نازلة ولا أبا زيد لها
منذ 2008-02-12
ترى هل يقدر شباب الصحوة لهذه النازلة قدرها، هل يدركون أن الصحوة في حاجة إلى طلب العلم أكثر من أي وقت مضى، على خلاف ما يتوهم كثير منهم؟!!
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
ارتبط اسم الشيخ العلامة/ بكر أبو زيد -رحمه الله- بكثير من العناوين منها:
"درء الفتنة عن أهل السنة"، و"حراسة الفضيلة"، وغيرها كثير إلا أن أبرزها على الإطلاق هو "فقه النوازل" الذي يظهر الشخصية العلمية للدكتور بكر أبو زيد، ويظهر تمكنه من علوم الفقه والأصول والحديث، وقدرته على حسن التصور والصياغة للنوازل، على تنوع مجالاتها من طب إلى اقتصاد إلى أفكار ونظريات...
كما ارتبط اسم الدكتور بكر رحمه الله باسم العلامة ابن القيم رحمه الله، ويرجع ذلك إلى سببين:
- أحدهما: العناية الفائقة التي أولاها الدكتور بكر أبو زيد لابن القيم -رحمه الله-، وبيانه: أن الفكرة السائدة لدى كثير من الباحثين عن ابن القيم رحمه الله من أنه هذب كتب ابن تيمية، أنها وإن كانت قد وضعت ابن القيم في منزلة شريفة في مدرسة ابن تيمية، إلا أنها دون منزلته الحقيقية من سعة علمه وسعة اطلاعه على علوم السلف، وحسن تقريبه لها، مع التسليم بأنه أخذ منهجيته في التعامل مع علوم النقل والعقل من أستاذه وشيخه شيخ الإسلام ابن تيمية.
- الثاني: أن الدكتور بكر أبو زيد في جودة تأليفه وحسن تصنيفه، وحرصه على رد الفروع إلى أصولها، كان فيه شبه شديد بالعلامة ابن القيم رحمه الله.
إلا أنه يبدو لي شبه آخر بين الدكتور بكر أبو زيد وبين ابن القيم رحمه الله، حيث تتلمذ الدكتور بكر أبو زيد على العلامة الشنقيطي والعلامة ابن باز رحمهما الله، وكان حال الدكتور بكر أبو زيد مع هذا الجيل من العلماء كحال ابن القيم مع شيخه ابن تيمية، وفق نظريته عن ابن القيم ناهلاً من علومهم ومتشرباً بمنهجهم، ولكنه في ذات الوقت واسع الاطلاع على علوم السلف بصفة عامة.
وكان له في ذات الوقت جهد عظيم في الترتيب والتنظير والدفاع عن ثوابت الأمة، وحراسة هويتها، والعناية بترشيد جهود العاملين في الدعوة إلى الله تعالى.
- ومن هنا كان لفقد عالمنا الجليل بعد فقد الشنقيطي، ومِنْ بعده ابن باز، والعثيمين، والألباني رحمهم الله جميعاً، وأعلى درجاتهم وأجزل ثوابهم نفس الألم الذي كان لفقد ابن القيم بعد فقد ابن تيمية، وإنها لنازلة أي نازلة أن نفقد فقيه النوازل، في عصر النوازل.
- ترى هل يقدر شباب الصحوة لهذه النازلة قدرها، هل يدركون أن الصحوة في حاجة إلى طلب العلم أكثر من أي وقت مضى، على خلاف ما يتوهم كثير منهم؟!!
حيث انخرم جيل أو كاد ينخرم، جيل أدى الأمانة في ظروف شديدة الصعوبة في ظل ضعف الإمكانيات المادية في بلاد المسلمين، وفي ظل هجوم فكري شرس على الإسلام -عقيدة وشريعة-، فثبتوا لهذه الهجمات ثبوت الرجال، وأعادوا الاعتبار للمنهج الإسلامي الصحيح -عقيدة وشريعة-.
وأثبتوا عملياً بتصنيفاتهم وبحوثهم شمول الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان، ولم تنتهِ حياة معظمهم إلا وقد أقر الله أعينهم بحمل مؤلفاتهم وعلومهم إلى العالم أجمع من خلال ثورة الاتصالات، فأصبح الواحد منهم في بلده وعلومه تجوب الكرة الأرضية.
ولكن على قدر النفع العظيم بهذه الوسائل "كانت النازلة" التي اعتنى الدكتور بكر أبو زيد بطرف من أدبها في رسالته اللطيفة "أدب الهاتف" ليحذر المسلمين من بعض الجوانب السلبية في هذه الوسائل الحديثة و يبين لهم كيفية إخضاعها للآداب الإسلامية.
وكم نحن في حاجة إلى أن نتذكر أخطر سلبيات هذه الثورة المتمثلة في كون كثير من شباب المسلمين يركن إلى كون نتاج كل علماء الزمان مقروءاً ومسموعاً بل ومرئياً مخزناً على حاسوبه أو على المواقع الإسلامية المتعددة مكتفياً بذلك، دون أن يستثمر هذه الوسائل في أن يكون طالب علم نابه، أو حتى طويلب علم مجتهد، والدعوة لن تتحرك بالحاسوب، وإنما سوف تتحرك بجهود دعاة مخلصين واعين مدركين لما يدعون، وما ينزل بالناس من "نوازل" في كل يوم من أفكار ومخترعات ونظم حياة، لن يستطيع الحاسوب أن يجتهد فيها ويخرج فروعها على أصول الشرع.
فهل أعددنا أنفسنا لهذه المعضلات ونحن نشيع علماءنا واحداً بعد واحد؟، لقد كان لمقتل القراء في معارك الردة ألم بالغ في نفوس المؤمنين، ولكنه في ذات الوقت كان سبباً في عمل هو من أجل أعمال جيل الصحابة -رضي الله عنهم- ومن أعظم مناقب صديقهم أبي بكر رضي الله عنه ألا وهو جمع القرآن، ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يوظفون كل أحوالهم للانطلاق نحو نصرة دين الله عز وجل.
رحم الله الشيخ بكر أبو زيد، ورفع درجته في عليين، وحشره مع النبيين والصديقين والشهداء، وأحسن الله عزاء الأمة، وبارك في همم شبابها ودعاتها وطلبة العلم فيها، وبارك في أعمار وأوقات وأعمال من بقي من علمائها اللهم آمين.
www.salafvoice.com
موقع صوت السلف
المصدر: صوت السلف
عبد المنعم الشحات
أحد المشايخ البارزين بمسجد أولياء الرحمن بالاسكندرية للدعوة السلفية و منهجه منهج أهل السنة و الجماعه و سلف الأمة من الصحابة و التابعين لهم باحسان
- التصنيف: