رحلة في كهف الإلحاد بقبسٍ من نور

منذ 2014-05-01

إنه لكهف عجيب... إنه كهف الهروب من الواقع.. إنه كهف الانغماس في الحيوانية الضالة، قال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلََا} [الفرقان:44].

إنه كهف اتباع الباطل وترك الحق عن عمدٍ وإجرامٍ وتحدٍ وكبرياءٍ مُقيت، قال تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلََا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف:146].

أهله اعتادوا الظلام حتى أنني عندما دخلت أدعوهم للخروج منه ليغمرهم نور الله انزعجوا بشدة.. انزعجوا لأمور عدة:

1- إنزعاج من قبس النور الذي استمسك به، فتراهم يغطون أعينهم بمجرد اقترابه منهم وتراهم يقولون لك ما هذا الضلال الذي تحاول إزاعجنا به ولكن هيهات هيات.. فنحن نُغشي أبصارنا عنه، قال تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة:7].

2- إنزعاج من ذكر النور الذي خارج الكهف فيكذبونك ويقولون لك: إنما نحن في النور، وما خارج الكهف إلا وهم فلا يوجد خارجه نور، وإنما هي خيالاتك وتخرصاتك، قال تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور:35].

قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا} [الفرقان:60].

3- إنزعاجهم بتذكيرهم بأنهم داخل الكهف يعبثون ويلعبون في ظلامه الحالك، فيكون حتى لعبهم وعبثهم هو خارج عن الفطرة السليمة، غريب، يفعلون كل ما يحلوا لهم مغرورين بأنه الصواب، ولما لا! وهم يتخبطون في ظلام حالك فلا يكادون يرون ما يفعلون.
 
ويكتمل إنزعاجهم بتذكيرهم بأنه يوجد في النور أناس وهبوا أنفسهم للحق يعملون من أجله ولنصرته، أناس لا يعيشون الدنيا بغية متعها وإنما يعيشونها بغية الآخرة حتى متع الدنيا لم يحرموا أنفسهم منها ولكنهم امتطوها للوصول لمتع الآخرة الباقية.

قال الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} [الأحقاف:11].

ومن مناقشة الكثير من سكان الكهف المظلم الذين فقدوا البصر والبصيرة من جراء شدة إظلامه، خلصت إلى أسباب دخولهم هذا الكهف الكريه..

أسباب الإلحاد وإنكار وجود الخالق عز وجل:

1- الكِبر... فعندما نقص جهلهم ظنوا أنه اكتمل علمهم -وهذا الظن لا يدل إلا على ازدياد جهلهم وليس نقصه- فقالوا نحن كنا بحاجة إلى الله لتفسير ما يحدث في الكون.. أما الآن فلدينا العلم... إنهم عبدوا قوانين الطبيعة وتركوا واضعها ومصممها!

وذلك حتى يتملصوا من الذل لله وعبادته... إنه الكِبر، أول جريمة شهدتها الإنسانية في صورة تكبُّر إبليس عن طاعة ربه بالسجود لآدم عليه السلام. وأيضًا ظنهم بأن الدين هو للدهماء من الناس وأنهم هم الأخيار الذين كان لهم من الذكاء ما جعلهم يأبون أن يتبعوا قطيع المتدينين في رأيهم.

2- ظنهم أن وظيفة للدين هو سيطرة كبراء القوم على دهمائه بأن يقلل الدين من غضبة الدهماء وثورتهم على الكبراء بأن يتلقوا وعودًا، في نظرهم زائفة، بتعويضهم عن هذا الإجحاف والذل الدنيوي في الحياة الآخرة، التي يكفر بها الكبراء ويؤمن بها الدهماء فى رأيهم.

3- الجهل وانعدام المنطق... أفمن المنطق يا قوم أن تستغنوا بمعرفة البعض عن "طريقة إدارة الله تعالى للكون" (قوانين الطبيعة)، تستغنوا بهذا عن الله عز وجل واضع هذه القوانين وبارئها وبارئ الكون وبارئكم ومصوركم وجاعلكم في أحسن تقويم؟ ولكن لما العجب وقد اخترتم بأنفسكم أن تكونوا أسفل سافلين!

4- الإغراق في المادية وحصر الموجودات في المادي فقط ونسيانهم أو تناسيهم أن الوجود المادي هو أسفل أنواع الوجود. وأن الوجود الأسفل لا يدرك الوجود الأعلى بحواسه المباشرة وإنما يدركه بما كمن فيه من الحواس العليا كحاسة العقل والروح.

5- التعميم... فلما رأى القوم عدم منطقية بعض الكتب السماوية المحرَّفة والديانات غير السماوية، عمَّموا المبدأ على كل دين وافترضوا التحريف في كل كتاب سماوي ثم ما لبثوا أن أنكروا الوحي بالكلية وافترضوا أن كل الكتب السماوية من صنع بشر، وذلك حتى من غير قراءةٍ وتدبُّر في الإصدار الأخيري لكتاب دين الله الإسلام، القرءان الكريم -حكمة الله تحتم أن يكون الإصدار الأخير معصوم من التحريف ليكون هدايةً للبشر من بعده وينتفي العبث عن خلق الله سبحانه وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا- ليفهموا استحالة إتيان البشر بشيء من القرآن في زهائه وبهائه وإغداقه وإثماره وحلاوته وطلاوته وإعجازاته المختلفة.

6- وأخيرًا وليس آخرًا.. هو عدم رغبتهم في الإبصار وتناسي الدار الآخرة بقُصر نظرهم الذي وصل بهم إلى العمى الكامل، فآثروا متعة الحياة الدنيا الزائلة الناقصة المعيبة عن متعة جنة الفردوس المقيمة الكاملة المثالية.

اللهم أنر قلوبنا وعقولنا بنور الإيمان بك، كما ملأت أكوانك الفسيحة بنورك الذي بيَّن لكل شيء سبيله دون التباس ولا تخبُّط.

اللهم ثبت قلوبنا على الإيمان والخشوع لك وجوارحنا على طاعتك.

اللهم ألهمنا العِزَّة بكامل الذُّل لك.. اللهم آمين.

والله أعلم.

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أحمد كمال قاسم

كاتب إسلامي

  • 1
  • 0
  • 6,806

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً