الدعوة بالموسيقى.. شريعة من؟

منذ 2008-03-11

والدعوة إلى الله تعالى من أجل القربات, وأسمى الطاعات, ولا يمكن أن تكون الوسيلة المحرمة مبررة بناء على ما يترتب عليها من ثمرات...


طالعتنا جريدة المدينة السعودية في عددها الصادر في الثالث من شهرصفر1427هـ, بعنوان (سامي يوسف: غناء عن الإسلام والرسول بموسيقى البوب).

وليس الجديد في الأمر هو الثناء على المغنين أو تصديرهم كنجوم أو قدوات لشباب الأمة فقد تعودنا على مثله وأمثاله من جرائدنا العربية العتيقة. وقنواتنا الفضائية [1]. ولكن أن يورد الموقف بلا تعليق ولا تعقيب, وكأنّ الأمر لا يمس الدعوة الإسلامية بقليل ولا كثير. فالجريدة مررت الأمر بما قد يفهم البعض منه أنّ الموسيقى وسيلة للدعوة, وهو ما وقع فعلا, فقد جادلني بعض الأقارب, وبعض الطلاب في قاعة الدرس, في جدوى الموسيقى التي تصاحبها معاني سامية كالحديث عن الدين أو الرسول صلى الله عليه وسلم, فهي بديل عن الغناء الساقط في مضامينه, كما لها أثر في تقريب غير المسلمين إلى الإسلام , وأنّ ما يحسنه الشخص فليدعو به وينبغي علينا ألاّ نحجر واسعا.
هذا قولهم.

وقبل الجواب عن ما يقال من تبريرات ومغالطات, أود أن أشير إلى أنّ الرجل صاحب هدف وهو ما عبر عنه بقوله: "الروحانية مفقودة في الغالبية العظمى.. المناخ التجاري هيمن على عالم الفن.." فجاء ليقدم رسالة إيجابية ويروج من خلال الموسيقى للقيم الجيدة.

فنقول: كم من مريد للخير لم يصبه, والنية الحسنة لا تشفع لصاحبها ما لم ينضبط سعيه بالهدي النبوي. فالمقرر عند علماء السلف من المتقدمين والمتأخرين أنّ الإخلاص في العمل سواء كان قولا أو عملا أو اعتقادا, والمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم, هما شرط صحة يترتب عليهما القبول والرد. فميزان انضباط الباطن حديث عمر بن الخطاب في الصحيحين: «إنّما الأعمال بالنيات», وميزان انضباط الظاهر حديث عائشة عند مسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد».

قال العلامة حافظ الحكمي ـ رحمه الله ـ:

شرط قبول السعي أن يجتمعا *** فيه إصابة, وإخلاص معا

والدعوة إلى الله تعالى من أجل القربات, وأسمى الطاعات, ولا يمكن أن تكون الوسيلة المحرمة مبررة بناء على ما يترتب عليها من ثمرات, لأننا متعبدون بالأمر والنهي, ولسنا متعبدين بالثمرات, فالنبي يأت يوم القيامة وليس معه أحد, فما ظنكم و تلك الوسيلة ملغاة شرعا [2]. فكيف نتعبد بما نهينا عنه!؟.

الغناء المصحوب بآلات محرمة اتفق العلماء على تحريمه, وقد حكى الاتفاق جمع من الأئمة كابن الجوزي, وابن الصلاح والقرطبي, وابن تيمية, وابن القيم, وابن باز والعثيمين والألباني وغيرهم كثير من قبل ومن بعد. ولا فرق بين ما صحب بآلة فكانت مضامينه حسنة أو سيئة, فعِلَّة المنع قائمة وهي اقترانه بالآلة الموسيقية [3]. وقد سئل شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ عن جماعة يجتمعون على فعل الكبائر من القتل وقطع الطريق والسرقة وشرب الخمر.. ثم إنّ شيخا من المشايخ المعروفين بالصلاح واتباع السنة قصد منع هؤلاء ممّا يقعون فيه, فلم يتمكن إلاّ أن يقيم لهم سماعا يجتمعون عليه وهو بدف بلا صلاصل, مع غناء المغني بشعر مباح بغير شبابة, فلما فعل تاب منهم جماعة, وأصبح من لا يصلي ويسرق ولا يزكي يتورع عن الشبهات, ويؤدي المفروضات, ويجتنب المحرمات, فهل يباح مثل فعل الشيخ على تلك الحال, لما يترتب عليه من المصالح مع أنّه لا يمكن دعوتهم بغيره؟

فأجاب شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ جوابا متينا [4], وانظر كيف يعالج العلماء الربانيين الجزئيات في ضوء الكليات, ويربطون بين فروع الشريعة وأصولها, فقد ربط الجواب بأصل عظيم جامع وهو الاعتصام بالكتاب والسنة, ويمكن تلخيص كلامه ـ رحمه الله ـ على شكل نقاط:

1)- أنّ الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى, ودين الحق, ليظهره على الدين كله, وكفى بالله شهيدا. وأنّه أكمل له ولأمته الدين. كما قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} [سورة المائدة: من الآية 3].

2)- أنّ الله تعالى أمر الخلق أن يردوا ما تنازعوا فيه من دينهم إلى ما بعث به صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [سورة النساء: من الآية 59].

3)- من المعلوم أنما يهدي الله به الضالين, ويرشد به الغاوين, ويتوب به على العاصين, لابد أن يكون فيما بعث الله به الرسول صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة, وإلاّ فإنّه لو كان ما بعث الله به الرسول صلى الله عليه وسلم لا يكفي لكان دين الله ناقصا محتاجا تتمة.

4)- العمل المشتمل على مصلحة ومفسدة, إن غلبت مصلحته على مفسدته فإنّه يكون مشروعا, لأنّ الشارع حكيم عليم. وإن غلبت مفسدته على مصلحته أو تساوتا المصلحة والمفسدة لم يشرع. ومثل شيخ الإسلام بالخمر والميسر, فيهما منافع لكن لما غلبت المفسدة حرمهما الله تعالى.

5)- ما يراه النّاس من الأعمال مقربا إلى الله, ولم يشرعه الله ورسوله, فإنّه لابد أن يكون ضرره أعظم من نفعه وإلاّ فلو كان نفعه أعظم, وكان غالبا على ضرره لم يهمله الشارع.

6)- لا يجوز أن يقال: إنّه ليس في الطرق الشرعية التي بعث الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم ما يتوب به العصاة, فإنّه قد علم بالاضطرار والنقل المتواتر أنّه قد تاب من الكفر والفسوق والعصيان من هو شر من هؤلاء, بل السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار, ومن تبعهم بإحسان وهم خير أولياء الله المتقين, من أمة محمد صلى الله عليه وسلم قد تابوا إلى الله تعالى بالطرق الشرعية, لا بالطرق البدعية.

فيتبين أنّ استعمال الوسائل المحرمة كالموسيقى وغيرها, في الدعوة إلى الله, أو في تحبيب الخير إلى النّاس أو تبغيض الشر إليهم, هو أمر لا يجوز لسببين:

الأول: لأنّ المعازف محرمة أصلا, سواء كانت الكلمات حسنة أو سيئة.

الثاني: أنّ استعمالها في الدعوة تقرب إلى الله بما لم يشرع.

والله أعلم.


--------------------------------------------


[1] ففي قناة الجزيرة أجرى أحمد منصور في برنامجه الشهير (بلاحدود) لقاء مع سامي يوسف, واستعرض معه ألوان العزف على الآلات الغربية والشرقية. والله المستعان.

[2] وسائل الدعوة منها ما شهد له الشرع بالاعتبار, ومنها ما شهد له الشرع بالإلغاء, ومنها ما سكت عنه فهو محل اجتهاد ونظر وفق القواعد والضوابط الشرعية.

[3] ولمعرفة أدلة التحريم من الكتاب والسنة وأقوال العلماء أحيل القارئ الكريم على كتاب (تحريم آلات الطرب) للشيخ العلامة المحدث محمد ناصر الألباني ـ رحمه الله ـ.

[4] انظر جوابه في مجموع الفتاوى: (11/620- 635), وهو جواب جدير بالمطالعة والتأمل, ولا يغني عنه التلخيص, لعظيم نفعه.


المصدر: طريق الاسلام

سعد بن مقبل الحريري

ماجستير من جامعة أم القرى في أصول الفقه

  • 5
  • 1
  • 8,751
  • ابو عبد العزيز

      منذ
    [[أعجبني:]] اننا متعبدون بالامر والنهي لا بثمرة الامر والنهي وربط الامر بما اتفق عليه الجهابزة من العلماء وليس بأقوال شاذة هنا او هناك والبحث عن ثغرة لنحلل الموسيقي او غيرها
  • إبن فريج

      منذ
    [[أعجبني:]] سبحان الله هذا دين الله أندعو إليه بما حرمه سبحانه وتعالي إن الألات الموسيقيه والله لتسكر سامعها كما يسكر شارب الخمر وأسأل الله جل وعلي أن يحفظنا منها وأن يهدي كل عاصي
  • وليد

      منذ
    [[أعجبني:]] ليس العيب علي الأخ سامي يوسف و إنما علي الذين أفتوه بجواز ذلك بل و شجعوه عليه
  • عاشقة الرسول

      منذ
    [[أعجبني:]] الحقيقةان اللذين يستعملن الالات الموسيقية فى_ الانشاد_يبررونه بأقوال ببعض مشاييخ ودعاة هده الامة والله اعلم
  • عبد الفتاح

      منذ
    [[أعجبني:]] الأدلة الشرعية والاستنباط
  • الطيب الصافي

      منذ
    [[أعجبني:]] المقال كله رائع ويحمل ادله وجمل رائعه وان كان الصوفيه المبتدعه على حق فليردوا ان استطاعوا ليرونا حججهم الباطله
  • الفيزيائي

      منذ
    [[أعجبني:]] ان المقبلين على الدين بالموسيقى اقبلوا للموسيقى لا للدين وانتقلوا من معصية الى بدعة وكانوا يعلمون امهم على خطأ وهم الان يجهلون واقول اين الاستسلام لله ومحاربة الهوى وتزكية النفس ان كان كل محبوب مباحا
  • ابو القسا م

      منذ
    [[أعجبني:]] اود ان اوجه اخى كا تب مقا ل الدعوةبالموسيقى..شريعةمن.ان ينظر بعين الانصاف الى كتاب الدكتور يو سف القرضاوى حول مشروعية الغناء وهل هو حلال ام حرام و اقوال العلماء فى هدا الشان بين المعارضين للغناء والمجيزين له بضوابط..ومع احترامي لك اخى فانت عرضت الراى الا ول دون ان تبين الوجه الثا نى للقضية..فالانصاف فى الامر يحتم عليك-اخى-دلك
  • mot9iya

      منذ
    [[أعجبني:]] asalamo 3alykom wa rahmato llahi ta3ala wa barakatouh ama ba3d jid jamil jazakom allaho gayra liana jami3 alat al ginaa hiya men mazamir al chaytan wa chokran lakom 3ala atwdih liana al oma fi gatar [[لم يعجبني:]] malam ya3jiboni howa ana al nas lazalo yatrahona al asila hado mafroug minh liana maharamho allah la ni9acha fih wa baraka allaho fikom
  • {يهام

      منذ
    [[أعجبني:]] المقال كله رائه جزى الله تعالى كاتبه خير الجزاء . أكثر ما أعجبني تقرير حقيقة أننا متعبدون بالأمرو النهي و ليس بثمرة ذلك الأمر و النهي . كذلك حينما وجه النقد لسامي يوسف فإنه لم يغفل التذكير بنبل هدفه .. و لكن الغاية لا تبرر الوسيلة . مقال جداً رائع.

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً