حضور مَن يستَحيي منه!
قال ابن القيِّم في حقيقة الحَيَاء: "قال صاحب المنازل: الحَيَاء: مِن أوَّل مدارج أهل الخصوص، يتولَّد مِن تعظيمٍ منوطٍ بودٍّ. إنَّما جَعَل الحَيَاء مِن أوَّل مدارج أهل الخصوص: لما فيه مِن ملاحظة حضور مَن يستَحيي منه، وأوَّل سلوك أهل الخصوص: أن يروا الحقَّ سبحانه حاضرًا معهم، وعليه بناء سلوكهم.."...
شاب يعلم أن أباه يُراقِبه مراقبةً شديدة.. فهو يستحيي أن يفعل ما يسيئ خوفًا من عقاب أبيه وهيبة منه.. وعند التيقن من غياب الوالد يُسارِع نفس الشاب في فعل كل ما كان يستحيي منه.
والسؤال: أين الخشية من الله؟!
فتاةٌ عفيفة قريبة من قلب والدتها التي ربَّتها على الأدب والحشمة، وهي لا تفارق ابنتها إلا أوقات الدراسة أو التواجد في أماكن عامة... والفتاة تستحيي أن يصدر منها ما يخدش حيائها أمام أمها.
وفي وقت التأكد من غياب الأم.. إذا بها تُحدِّث هذا على المنتدى الفلاني أو يصدر منها ما يخدش حياءها في الدردشة الفلانية أو ترى ما يستحيل أن تراه أمام أمها من مواقع.
والسؤال.. أين الحياء من الله وقت الخلوات؟!
عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنهَ: "عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: « ».. قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا، أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ! قَالَ: « »" (رواه ابن ماجة في سننه، وصحَّحه الألباني في السلسلة الصحيحة).
قال ابن القيِّم في حقيقة الحَيَاء: "قال صاحب المنازل: الحَيَاء: مِن أوَّل مدارج أهل الخصوص، يتولَّد مِن تعظيمٍ منوطٍ بودٍّ. إنَّما جَعَل الحَيَاء مِن أوَّل مدارج أهل الخصوص: لما فيه مِن ملاحظة حضور مَن يستَحيي منه، وأوَّل سلوك أهل الخصوص: أن يروا الحقَّ سبحانه حاضرًا معهم، وعليه بناء سلوكهم. وقوله: إنَّه يتولَّد مِن تعظيمٍ منوطٍ بودٍّ. يعني: أنَّ الحَيَاء حالة حاصلة مِن امتزاج التَّعظيم بالمودَّة، فإذا اقترنا تولَّد بينهما الحَيَاء، والجنيد يقول: إنَّ تولُّده مِن مشاهدة النِّعم ورؤية التَّقصير، ومنهم مَن يقول: تولُّده مِن شعور القلب بما يستحيي منه، فيتولَّد مِن هذا الشُّعور والنُّفرة، حالةٌ تُسَمَّى: الحَيَاء، ولا تنافي بين هذه الأقوال، فإنَّ للحياء عدَّة أسباب" (مدارج السَّالكين: [2/253]).
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: