عمال المناجم
منذ 2008-02-21
هل شاهدت كيف ينقون نتاجهم من الشوائب وهل تأملت هذا النتاج بعد صقله وتلميعه وتغليفه !؟
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا
فيه،
يقول الله سبحانه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [سورة النحل: 97].
هل رأيت قبلا عمالا يحفرون منجم!؟
من يشاهد عملية حفر المناجم يندهش من صبر العمال العجيب وعملهم المتفاني المثالي وذلك ممّا لا بد فيه، لأنّ خطأ يسير يعني موتهم ودفنهم أحياء، فتجدهم بعد بدء الحفر والتعمق فيه وضعوا الدعائم لمنع الانهيارات وثبتوا الجدران وألبسوها الشباك وأمدوا خطوط الإنارة واستعدوا لبدء العمل واستخراج الجواهر الثمينة. ويختلف مكان هذه المناجم فمنها ما هو بصحراء مقفرة ومنها ما هو بغابة مثمرة، ولكن القيمة الحقيقة للمنجم الذي ينتج المعدن الأنفس مهما كان مكانه وحالته.
هل شاهدت كيف ينقون نتاجهم من الشوائب وهل تأملت هذا النتاج بعد صقله وتلميعه وتغليفه !؟
وهذا حال المؤمن وهذا حال الملتزم...
قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [سورة العنكبوت: 69].
على كل منّا أن يكون عامل منجم لنفسه فيبدأ في الغور في أعماقها ويصبر ويصابر على تهذيبها وإخضاعها لله الواحد القهار واتباع سنة نبيه المختار، فكلما أتقنت البحث والحفر وصابرت واستعنت بالأدوات اللازمة كلما صقلت نفسك وأعليتها، كلما زاد اتباعك زاد نتاجك، وكلما درست الثقوب في نفسك وسددتها كلما حافظت عليها من الانهيار وما أكثر تلك الثقوب.. فمن تضييع للسنن الرواتب للغيبة للنميمة للغش والتحايل والخداع للنمص والتبرج والطرد من رحمة الله إلى عقوق الوالدين والربا والنفاق، ولكن وإن كثرت الثقوب فأمرها سهل إن وجدناها وأغلقناها قبل أن تكبر وتستفحل وتؤدي لانهيار أنفسنا علينا، ومن هنا يتضح لنا جليا أهمية وعظم الذنب الواحد فالثقب قد يؤدي لانهيار منجم بأكمله فما بالك بأكثر من ثقب!!
شـمـر عسى أن يـنـفـع التشـميـرُ *** وانظر بفكرك ما إليه تصير
طـــولـت آمـالاً تـكـنـفـهـا الـهـــــوى *** ونسيت أن العمر منك قصيــر
يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ في (الفوائد): "للقلب ستة مواطن يجول فيها لا سابع لها: ثلاثة سافلة، وثلاثة عالية؛ فالسافلة دنيا تتزين له، ونفس تحدثه، وعدوٌ يوسوس له؛ فهذه مواطن الأرواح السافلة التي لا تزال تجول فيها.
والثلاثة العالية علم يتبين له، وعقل يرشده، وإله يعبده، والقلوب جوالة في هذه المواطن".
حالنا والناظر فيه يجدنا التزمنا ولكن طغى التزامنا الخارجي على التزامنا الداخلي، فبتنا لا نرى لمعصية السر وزنا، فقد تسترنا خلف اللحية والنقاب وهذا ما هو بالتزام لأنّ ضياع الداخل سيؤدي ولا بد إلى ضياع الخارج، أمّا حسن صناعة الداخل فستؤدي ولا بد إلى التأثير على الخارج وليس ما أعنيه أن نتخلى عن اللحية والنقاب (الخمار)، بل أدعو الله أن يزيد شبابنا وبناتنا التزاما ولكنها دعوة للاهتمام بمحتوانا الداخلي، فأي صورة فظيعة يرسمها من يلتحي ويقصر ثوبه ثم يغش ويأكل أموال النّاس ويطلق بصره للحرام، وأي صورة ترسمها المنتقبة وهي تغتاب هذه وتنم تلك وتؤذي جارتها.
من يهمني.. منجم مقفر في غابة أم منجم غني في صحراء؟؟
فما بالك إن أكرمك الله بمنجم غني في غابة مثمرة.
لنتعاهد أنفسنا ولا نتركها هملا بل لنحاسبها بأشد ما تكون المحاسبة وإيّاك أن تدعوك نفسك للتسويف، فما وضعته بها من ثوابت ودعائم لتخرج ما بها من فضائل لن يدوم طويلا وستسقط تلك الدعائم وستحتاج لأعادة الحفر والبحث من جديد.
يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ في (الفوائد): "اشتر نفسك اليوم؛ فإنّ السوقَ قائمة، والثمن موجود، والبضائع رخيصة، وسيأتي على تلك السوق والبضائع يومٌ لا تصل فيه إلى قليل، ولا كثير {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ}، {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ}".
واعرف دوما أنّ النّاس يرون فيك الإسلام وأقل ما يقولونه انظر الملتحي ماذا يفعل أو انظر المنقبة ماذا فعلت، فاحذر أن يؤتى الإسلام من قبلك بل لتكن الحصن الحصين له.
فكما أنّ نتاج المناجم يستفيد منه العامل وغيره فليكن في تهذيب نفسك إعداد لك ودعوة لغيرك فكما لمست بريق حلاوة الإيمان فادعو غيرك، أفلا تسأل نفسك وتسألي نفسك كم شخص دعوت أو كم شخص التزم على يديك منذ أن استقمت؟
قال الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [سورة التوبة: من الآية 71].
ويسطر الإمام الشافعي رحمه الله نصيحة في ذلك فيقول:
تعمدني بنصحك في إنفرادي *** وجنبني النصيحة في جماعة
فإنّ النصح بين النّاس نوع من*** التوبيخ لا أرض استماعه
اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا هداة مهتدين لا ضالين ولا مضلين، للإسلام رافعين ولدينك متبعين، وللأعراض حافظين وبسنة نبينا صلى الله عليه وسلم متمسكين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فادي محمد ياسين
يقول الله سبحانه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [سورة النحل: 97].
هل رأيت قبلا عمالا يحفرون منجم!؟
من يشاهد عملية حفر المناجم يندهش من صبر العمال العجيب وعملهم المتفاني المثالي وذلك ممّا لا بد فيه، لأنّ خطأ يسير يعني موتهم ودفنهم أحياء، فتجدهم بعد بدء الحفر والتعمق فيه وضعوا الدعائم لمنع الانهيارات وثبتوا الجدران وألبسوها الشباك وأمدوا خطوط الإنارة واستعدوا لبدء العمل واستخراج الجواهر الثمينة. ويختلف مكان هذه المناجم فمنها ما هو بصحراء مقفرة ومنها ما هو بغابة مثمرة، ولكن القيمة الحقيقة للمنجم الذي ينتج المعدن الأنفس مهما كان مكانه وحالته.
هل شاهدت كيف ينقون نتاجهم من الشوائب وهل تأملت هذا النتاج بعد صقله وتلميعه وتغليفه !؟
وهذا حال المؤمن وهذا حال الملتزم...
قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [سورة العنكبوت: 69].
على كل منّا أن يكون عامل منجم لنفسه فيبدأ في الغور في أعماقها ويصبر ويصابر على تهذيبها وإخضاعها لله الواحد القهار واتباع سنة نبيه المختار، فكلما أتقنت البحث والحفر وصابرت واستعنت بالأدوات اللازمة كلما صقلت نفسك وأعليتها، كلما زاد اتباعك زاد نتاجك، وكلما درست الثقوب في نفسك وسددتها كلما حافظت عليها من الانهيار وما أكثر تلك الثقوب.. فمن تضييع للسنن الرواتب للغيبة للنميمة للغش والتحايل والخداع للنمص والتبرج والطرد من رحمة الله إلى عقوق الوالدين والربا والنفاق، ولكن وإن كثرت الثقوب فأمرها سهل إن وجدناها وأغلقناها قبل أن تكبر وتستفحل وتؤدي لانهيار أنفسنا علينا، ومن هنا يتضح لنا جليا أهمية وعظم الذنب الواحد فالثقب قد يؤدي لانهيار منجم بأكمله فما بالك بأكثر من ثقب!!
شـمـر عسى أن يـنـفـع التشـميـرُ *** وانظر بفكرك ما إليه تصير
طـــولـت آمـالاً تـكـنـفـهـا الـهـــــوى *** ونسيت أن العمر منك قصيــر
يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ في (الفوائد): "للقلب ستة مواطن يجول فيها لا سابع لها: ثلاثة سافلة، وثلاثة عالية؛ فالسافلة دنيا تتزين له، ونفس تحدثه، وعدوٌ يوسوس له؛ فهذه مواطن الأرواح السافلة التي لا تزال تجول فيها.
والثلاثة العالية علم يتبين له، وعقل يرشده، وإله يعبده، والقلوب جوالة في هذه المواطن".
حالنا والناظر فيه يجدنا التزمنا ولكن طغى التزامنا الخارجي على التزامنا الداخلي، فبتنا لا نرى لمعصية السر وزنا، فقد تسترنا خلف اللحية والنقاب وهذا ما هو بالتزام لأنّ ضياع الداخل سيؤدي ولا بد إلى ضياع الخارج، أمّا حسن صناعة الداخل فستؤدي ولا بد إلى التأثير على الخارج وليس ما أعنيه أن نتخلى عن اللحية والنقاب (الخمار)، بل أدعو الله أن يزيد شبابنا وبناتنا التزاما ولكنها دعوة للاهتمام بمحتوانا الداخلي، فأي صورة فظيعة يرسمها من يلتحي ويقصر ثوبه ثم يغش ويأكل أموال النّاس ويطلق بصره للحرام، وأي صورة ترسمها المنتقبة وهي تغتاب هذه وتنم تلك وتؤذي جارتها.
من يهمني.. منجم مقفر في غابة أم منجم غني في صحراء؟؟
فما بالك إن أكرمك الله بمنجم غني في غابة مثمرة.
لنتعاهد أنفسنا ولا نتركها هملا بل لنحاسبها بأشد ما تكون المحاسبة وإيّاك أن تدعوك نفسك للتسويف، فما وضعته بها من ثوابت ودعائم لتخرج ما بها من فضائل لن يدوم طويلا وستسقط تلك الدعائم وستحتاج لأعادة الحفر والبحث من جديد.
يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ في (الفوائد): "اشتر نفسك اليوم؛ فإنّ السوقَ قائمة، والثمن موجود، والبضائع رخيصة، وسيأتي على تلك السوق والبضائع يومٌ لا تصل فيه إلى قليل، ولا كثير {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ}، {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ}".
واعرف دوما أنّ النّاس يرون فيك الإسلام وأقل ما يقولونه انظر الملتحي ماذا يفعل أو انظر المنقبة ماذا فعلت، فاحذر أن يؤتى الإسلام من قبلك بل لتكن الحصن الحصين له.
فكما أنّ نتاج المناجم يستفيد منه العامل وغيره فليكن في تهذيب نفسك إعداد لك ودعوة لغيرك فكما لمست بريق حلاوة الإيمان فادعو غيرك، أفلا تسأل نفسك وتسألي نفسك كم شخص دعوت أو كم شخص التزم على يديك منذ أن استقمت؟
قال الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [سورة التوبة: من الآية 71].
ويسطر الإمام الشافعي رحمه الله نصيحة في ذلك فيقول:
تعمدني بنصحك في إنفرادي *** وجنبني النصيحة في جماعة
فإنّ النصح بين النّاس نوع من*** التوبيخ لا أرض استماعه
اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا هداة مهتدين لا ضالين ولا مضلين، للإسلام رافعين ولدينك متبعين، وللأعراض حافظين وبسنة نبينا صلى الله عليه وسلم متمسكين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فادي محمد ياسين
المصدر: طريق الإسلام
- التصنيف:
nada
منذ