لوّن صفحتك البيضاء

منذ 2014-04-29

وقفتْ تلتفت من حولها.. هل تدخل أم لا.. فهي تعلم مع ولوجها إلى الداخل ستُنقل إلى عالم مختلف.. مختلف كثيرًا عن ما تحيا فيه الآن.. ترددت قليلًا.. ولكن في النهاية فتحت الباب!

(1)

وقفتْ تلتفت من حولها.. هل تدخل أم لا.. فهي تعلم مع ولوجها إلى الداخل ستُنقل إلى عالم مختلف.. مختلف كثيرًا عن ما تحيا فيه الآن.. ترددت قليلًا.. ولكن في النهاية فتحت الباب!

 

(2)

وجدت عالم مختلف.. وجدته كما تركته.. ففي كل جزء منه.. يحكي قصة لها.. يحكي ذكرى لها.. يحكي قطعة من إشراقة لروحها.. من ألم مرت به.. هو عالم متحرك.. بداخلها.. تهرب منه.. ولكن كانت تعلم أنه سيأتي يوم وستدخل.. فهو المفتاح لتفهم.. وهو المفتاح للتغير.. تذكرت.. وهي صغيرة.. كانت تغمض عينيها بقوة حتى تحفر ذكرى لا تريد لها أن تمحى..

تتمسك بقوة بالشعور والتفاصيل حتى تتمكن من استعادة تلك اللحظة مرة أخرى.. مطابقة لأول مرة.

فعلت ذلك.. مع لحظات رسومها المتحركة المفضلة.. التي كانت لا تدري كيف ستعيش بعد أن تنتهي حلقاتها.. فهي عاشت مع أبطالها كل لحظاتهم.. كيف ستتركهم!! وكيف لن تكون جزءًا من عالمهم.. ولا يعودوا جزءًا من عالمها!!

مع لحظات سعادتها بفاكهة أو حلوى تتذوقها.. حتى وإن انتهت تبقى ذكرى سعادتها معها.. مع أول مرة لمعت عينها و هي تنظر للقمر و النجوم.. وألوان السماء.. مع أول مرة أمسكت حبات الصلصال.. لتشكل بها عالم صغير.. مع حلمها الصغير.. أن تصبح رائدة فضاء.. تسبح مع جزيئات الكون ذاته.. ترى حقيقة الأشياء.. برغم تعقيدها بسيطة حالمة.. مع كل شيء تكتشفه.. تكتشفه يدها الصغيرة.. ويعيه وعيها.. مع أجزاء قصصها المفضلة وأبطالهم.. مع كل كتاب كانت تقرأه.. ويترك أثرًا فيها.. بصمة تنطبع بها.. مع مواقف حياتها المختلف.. في البيت.. المدرسة.. المسجد.. مع أحلامها الكبيرة.. نعم كبيرة بالنسبة لها.. فهي كانت تمسك الألوان.. وترسم في مخيلتها عالمها.. فتحولت الصفحة البيضاء إلي عالم من لحظات.. منها بألوان قوس المطر.. ومنها حالك اللون.. منها ما يفيض أمل.. عمل.. إصرار، ومنها ما يعكس جزء آخر.. تركها لتدرك شيء عن واقع الحياة..

هذه الصفحة البيضاء.. لم تنتهي.. فهي معها منذ فتحت عينها لأول مرة في تلك الحياة إلي أن تنتهي.. هذه الصفحة البيضاء هي حياتها ذاتها.. وجدت بها أحداث كثيرة تركت أثرًا ولم تكن تريد لها أن تبقى.. أدركت.. إن لم تختر ما تتشبث به ليترك بصمته في روحها على ورقتها البيضاء.. كل شيء سيمر.. سيترك أثرًا..

وجدت أشياء كثيرة.. لا تريدها.. تذكرت لحظات.. كانت تريد لها أن تبقى ولم تترك أثرًا.. تألمت لذلك، ولكن ماذا تفعل..؟!

 

(3)

نمتاز نحن بني البشر بقدرتنا على الإيمان.. على الإصرار.. على الحلم.. على الخيال.. على الجهاد. ولكن أيضًا لدينا شيء عجيب.. هو أننا نستطيع أن نوقف حياتنا بأنفسنا.. نجعل الأيام تمضي ونحن بها عاجزون عن الحركة.. عندما نقرر أن نعيش في ماضي من ذكريات.. نحبس أنفسنا بداخلها.. فبدل من أن تكون الصفحة البيضاء دافع للتقدم وتتوق أنفسنا لأن نملأها بذكريات ونسمات جديدة، ونضيف لها ألوان جديدة تحيا فينا ونحيا بها.. نقف داخل ذكرى.. ونمحي ما بالورقة البيضاء.. ولا نلتفت للأشياء التي تضاف والتي تتساقط منها..

توقفت.. وأخرجت مع تنهيدتها كل شيء.. توقفت.. ووصلت إلى النقطة.. التي توقفت عندها.. إلى الذكرى التي حُبست داخلها.. وحررت نفسها منها إلى الأبد.. فهي غالبًا ما تكون لحظات من ألم تمر علينا ولا نستطيع التعامل معها فنُحبس بداخلها.. وغالبًا عند تكرر أحداث تجلب على النفس نفس ما مرت به تُحبس الذكرى داخل الذكرى.. وتموت بسمة تتوق أن تخرج وتحيا.. لذلك لا تترك لحظات الألم بدون أن تكون عالجتها بداخلك.. لا يكفي أن تتركها مع الأيام لتشفى.. فهي لا تشفى.. ولكن تحفر أكثر وأكثر.. إلى أن تحبس بداخلك.. أو تحبس أنت بداخلها! فكما الألم.. يعلمنا.. ولكن لم يعالج.. أصبح جرحًا لا شفاء منه.

 

(4)

أول خطوة على الطريق هي أن تفهم ما يحدث بداخلك.. فإن لم تقدر عليها.. فكيف تقدر على دونها من الأشياء.. كيف ستقودها.. فأنت قد استسلمت لها.. وأعطيتها مفاتيح روحك.. وعقلك وذكرياتك..

هل أنت القائد.. أم هي..؟! هل أنت من تقوم بالفعل.. أم أنك رد فعل لكل ما هو حولك..؟! هل ما تقوم به تقوم به استنادًا لشيء.. أم وجدت الآخرين يفعلون.. أم أنك لم تتدبر ماذا تفعل..؟!

هل نقف وننظر بداخلنا.. لعلنا نجد الإجابة ونعيد صفحتنا البيضاء مليئة بما نريد.. نرسم بقلوبنا ألوان بها.. تبدد الغيوم التي دامت بها منذ فترة.. هلا جددنا العهود.. التي قطعناها على أنفسنا.. ونمضي في دربنا نحقق ما نريد ونتعامل مع الحياة كفاعل.. مهما كان في تلك الحياة.. فأي شيء نستطيع التعامل معه.. ولكن ينقصنا بعض من (اليقين) و(الجهد) و(التوكل)..

جِد مركزية حياتك.. وانطلق منها لتحقق ما تريد.. فمن وجد الله فماذا فقد؟! ومن فقد الله فماذا وجد؟!

ولكن تذكر.. هي صفحتك البيضاء تملأها بما شئت..

وهي مركزيتك.. تختارها.. ولا تترك صفحتك دون زيارتها.. فدوام المراقبة والمحاسبة.. هي التي تحافظ على نفسك اللوامة حية.. واعرف ما تريد.. وقيم مشوار حياتك وخطواتك نحو ما تريد ومركزيتك.. وحافظ على حياة قلبك.. فهي ما ستعينك..

حياة قلبك هي بأن يكون قلبك لله به تحيا، وله، وفي معيته، ولا تجعل هذه أشعار وشعارات.. تتحادث بها وعنها.. بل اجعلها حقيقة بداخلك.. هذا ما سيبقى.

لا تعش في تلك الحياة كما يريد غيرك ولكن كما يريد ربك! لا تعش في تلك الحياة بفهم البشر فقد لوثوا منها الكثير.. احتفظ بنقاء قلبك.. مهما كلفك ذلك.. فهي أيام ستنقضي.. فلا تذهب غدك وآخرتك من أجل يوم!

 

اللهم قلب سليم.. اللهم حياة في سبيلك ترضيك عنا.. اللهم استخدمنا ولا تستبدلنا.. اللهم اجعل حياتنا في طاعة.. وموتنا على طاعة.. وأحينا ما دامت حياتنا في سبيلك ولك.. واختمها لنا على خير.. اللهم احفظ القلوب.. ولا تحرمنا من الجنة ومصاحبة الحبيب.. ولا تحرمنا من أن نكون من زمرة المتقين.. ولا تحرمنا أن نكون من زمرة الحبيب يوم الحوض ويوم رؤية وجهك الكريم..

اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك وحب العمل الذي يبلغني حبك، اللهم اجعل حبك أحب إليّ من نفسي وأهلي ومالي ومن الماء البارد، اللهم ارزقني حبك وحب من ينفعني حبه عندك، اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب، اللهم ما زويت عني مما أحب فاجعله فراغا لي فيما تحب.

سارة خليفة

سارة خليفة

طبيبة مصرية، تخرجت في كلية الطب جامعة القاهرة، وتعمل في أسرة التحرير بموقع طريق الإسلام.

  • 0
  • 0
  • 1,904

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً