبارة في ضوء ما عرفناه عن الإمكانية والفرصة والمهارة؟
صاحب الهمة العالية يذلل المستحيل من خلال مباشرة الممكن، أو قل إن شئت إن كلمة مستحيل غير موجودة في قاموسه الفكري والشعوري. فهو يتعامل مع المستحيل كواقع، ولكن هذا المستحيل لا يقيد حركته، ولا يجعله واقفاً جامداً مكانه لأن همته العالية تسمو به إلى آمال وآفاق كبيرة وبعيدة، وينظر من خلال همته دائما إلى فرصة يمكن أن تحدث أو قريبة الحدوث. وصاحب هذه النفس لا ينظر باكتراث كبير إلى مسلمات الواقع أو مقولات التاريخ على أنها صحيحة تمامًا، فكل شيء عنده قابل للبحث والدراسة والتمحيص داخل الإطار الشرعي، وحتى المقولات الشائعة المشهورة لا تثبت عنده إلا بعد إدخالها لنفس النمط من البحث والتفكير والدراسة للمقولة من أوجه متعددة.
قد يسأل سائل: كيف نذلل المستحيل من خلال مباشرة الممكن؟
لنأخذ هذا المثال: لو قلنا لفرد من الأفراد وهو لم يتلق أي دورات في الحاسب الآلي هذا الحاسب الآلي أمامك ونريد منك طباعة هذا الخطاب، وإعداد هذه الميزانية من خلال برنامج إكسيل، وتجهيز هذا العرض من خلال برنامج البور بوينت، لقال لنا بكل بساطة هذا مستحيل بالنسبة لي. ولكن لو تعلم هذا الفرد أساسيات ومفردات الحاسب خطوة بخطوة، وكل يوم عمل شيء ممكنا بالنسبة له في مجال تعلم برامج الحاسب الآلي فسيصل في نهاية الأمر إلى أن يقوم بعمل ما كان مستحيلاً بالنسبة إليه، وقس على هذا المثال أشياء كثيرة يقول كثير من الناس أنها مستحيلة وهي ليست كذلك حقيقة!
وحتى يستطيع كل فرد عمل الممكن إذا أراد ذلك فيمكنه أن يسأل نفسه السؤال التالي : ما الذي يمكنني أن أعمله في اللحظة الراهنة بحيث أستفيد من هذا العمل أو يستفيد منه الناس وباستطاعتي أن أعمله ولا أعمله؟
سيجد الشخص أو الفرد الذي يسأل نفسه هذا السؤال خيراً عظيماً من خلال مباشرة وعمل الممكن المفيد، وسيجد نفسه وبعد بضع سنوات أنه قد عمل أشياء كبيرة وعظيمة لا يخطر بباله يوماً أنه يستطيع عملها.
وحتى يكون الفرد من أصحاب الهمم الباسقة السامقة العالية التي تنظر دائماً للإمكانات والفرص ولا تنظر للعقبات والعوائق فهناك عدد من الصفات التي يجب أن يتحلى بها منها:
1- قوة الإرادة: قال تعالى : {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة:46].
ومن مظاهر قوة الإرادة كما يذكر صاحب كتاب الأخلاق الإسلامية الدكتور حسن حبنكة الميداني:
أ- نهي النفس عن الهوى والقدرة على السيطرة على النفس الأمّارة بالسوء .
ب-الجد في الأمور والأخذ فيها بزمام الحزم والنظام في الأعمال والبعد عن الفوضى.
ت- المبادرة بفعل الخير قبل وجود الموانع.
ث- التفاؤل.
وغيرها من الفضائل التي يذكرها جزاه الله كل خير.
2- مجاهدة النفس: فقد قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].
3- الصبر: وهذا أصل عظيم لكل خير، وباب كبير لصد كل شر ، وهو ما أمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} [الأحقاف:35] وبه تنال الإمامة في الدين فقد قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24].
4-اليقين الدائم بأن هناك دائمأً إمكانية لعمل شيء ينفع الفرد بذاته وينفع به الناس، وأنه بالإمكان أحسن مما كان، وعدم اليأس عند مواجهة الصعاب والعقبات فقد قال تعالى: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكافرون} [يوسف: 87].
ولنعتقد ولنؤمن إيماناً جازماً أن هناك رباً رحيماً يجيب الدعاء، ويجازي المحسن بأكثر من إحسانه، ويتجاوز عن الذنوب والسيئات، ويغفر ويعفو، ويقود المؤمن للخير والبر والصلاح إذا علم منه صدق النية وسلامة المقصد وأخلص لله رب العالمين، فلنسأله سؤال المحتاجين، ولنقف على بابه وقوف الخاضعين الذالين لعظمته سبحانه، ولنشكو إليه آلامنا، وندعوه بآمالنا، إنه الجواد البر الكريم.
سلطان الدويفن
عضو الجمعية السعودية للإدارة
- التصنيف: