أعمال تثقل الميزان
أوّل ما يثقل في الميزان، شهادة ألا إله إلا الله؛ لأنها كلمةُ الحق التي قامت بها السماوات والأرض، وأُنزلت الكتب، وأُرسلت الرسل من أجلها، وبلغ من عِظمها، وجليل وصفها.
- التصنيفات: التصنيف العام - الذكر والدعاء - أعمال القلوب -
كم تشدّنا مشاهد يوم القيامة، بأهوالها العظيمة، وأحوالها المخيفة، وبعيدًا عن أحداثها من حيث أنها تخالف المعهود للبشر من حال الحياة الدنيا، فإن أهمَّ المهمِّ الذي يُشغل بال كلّ من وقف في عَرَصَاتها وعاين أخبارها حينئذٍ، الجواب عن سؤالٍ عظيم: "هل أنا من الفائزين؟ أم من المُبْعدين؟".
ولا شك أن ملامح الإجابة ستتكشّف عند الميزان الذي ستوزن به أعمال العباد، فمتى ثَقُلت كفّة الحسنات كُتبت لصاحبها السعادةُ والنجاة، وإذا كان الرُجْحان لكفّة السيّئات، فيا ويل صاحبها من الخزي المهين، والعذاب الأليم، إن لم يمنّ الله عليه بعفوه وغفرانه.
وإذا كانت الأعمال الصالحة التي تحصل بها النجاة يوم القيامة، تتفاضل في وزنها عند الله، فإن ذوي الألباب الكاملة، والعقول الراجحة سيبحثون عن أهم الأعمال التي تُثقل الميزان؛ ليجعلوا لها الأولويّة المطلقة والمساحة الأكبر من أعمالهم الصالحة، فيُكثروا منها، ويشتغلوا بها، لأنّ قليلها يعدلُ الكثير من غيرها، ولعلّ بعض (مثاقيل الأعمال) هي أقلُّ جهدًا وأيسرُ ممارسةً من أعمالٍ هي دونها في الأجر، وأكثرُ جهدًا في التطبيق.
فلذلك كان هذا الموضوع الذي سنحاول من خلاله التعرّف على أهم الأعمال ذات الوزن الأكبر، في ميزانٍ لا يثقل إلا بالحسنات والسيئات.
وأوّل ما يُقال هنا: أن كلّ حسنةٍ لها مكانها في الميزان، ولن يضيّع الله عملًا مهما كانت ضآلته وحقارتُه: {إِنَّ اللَّـهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء:40]، {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة:7-8]، ولربما كانت نجاة العبد في ذلك العمل الذي احتقره، فكان الميلُ اليسير لكفّة الحسنات بسببه، إلا أن الأهم أن نسعى في تحصيل الأعمال التي لها شأنٌ كبيرٌ عند الله سبحانه وتعالى، وأوّلها ولا شك: أداء الفرائض والواجبات، بنصّ حديث النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه عن ربّه تبارك وتعالى: « » ( أخرجه البخاري)، ثم يأتي بعدها في المرتبة، ما يكون من النوافل والمستحبّات، وسوف يرد ذكرُ شيءٍ منها في ثنايا الموضوع.
وعلى أية حال، فإن أوّل ما يثقل في الميزان، شهادة ألا إله إلا الله؛ لأنها كلمةُ الحق التي قامت بها السماوات والأرض، وأُنزلت الكتب، وأُرسلت الرسل من أجلها، وبلغ من عِظمها، وجليل وصفها، ما جاء في الحديث القدسي: « » ( رواه النسائي في السنن الكبرى، والحاكم في مستدركه). وليس الأمرُ تمثيلًا مجرّدًا، بل إن هذه المفاضلة الحاصلة بين لا إله إلا الله، وبين غيرها من الأعمال، ستحصل يوم القيامة، ودليلها حديث (البطاقة) الذي رواه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « » (رواه الترمذي وابن ماجه).
ومن مثاقيل الأعمال، التسبيح والتحميد، والتهليل والتكبير، وورد في ذلك حديث أبي هريرةرضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « » (متفق عليه).
ويذكر ابن عباس رضي الله عنهما، عن جويرية زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه عليه الصلاة والسلام خرج من عندها لصلاة الفجر وهي في حجرتها تذكر الله، ثم رجع وقت الضّحى، وهي جالسة، فقال لها: « » قالت: نعم، فقال لها: « » ( رواه مسلم).
ويتأكّد الذكر بعد الصلوات المكتوبة، لقوله صلى الله عليه وسلم: « » ( رواه أصحاب السنن).
ومكارم الأخلاق ومحاسنها، لا يكاد يعدلها غيرها من الأعمال الصالحة، نفهم ذلك من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال « » (رواه الترمذي).
ويشهد لمعناه ما جاء عن عائشة رضي الله عنها، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « » (رواه أبو داود)، وهذا الرفعةُ الحاصلة لصاحب الخلق الحسن إنما ترتّبت على مثقال الخلق الحسن في الميزان، كما يُفهم من الحديث.
ولمن فقد ولدًا صالحًا، فعزّ عليه ذلك الفراق، أعظمُ سلوى وأكبر بشارة، حين يصبرّ على مرّ هذا الابتلاء، فعن أحد موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: « » ( رواه أحمد).
بل إن اتباع الجنائز والصلاة عليها، لهما أعظم الأجر وأثقلُه، فعن أبيّ بن كعب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم-قال: « » ( رواه أحمد)، والقيراط هو مقدارٌ من الأوزان، ويعدلُ يوم القيامة جبل أحد.
فبمثلِ هذه الباقيات الصالحات، ترتفع درجة العامل في أعالي الجنان، ويزداد قدره، ويزكو عمله، ولمثلِ هذا فليعملِ العاملون.