المُهرِّجون الجُدُد.. (لا دين... في الدين)!
خالد غريب
نشأت مناهج العلوم السياسية في أواخر القرن العشرين.. في الولايات المتحدة الأمريكية، وتم تحويل بعض النظريات الفلسفية للفلاسفة إلى تطبيقات ومعالجات حياتية، وعلى رأسها نظريات فلاسفة القرن السابع عشر إلى التاسع عشر.. والتي كانت فترة تحوُّل أوروبا من حكم الكنيسة وهيمنتها إلى العلمانية البحتة والنفور من الدين وإبعاده على قدر الإمكان..
- التصنيفات: الواقع المعاصر - قضايا إسلامية معاصرة -
نشأت مناهج العلوم السياسية في أواخر القرن العشرين.. في الولايات المتحدة الأمريكية، وتم تحويل بعض النظريات الفلسفية للفلاسفة إلى تطبيقات ومعالجات حياتية، وعلى رأسها نظريات فلاسفة القرن السابع عشر إلى التاسع عشر.. والتي كانت فترة تحوُّل أوروبا من حكم الكنيسة وهيمنتها إلى العلمانية البحتة والنفور من الدين وإبعاده على قدر الإمكان..
ولذا؛ تم إيجاد مصطلحات وقوانين ونظريات تطبيقية، أول من وضعها هو الفليسوف الإيطالي "نيكولا ميكافيللي" في كتابه الشهير (الأمير) حوَّل فيه تلك النظريات الفلسفية المؤسسة على الفرار من كل ما هو ديني.. نظرًا للحالة القائمة آنذاك إلى قوانين استرشادية سياسية لأنظمة الحكم وإدارة شئون الجماهير..
وتلك المصطلحات وُضِعت بعناية فائقة جدًا؛ بحيث يكفي فقط استخدام المصطلح حتى يوصلك دون إرادة إلى أصل النظرية الفلسفية المنبثق منها.. إلى هنا والأمر طبيعي جدًا..
أما الغير طبيعي والغريب.. هو التناقض الكبير الظاهر مؤخَّرًا والذي يرسم صورة كوميدية تمامًا، وهو استخدام التيارات الإسلامية السياسية الحديثة لنفس المصطلحات المعاكسة تمامًا لتوجهاتهم أو حتى للنظريات التي يحملونها..
وتُشبِه تلك الصورة تمامًا أحد الأشخاص "يلبس جلابية بيضاء ويرتدي عليها كرافته"... من باب: "ما لا يُدرِك كله لا يترك كله"...!
وهو بذلك يظن أنه يدخل إلى الاشتباك الواقعي مُلفِتًا له النظر.. إلا أنه لا يرى أنه بالفعل دخل لكن -كمُهرِّج-.. ليَضحك عليه الآخرون بل ويتلاعبون به.. لأنه يتناقض مع ذاته تمامًا.. حيث يحاول التأقّلم!
أحد النظريات التي أُسِّست عليها جميع مناهج العلوم السياسية الحديثة -التي أسلفنا ذكرها-
"لا دين في السياسة.. ولا سياسة في الدين"، والتي هي بالأساس وبالبديهة لأي عاقل يفهم سياسة أو قرأ بعمقٍ في السياسة وفهم تعريفاتها المختلفة تكون العبارة.. الأصوب بلغتنا نحن: "لا دين في الدين.. ولا دين في الدين"!
ولإثبات هذا؛ أضع عدة معادلات رياضية لن يرفضها عقل إنسان سوي على وجه الأرض:
1- أن السياسة اسم يعكس أفعال معينة يقوم بها البعض لإنتاج بيئة لإدارة شئون الحياة.
2- هؤلاء البعض الذين يعملون في السياسة -السياسيين- كل منهم يحمل أيديولوجية معينة تدفعه لا إراديًا للقيام بأفعاله وِفقًا لها لأنه لا يملك غيرها.
3- الأيديولوجية عبارة عن: نظام عام ونسق فكري كامل ينظر إلى الحياة بشكلٍ عام، ويتحكم في العلاقات المختلفة وتنظيمها.. وحتى له رؤيته إلى أشياء تفوق تلك الحياة نفسها وهي اللاورائيات والعلوم الغيبية.. إذا "الأيديولوجية.. تُنتِج النظام العام، العقيدة الفكرية لضبط العلاقات، وتُصدِر القوانين لتنظيم السلوك العام بين الأفراد، وتضع كافة التفصيلات الحياتية الأخرى من وجهة نظرها...".
4- وبما أن تعريف الدين الإسلامي هو يرادف كلمة النظام في المصطلحات الحديثة يمتد إلى العقيدة في الضمير وإلى الخلق في السلوك وإلى التشريع في المجتمع: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّه} [يوسف من الآية:76].
وهنا بمنتهى الوضوح توضيح فكرة أن الدين يُمثِّل النظام العام للملك والقوانين المنظمة للحياة.
ومن المعادلتين 3 و4: يتضح أن الأيديولوجية اسم لها مضمون، وأن الدين اسم له مضمون، وأن كِلا المضمونين متطابقين مع اختلاف الأسماء..
ومن المعادلتين 3 و2: تظهر العلاقة المباشرة بين الأيديولوجية والسياسيين القائمين والعاملين بالسياسة.
نصل من المعادلات الأربعه إلى: أن الجملة الصحيحة هي: "لا دين في الدين.. ولا دين في الدين".
وبالطبع تُصبِح جملة لا معنى لها، غير التلاعب بصاحبنا "المُهرِّج" المرتدي الكرافتة على الجلبية البيضاء.. مع ملاجظة أنه ليس النموذج الوحيد "للمُهرِّج"!
حيث أن قبله كان هناك مُهرِّجين آخرِين ارتدوا بدلة كاملة شيك! لكن بدل الحذاء كان قبقاب للوضوء.. ويظنون أن الآخرين لن يروا هذا القبقاب...!
وكلما تمضي الحياة... وتظهر نماذج جديد من المُهرِّجين تحت شعار: "لا دين في الدين.. ولا دين في الدين"!