الدعوة الإسلامية بين التكوين والتمكين - (4/4) قيام العلماء والدعاة بواجبهم وتوحيد الصف المسلم
إن العلماء ورثة الأنبياء ، ورثوا العلم والدعوة ، وورثوا الصلاح والهدى ، ولا يمكن للأمة أن تتحرك بدون علمائها ومشورتهم وقولهم، وكم رأينا ثبات الإمام أحمد بن حنبل عليه رحمة الله أمام فتنة القول بخلق القرآن ، وأمام علماء السوء الذي زجوا به وبأمثاله من أهل العلم إليها ، ومع ذلك صبر على هذه الفتنة العمياء ، لأنه لو زل وهو صاحب الكلمة الصواب ، والرأي المسموع، لزل خلفه عالم كثير ، فالعالم دوره كبير في نصرة الحق، وخدمة الدعوة، والحركة لها ، وكم وقف العلماء في وجه الطغيان ، ينصرون الحق ، ويجاهدون في سبيل الله تعالى ، والتاريخ مملوء بذكر آثارهم وثمار صدقهم وجهادهم .
نستطيع هنا بداية أن نقف مع مكانة العلماء والدعاة ودورهم الكبير في توحيد الصف المسلم، وبناء جيل التمكين الإسلامي بالوحدة على منهج السلف الصالح، بإيجاز في نقاط سريعة:
- إن العلماء ورثة الأنبياء، ورثوا العلم والدعوة، وورثوا الصلاح والهدى، ولا يمكن للأمة أن تتحرك بدون علمائها ومشورتهم وقولهم، وكم رأينا ثبات الإمام أحمد بن حنبل عليه رحمة الله أمام فتنة القول بخلق القرآن، وأمام علماء السوء الذي زجوا به وبأمثاله من أهل العلم إليها، ومع ذلك صبر على هذه الفتنة العمياء، لأنه لو زل وهو صاحب الكلمة الصواب، والرأي المسموع، لزل خلفه عالم كثير، فالعالم دوره كبير في نصرة الحق، وخدمة الدعوة، والحركة لها، وكم وقف العلماء في وجه الطغيان، ينصرون الحق، ويجاهدون في سبيل الله تعالى، والتاريخ مملوء بذكر آثارهم وثمار صدقهم وجهادهم .
لقد رفع الله تعالى من منزلة العلماء كما قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11] وقال تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] وبين أن العلماء أكثر الناس خشية لله تعالى فقد قال جل شأنه: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] ولم يأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في الاستزادة من شيء إلا العلم قال تعالى: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه:114] واستشهد بهم سبحانه في أجل مشهود عليه وهو توحيده فقال تعالى: {شَهِدَ اللَّـهُ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [آل عمران:18] قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وهذا يدل على فضل العلم وأهله من وجوه:
أحدها:استشهادهم دون غيرهم من البشر.
والثاني:اقتران شهادتهم بشهادته .
والثالث:اقتران شهادتهم بشهادة ملائكته .
والرابع:أن في ضمن هذا تزكيتهم وتعديلهم فإنّ الله تعالى لا يستشهد من خلقه إلا العدول".
والأحاديث الشريفة طافحة بذكر فضل العلم وبيان فضل العلماء نذكر منها حديث معاوية: «
» (متفق عليه)، ومنها حديث أبي هريرة: « » (رواه مسلم)، ومنه حديث أبي أمامة: « » ثم قال صلى الله عليه وسلم: « » (رواه الترمذي) .فالآيات والأحاديث تبين فضل العلماء وخطورة القدح فيهم لأن لحومهم مسمومة فمن تكلم فيهم فقد هلك بتعريضه نفسه لغضب الله تعالى ففي الحديث القدسي: «البخاري)، والعلماء بلا شك من أولياء الله تعالى، قال الإمام الطحاوي في عقيدته المختصرة: وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من التابعين أهل الخير والأثر وأهل الفقه والنظر لا يذكرون إلا بالجميل ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل.
» الحديث (رواه- فالواجب على العالم الذي حمل أمانة العلم والدعوة ألا يركن إلى زهرة الدنيا، ويجعل الدعوة جانباً مهملاً في حياته، كلا، بل عليه أن يكون رحالة سائحًا في محلات مدينته، ومدن قطره، يبلغ دعوة الإسلام.
انظر مثلاً كيف كانت رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم تسيح في البوادي تبلغ الأعراب كلمة الإسلام، وتبشر به، ولم يكن ثمة انتظار ورودهم إلى المدينة، ألا ترى أن الأعرابي الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أركان الإسلام، فلما أخبره بها وقال: "لا أزيد عليهن ولا أنقص" كيف كان قد بدأ سؤاله بأن قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "يا محمد، أتانا رسولك، فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك؟" (رواه مسلم). أتاهم رسوله داعيًا، وكذلك الناس تُؤتى، ومن انتظر أن يأتيه الناس فليس بداعية، ولو فصلت كلمة هذا الأعرابي لتبين لك كيف فارق هذا الصحابي الداعية المدينة لما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم لقوم هذا، وكيف فارق أهله وبيته وأولاده، وكيف اجتاز المفاوز وصحراء من بعد صحراء، وكيف تعرض للمخاطر والحر أو البرد، ليبلغ دعوة الإسلام.
وهذا شأن الدعوة التي تريد أن تصل إلى أهدافها؛ لابد من تحرك ومبادأة وغدو ورواح وتكلم وزعم؛ ليس القعود والتمني من الطرق الموصلة؛ فافقه سيرة سلفك وقلدهم ؛ تصل، وإلا فراوح في مكانك، فإنك لن تبرحه... ويروي لنا التابعي الكوفي الفقيه النبيل عامر الشعبي، أن رجالاً "خرجوا من الكوفة، ونزلوا قريبًا يتعبدون، فبلغ ذلك عبد الله بن مسعود، فأتاهم، ففرحوا بمجيئه إليهم فقال لهم: ما حملكم على ما صنعتم؟ قالوا: أحببنا أن نخرج من غمار الناس نتعبد فقال عبد الله: لو أن الناس فعلوا مثل ما فعلتم فمن كان يقاتل العدو؟ وما أنا ببارح حتى ترجعوا".
"كان الإمام أحمد إذا بلغه عن شخص صلاح أو زهد، أو قيام بحق، أو اتباع للأمر سأل عنه، وأحب أن يجري بينه وبينه معرفة، وأحب أن يعرف أحواله". لم يكن بالمنعزل المتواري الهارب من الناس، فالداعية يفتش عن الناس، ويبحث عنهم، ويسأل عن أخبارهم، ويرحل للقائهم، ويزورهم في مجالسهم ومنتدياتهم، ومن انتظر مجئ الناس إليه في مسجده أو بيته، فإن الأيام تبقيه وحيدًا، ويتعلم فن التثاؤب .
قالوا في التعريف بموسى بن حزام شيخ البخاري والترمذي: "إنه كان ثقة صالحًا لكنه كان في أول أمره ينتحل الإرجاء ثم أعانه الله تعالى بأحمد بن حنبل، فانتحل السنة، وذب عنها، وقمع من خالفها مع لزوم الدين حتى مات".
- ولكن نرى على الجانب الآخر ممن لا يريدون لدعوة الإسلام أن تسمع، ولا أن يهتدي إليها الناس، يقفون موقف التنقيص والتشويه وإثارة الشبهات، حول هذه الكواكب المنيرة، والنجوم الزاهر، ورثة ميراث النبوة، وحملة راية العلم والإصلاح، ويقولون هؤلاء العلماء لا يصلحون لشيء من السياسات، ولا يعيشون إلا مع الكتب والأوراق، ولا يعلمون أحداث الواقع، ولا يفقهون الدوامات السياسية ولا الاقتصادية، فهم مع أنفسهم وكتبهم، وبين أطباق الطعام يتنقلون، وفريق آخر ينظر إليهم بعين السخط والبغض، لأنهم صاروا من المقربين إلى ذوي الملك والسلطان، وصارت فتاواهم وأقوالهم توافق هوى الحكام والساسة. وهؤلاء العلمانيون والمنافقون يأتون كل يوم بالشبهات حول الدعاة إلى الله تعالى، وأنهم أصحاب دنيا وشهرة، وأنهم لا يجيدون إلا لغة الصياح على المنابر، في حين أنهم يرون أنفسهم من المثقفين والمتنورين غير ذلك، فتلك النظرات والاتجاهات من الاتجاهات ساهمت كثيراً في تشويه صورة ومكانة أهل العلم، إضافة إلى المنتسبين إليهم دون فهم ولا علم ولا بصيرة .
ولكن كل هذا ينبغي أن يطرح جانباً، لأن جل هؤلاء لا يمثلون شيئاً من حجم الدعاة والعلماء الربانيين والصادقين، السائرين على منهاج العلم والنبوة، نعم هناك أخطاء وزلات، نعم هناك أهواء وهفوات، نعم هناك جهل وتقصير، نعم هناك حب الجاه والسلطان، ولكن هذا لا يعني تعميم الأحكام، ولا تضييع المكانة السامية لأهل العلم التي رفعهم إليها ربنا سبحانه وتعالى .
إن الأمة تقع في الضلال والفتن والبدع إذا لم يقودها العلماء الربانيون، إن الأمة تخنع للطغاة والظالمين إذا لم يصدع العلماء والدعاة بكلمة الحق في وجوه الطغاة والظالمين، إن الأمة تموت وتفنى يوم أن يُحقر العلم وحملته ودعاة الحق، وكم قرأنا وأدركنا مكانتهم يوم أن جاء التتار بالدمار، ويوم أن جاء الصليبيون بخيولهم وأذنابهم، وتصدى العلماء وقالوا كلمة الحق، وحثوا الناس على رفع رايات الجهاد في سبيل الله تعالى، واسترداد مقدسات المسلمين .
وهل وقف اليوم بأمر الله تعالى وحده في وجه الطغيان الصليبي الغربي والصهيوني على العالم العربي والإسلامي إلا العلماء والدعاة إلى الله، لقد أذن الله لمسيرة دعوة الإسلام أن تعود من جديد، ولولا أن الله غالب على أمره، لضاعت القدس وفلسطين وكل العالم الإسلامي من أول يوم دخل فيه اليهود وغيرهم إلى ديار المسلمين، فلتجتمع الأمة من جديد حول علمائها، وليكونوا هم من يقود دفة الدعوة ومسيرتها، وإلا فلا خير في أمة لا تعرف قدر علمائها ودعاتها .
- بقي لنا توحيد الصف المسلم، وأعني به توحيد جهود العاملين للدعوة ونصرة الإسلام، لأنهم هم المعنيون أولاً وأخيراً؛ لأن جمهور المسلمين اليوم صاروا أتباعاً وجلهم على التقليد، إلا من وقف على شيء من البحث والعلم وأقوال العلماء، فنحن نرى بسبب التفرق والوقوع في دائرة الاختلاف السائغ وغير السائغ، متابعة للجماهير بحسب ما غلب عليه الظن أنه الحق، فترى جمهوراً مع جماعة وآخر مع أخرى وهكذا.
فالمقصود أن يقوم الدعاة والعاملون للإسلام بتوحيد صفوفهم، ونزع الحقد والحسد والبغضاء من قلوبهم، وأن يقفوا وقفة رجل واحد يريد الحق والإسلام، لأن الاختلاف والتفرق كما نراه الآن أظنه هو العقبة الكبرى أمام إقامة خلافة الإسلام ونصرة المسلمين، لماذا..؟ لأن الحكام والظالمين نعم هم عقبة كبيرة في مسيرة الدعوة والتوحد، لكنها عقبة زائلة بزوال أسباب إيجادها، فالله تعالى ما سلط هؤلاء على الأمة والتحكم فيها إلا يوم أن تحول بأس الأمة فيما بينها، فصار الاختلاف والتفرق والشحناء والحسد، والتزكية للنفس والمنهج ولو كان على غير سنة، فسلط الله علينا هؤلاء بسبب عدم اتباعنا لكتاب الله وسنة رسوله، وهذا حق لا يماري فيه إنسان فضلاً عن متابع للكتاب والسنة.
كما أن الجماعات والدعوات اليوم كل منها يريد أن يصل أولاً قبل الآخر، بل ويرى نفسه جديراً بالوصول قبل إخوانه العاملين معه، فهو يرى من نفسه صاحب باع طويل في الدعوة، وتجربة كبيرة أيضاً....إلخ.
ومع وجود عقبة الحكام الظالمين كثيراً، لكنها عقبة تذوب وتتلاشى أمام وحدة الصف المسلم، ووحدة الدعاة بصدق وإخلاص للحق وتجرد، كما أمرنا ربنا بقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران103]، وكما قال ابن القيم رحمه الله: "لا تظن أن العدو غلب ولكن الحافظ أعرض".
إن الدعاة والعلماء إذا توحدت جهودهم ودعوتهم، فلن يقف في وجههم شيء بأمر الله، لأنهم عندها يد واحدة، ويد الله مع الجماعة، ولأن الجماهير ستكون معهم تؤيدهم وتنصرهم بهذا الدين بحب ومتابعة وشغف للعدل والسلام. ولكن هنا ستظهر أمامنا عقبات كبيرة، إذ كيف تتوحد هذه الدعوات والجماعات، وهي ترى نفسها أجدر وأحق بالتقدم والفهم والقيادة.. وكيف تتوحد وهي ترى نفسها أدق فهما، وأقدر على فهم واقع الأمة وحدها دون غيرها من الدعوات..بل ولربما ترى نفسها أولى بالخلافة والحكم.
والمتأمل في جل هذه الاختلافات يجدها ترجع بالجملة إلى أمرين:
الأول: الجهل بحقيقة الدعوة وأصولها ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم. وقد تعجب من هذا وتقول: وهل أحد اليوم يجهل حقيقة الدعوة وأصولها، بعد هذا التعدد الدعوي والفكري واختلافاته، والجواب نعم... لأننا بينا وأشرنا وأكدنا مراراً، على أصل كبير في طريق الدعوة الإسلامية، أكثر الدعاة والعاملين اليوم لا يلتفتون إليه مع أنه من أجل الأصول وأكبرها، وهو الأصل الوحيد بعد الكتاب والسنة الذي لو حققته الجماعات والدعوات، لرفع محل الخلاف والشقاق والنزاع بينهم، ولتوحدت صفوفهم، هذا الأصل يكمن في متابعة الصحابة والسلف الأول قبل كل شيء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نص على ذلك بقوله: « »..ثم قال: « » الحديث وقوله أيضاً: « ».
نعم فإن منهج السلف هذا هو الإسلام بصفائه وشموله.. وما الجماعات الدعوية العاملة اليوم إلا دعاة إلى هذا المنهج.. فلا يظنن ظان أن دعوته بديلاً عن منهج السلف أو مغايرة له..كلا، إنما الواجب أن تكون كل الدعوات إلى هذا المنهج فحسب.
فاختلاف الدعاة الآن في صورة فهمهم لمنهج السلف وطرق تطبيقه، فمن هنا يزعم كل فريق الصواب والمتابعة دون غيره، مع قرب أو بعد، في صحة هذه المتابعة أو خطأها.
فالدعوات السائدة لا ينبغي أن تكون بديلاً عن منهج السلف، وإنما يجب أن تكون إليه لا إلى غيره ولا إلى نفسها، هذا هو الذي تخبطت فيه بعض الدعوات اليوم، ولم تقف على حقيقة المتابعة لهذا المنهج. ومن جهل هذا الأصل الكبير فإن في دعوته قصور وخلل، أولاً لما أشرنا إليه، وثانياً لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا عند وقوع الاختلاف والتفرق في الأمة، وخروج الفرق النارية كذلك أن نلزم جماعة المسلمين التي وصفها بقوله: «الجماعة ما أنا عليه وأصحابي» فالمتأمل ببصيرة وفهم، يعلم جيداً الطريق الذي رسمه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته عند وقوع الافتراق والاختلاف.
ولست إلى اليوم أدري.. لماذا يختلف العاملون في الدعوة ومنهجها، وقد بينه الرسول هنا أشد بيان..؟؟ لعلي أقول إذاً إنه اتباع الهوى، ومجاراة النفوس على التحزب البغيض، والموالاة لغير الكتاب والسنة، ولكن نحسن الظن بإخواننا إن شاء الله.
الثاني:اتباع الهوى مع بعض العلم المجاري لهذا الهوى في القلب، فهذه العقبة الخطيرة من أعظم التحديات التي تواجه الحركة الإسلامية في هذه الظروف الحرجة، وما يقع من فصائل العمل الإسلامي خير شاهد على ما نقول، وهذا واقع مر لا يغفل عنه إلا من حبس نفسه في مكتب مكيف أو جلس يُنَّظرُ للحركة من برج عاجي!! فما زلنا نرى من أبناء الحركة الإسلامية من إذا تكلم عن جماعته التي ينتمي إليها ويدعو لها تغاضى عن جميع أخطائها ولو بُين له ذلك بالدليل من القرآن والسنة الصحيحة، وعارض نور الضُحى بنور السُّهى وظل يبرر ويبرر حتى تصل أخيراً هذا الأخطاء -أحياناً- إلى محاسن!
فجماعته هي جماعة المسلمين، وهى وحدها التي على الحق وما عداها من الجماعات فهي على الباطل، وكل ما تفعله جماعته فهو شرعي وكل ما يصدر عنها فهو الصواب، وكل تاريخها أمجاد، وكل رجالها وقادتها ملائكة!! فإن تحدث عن شيخه أو أميره في الجماعة، بالغ مبالغة كبيرة، فشيخه هو الأوسع علماً، والأقوى حُجة، والأنصع دليلاً، وإن قال شيخه قولاً صار حجةً لا ينبغي أن تناقش، وإن أفتى شيخه فتوى صارت مُلزمةً لا ينبغي أن تُرد، بل وقد يوالى ويعادى إخوانه عليها، علماً بأن الله تعالى ما تعبدنا بقول فلان أو فلان من العلماء والأئمة كلا، إنما تعبدنا بما جاء في القرآن الكريم وما صح عن رسوله الأمين وكل عالم أو إمام يؤخذ منه ويُرد عليه إلا المعصوم، فهو وحده الذي يؤخذ منه ولا يرد عليه، وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحىُ يوحى، ومن أجمل ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية -طيب الله ثراه- قوله: "وصاحبُ الهوى يُعميه الهوى ويصمٍّه، فلا يستحضر ما لله ورسوله في ذلك، ولا يطلبه ولا يرضاه بهواه، ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه، ويكون مع ذلك معه شبهة دين: أن الذي يرضى له ويغضب له أنه السَّنة، وأنه الحق، وهو الدين، فإذا قدر أن الذي معه، هو الحق المحض دين الإسلام، ولم يكن قصده أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، بل قصد الحمية لنفسه وطائفته أو الرياء، ليُعظم هو ويثنى عليه، أو فعل ذلك شجاعة وطبعاً، أو لغرض من الدنيا لم يكن لله، ولم يكن مجاهداً في سبيل الله فكيف إذا كان الذي يَّدعى الحق والسنة هو كنظيره، ومعه حق وباطل وسنة وبدعة ومع خصمه حق وباطل وسنة وبدعة؟!" وهذه العقبة الخطيرة -اتباع الهوى- تحتاج من الدعاة إلى صبر طويل وإلى جهاد مرير لهوى النفس وشهواتها والاستعلاء على رغباتها طاعة لله وطمعاً في رضاه وهذا لا يكون إلا بالتجرد والإخلاص والعمل ابتغاء مرضاة الله جل وعلا، بغض النظر على لسان من أُعلنت كلمةُ الحق ما دامت كلمةُ الحق ستقال، وبغض النظر عن من الذي سيرفع راية الإسلام ما دامت راية الإسلام ستظل مرفوعة خفاقة عالية تعانق كواكب الجوزاء، وبغض النظر عن مكاننا على طريق الدعوة هل هو في مكان الصدارة والقيادة أم هو في المؤخرة بين صفوف الجنود ما دام عملنا على طول الطريق خالصاً لله جل وعلا.
فالمقصود: أن هذين الأمرين:الجهل واتباع الهوى هما أشد العقبات على تنوعها، أما توحيد الصف المسلم لمواجهة الطغاة والظالمين في الداخل والخارج، فطريق النجاة وتوحيد الأمة والدعاة يرجع بعد كل هذا إلى:
1- رفع الجهل من النفوس والمناهج بحقيقة الدعوة وأصولها وفق الكتاب والسنة، ومتابعة أهل العلم في بيان ذلك.
2- الاتفاق على أن منهج السلف هو المنهج الإسلامي الوحيد الذي يحتوى في أصوله ومبادئه، أصول توحيد الأمة والصف المسلم، كما أنه يدعى إليه لا إلى غيره . فنحن ندعوا إلى الأصيل لا إلى البديل عنه، وكما جاء: "ومن شذ شذ في النار"، فيجب على الأمة اتباعه دون تذبذ أو التواء.
3- التجرد والإخلاص، وترك متابعة الأهواء والنفوس والمناهج التي تخالف الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح.
4- توحيد الهدف والغاية من كل هذه الدعوات، بأن يكون تحكيم شريعة الله في الأرض، وتعبيد الناس لهذا الشرع الذي هو تعبيد لهم لله وحده دون من سواه من البشر والقوانين والطواغيت.
5- ثم تربية الجيل المؤمن على ذلك، وكما أشرنا من قبل، عندها لن يتأخر وعد الله لنا بالنصر والتأييد والتمكين كما قال تعالى: {إِن تَنصُرُوا اللَّـهَ يَنصُرْكُمْ} [محمد:7].
عاطف عبدالمعز الفيومي
- التصنيف:
- المصدر: