مُصافحةُ المرأةِ الأجنبيَّةِ
إن مما فشا وانتشر في هذا الزمن؛ منكرٌ من المنكرات التي حذَّر منها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أشدَّ التَّحذيرِ،وقد سمعنا مَنْ يُفتي ولا حول ولا قوة إلا بالله بجواز ذلك الأمرِ، ألا وهو مصافحة المرأة الأجنبية.
الحمد لله حمداً يرضاه، ونشكره شكرا ً يُقابل نعماه، وإن كانتْ غيرَ مُحصاة، امتثالاً لأمره، لا قياماً بحق شكره، لا نُحصي ثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه، والصلاة السلام الأتمَّان الأكملان على عبده ونبيه المجتبى ورسوله المرتضى، خاتم الأنبياء وإمام الأتقياء، وسيد المرسلين وخليل رب العالمين، وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار.
وبعد:
أيها الأحبة: إن مما فشا وانتشر في هذا الزمن؛ منكرٌ من المنكرات التي حذَّر منها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أشدَّ التَّحذيرِ،وقد سمعنا مَنْ يُفتي ولا حول ولا قوة إلا بالله بجواز ذلك الأمرِ، ألا وهو مصافحة المرأة الأجنبية، وسنذكر إن شاء الله تعالى حكمَ الإسلام في هذا الأمر؟
اتفق علماءُ الأمة من السلف والخلف من أهل التفسير والحديث والفقه وغيرهم على تحريم مصافحة المرأة الأجنبية، ولم يُعرفْ لهم مخالفٌ على مرِّ العصور والأزمان، إلا ما أُحدث في هذا العصر من قولٍ شاذٍّ،يرى صاحبُهُ أنَّ مُصافحة المرأةِ الأجنبيَّةِ من قبيل المباح.
والأدلةُ على تحريمِ مُصافحةِ المرأةِ الأجنبيَّةِ كثيرةٌ منها:
أولاً: حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: "كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى النبي صلى الله عليه وسلم يمتحنهن بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} [الممتحنة من الآية:10]. قالت: من أقر بهذا الشرط من المؤمنات، فقد أقر بالمحنة[1]، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقررن بذلك من قولهن، قال لهن رسـول الله صلى الله عليه وسلم: « ». لا والله ما مسَّتْ يدُ رسولِ اللهِ يدَ امرأةٍ قطُّ، غير أنه يُبايعهن بالكلامِ"[2].
وفي روايةٍ للبُخاريِّ عن عائشة، قالت: "فمن أقرَّ بهذا الشرط من المؤمنات، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد بايعتك، كلاماً. لا والله ما مسَّتْ يـدُهُ يـدَ امرأةٍ قطُّ في المبايعة، ما بايعهن إلا بقولِهِ: « »"[3].
وفي روايةٍ أخرى لحديث عائشة، عند ابن ماجه: "ولا مسَّتْ كفُّ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كفَّ امرأةٍ قطُّ، وكانَ يقولُ لهنَّ إذا أخذ عليهن: « »؛ كلاماً"[4].
قال الحافظ ابن حجر: "قوله: "قد بايعتك كلاماً"؛ أن يقول ذلك كلاماً فقط، لا مصافحة باليد، كما جرت العادة بمصافحة الرجال عند المبايعة"[5].
وقال الإمام النووي " قولها: "والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط غير أنه يبايعهن بالكلام"، فيه أن بيعة النساء بالكلام من غير أخذ كفٍّ، وفيه أنَّ بيعة الرجال بأخذِ الكَفِّ مع الكلام، وفيه أنَّ كلام الأجنبية يُباح سماعُهُ، وأنَّ صوتَها ليس بعورةٍ، وأنه لا يلمسُ بشرةَ الأجنبيَّةِ من غيرِ ضرورةٍ، كتطبيب، وفصدٍ"[6].
ثانياً: عن أُميمة بنت رقيقة رضي الله عنها، قالت: "أتيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم في نسوةٍ نُبايعه، فقلن: نبايعك يا رسول الله على أن لا نشرك بالله شيئاً، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيك في معروف، فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: « »، قالت: فقلنا: الله ورسوله أرحمُ بنا من أنفسنا هلم نبايعك يا رسول الله، فقال: « »" (رواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، ومالك، وأحمد، وابن حبان، والدار قطني)[7].
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح[8].
وقال الحافظ ابن كثير: هذا إسناد صحيح[9].
وقال الشيخ ناصر الدين الألباني: إسناده صحيح[10].
وهذا الحديثُ يبين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصافح النساء في البيعة، وهو نص صريح في ذلك، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يصافح النساء في البيعة، فمن باب أولى أنه لم يصافح النساء في غير البيعة.
فالرسول صلى الله عليه وسلم مع عصمته ترك مصافحة النساء، فعلينا أن نترك ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أسوتنا وقدوتنا.
ثالثاً: عن معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: « » (رواه الطبراني، والبيهقي).
قال المنذري:"رجال الطبراني ثقات رجال الصحيح"[11].
وقال الشيخ الألباني: "رواه الروياني في مسنده، وهذا سند جيد، رجاله كلهم ثقات من رجال الشيخين، غير شداد بن سعيد فمن رجال مسلم وحده، وفيه كلام يسير لا ينزل به حديثه عن رتبة الحسن، والمِخْيَط: بكسر الميم وفتح الياء، ما يُخاطُ به كالإبرةِ. وفي الحديث وعيدٌ شديدٌ لمن مسَّ امرأةً لا تحلُّ له،ففيهِ دليلٌ على تحريمِ مُصـافحةِ الـنِّساءِ؛ لأنَّ ذلك ممـا يـشمله المس دُونَ شَكٍّ"[12].
وبهذا يتبين تحريم مصافحة الأجنبية. إن الترخص في ذلك حرام من صريح المخالفة الشرعية، والحمد لله رب العالمين[14]".
___________
(1) فسر ابن عباس رضي الله عنهما المحنة بقوله: وكانت المحنة أن تستحلف بالله أنها ما خرجت من بغض زوجها, ولا رغبت من أرض إلى أرض, ولا التماس دنيا, ولاعشقاً للرجل منا, بل حباً لله ولرسوله تفسير القرطبي [18/62].
(2) صحيح البخاري مع فتح الباري [11/345] [346]، صحيح مسلم شرح النووي [13/10].
(3) المصدر السابق [10/261].
(4) صحيح سنن ابن ماجة رقم [2324].
(5) فتح الباري [10/261].
(6) شرح النووي على مسلم [13/10].
(7) سنن الترمذي [4/151] [152]، سنن النسائي [7/149]، سنن ابن ماجة [2/959]، الموطأ ص [538]، مسند أحمد [6/357]، الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان [10/417].
(8) سنن الترمذي [4/152].
(9) تفسير ابن كثير [4/352].
(10) سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث رقم [529] المجلد الثاني.
(11) صحيح الجامع الصغير [2/1205] حديث رقم [7177].
(12) الترغيب والترهيب [3/39].
- التصنيف: