أسباب عدم التفكير
محمد المصري
هناك عدة أسباب لمرض الرتابة وعدم التفكير والاعتماد على الغير في التفكير...
- التصنيفات: الواقع المعاصر -
أسباب مرض الرتابة وعدم التفكير والاعتماد على الغير في التفكير:
أ- تأثير العادات والأعراف:
إن من أخطر العوامل المؤثرة سلبًا على طريقة التفكير والتحليل بناء المعارف العلمية التي ينشأ عليها الإنسان على تأثير العادات والأعراف في البيئة التي نشأ فيها الإنسان، فهو يعتقد صحة المسألة لكثرة تكرارها وتداولها في بيئته التي نشأ فيها، فهي معارف مبينة على (التقليد والمحاكاة) وليس على التفكير والتدبر. وكثيرًا ما نعتقد صحة فكرة ما من الأفكار حتى تصبح مسلّمة عندنا حتى إذا خرجنا إلى بيئة أخرى اكتشفنا بطلانها وخطأها. وقديمًا كان يقال: (لا يعرف الإنسان خطأ شيخه حتى يجلس عند شيوخ آخرين). إن الشعور بالسلامة المطلقة للبيئة التي يعيش فيها الإنسان واعتقاده بكمالها وخلوها من الأمراض يقوده إلى التبعية وحبس العقل عن التدبر والتأمل، وسوف يؤدي هذا إلى الضمور والتآكل، وأما الإحساس بضرورة النمو والتحسين وليس بالضرورة الخطأ فإنه يقوده إلى الإبداع والتجديد وتطوير الطاقات، فالتفكير المبدع هو الذي يحول الركود والرتابة والتلقائية إلى حركة حية منتجة تتطلع دائمًا إلى المزيد، وكما قال الفضيل: "التفكر مرآة تريك حسناتك وسيئاتك" (دار السعادة)، وقال ابن القيم رحمه الله: "التفكر والتذكر بذار العلم، وسقية مطارحته، ومذاكرته تلقيحه" (17). فالتفكير الصحيح وسيلة من وسائل الانعتاق من آثار العادة والاتكال على تفكير الآخرين ولهذا تضمنت دعوات الأنبياء جميعاًَ عليهم الصلاة والسلام دعوة للتفكر والنظر، والتخلص من إرث الآباء والأجداد. قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ} [سبأ:46].
ب- التربية الحزبية:
لقد نجحت التربية الحزبية في صناعة الببغاوات والقطعان الهائمة التي لا تجيد إلا فن التصفيق والإشادة واجترار الشعارات ولكنها فشلت فشلاً ذريعًا في بناء العقول الحية المبصرة القادرة على بناء المواقف وصناعة الأحداث، فالتربية الحزبية أفضل طريقة لوأد العقل وإماتة البصائر هذه التربية التي تبنى على ضرورة التسليم والانقياد دون النظر والتفكير (ومن قلد عالماً لقي الله سالماً) هكذا هم يقولون... أخزى الله التبعية الصماء كم قتلت من الطاقات؟! لذلك فإن العمل الإسلامي ينبغي أن يكون على هيئة (إطار عمل) وليس (إطار انتماء).
ج- الهزيمة النفسية:
أصيب كثيرٌ من المسلمين بمرض فتاك وهو الهزيمة النفسية ولهذا المرض شق يختص بموضوعنا وشق آخر يتعلق بالانقياد بالأعداد والتشبه بهم، أما فيما يتعلق بموضوعنا فنجد أن كثيرًا من الطيبين على الساحة الإسلامية يقولون بذلنا ما في وسعنا لإقامة دولة الإسلام ولم تقم منذ كم ونحن ندعو ونربي... إلخ. وتدعو هذه النفسية المنهزمة إلى الانغلاق على النفس والتفكير ببلاده بدلاً من أن يفكر في إيجاد حلول عملية إيجابية لترشيد الأخطاء وتصحيحها حتى يتم التمكين لهذا الدين في الوقت المناسب بتقدير الله وبالطاقة المناسبة لهذا العمل، ومن مشاهد الهزيمة النفسية مشهد التقليد وعدم الابتكار فنجد كثير من المسلمين لا يفكر في قضية الابتكار والاختراع في النواحي العلمية ولا يفكر في يوم من الأيام أين يكون مخترعًا أو مفكرًا أو مبتكرًا. فتجد أنه في كثير من الدول لا يستطيع حتى صناعة الأمور البسيطة من حاجياتها ولله الأمر من قبل ومن بعد.
د- العيش في الخيالات والأوهام والأحلام الفارغة والتعامي عن حقائق الواقع:
والخيال مفيد إذا كان بقدر ما يسعى الإنسان إليه من تطوير للواقع وإبداع وتجديد في حدود الممكن، أما إذا حلق بصاحبه في أجواء المستحيلات وعاش في ظلاله فقط معرضًا عن العمل فهو الداء القائل للفكر والمرض الفاتك بالعقل (18).
هـ- بلادة الحواس:
لأن بوابات الفكر ومنافذ العقل هي الحواس من سمع وبصر وذوق وحس وشمّ. فإذا عوَّد الإنسان حواسه على دقة الملاحظة وسرعة الاستجابة نشطت للعمل وكانت نعم العون للتفكير، وإذا عوَّدها على الخمول والكسل تعطلت عن أداء وظائفها وأصبح حال صاحبها كما قال الله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179] (19).
(17) مفتاح دار السعادة لابن القيم رحمه الله.
(18) (حتى لا تكون كلاً) د. عوض القرني فصل بعنوان (وقفات مع الفكر والتفكير).
(19) المرجع السابق.