أزمة الخبز والغلاء، معيشة ضنكا
ممدوح إسماعيل
والمعيشة الضنك نتيجة لسبب ذكره الله هو الإعراض عن كتابه الكريم،
والمسئولية تنقسم بين الحكومات والشعوب في تلك النتيجة، نعم فالحكومات
بدَّلت شرع الله الرحمن الخالق المنزَّه سبحانه وتعالى بالقانون
الفرنسي ......
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
تعصف ببلاد المسلمين أزمات عديدة يطول الحديث فيها، لكن كان لافتًا أن أزمة غلاء الأسعار شملت بلدانًا عديدة، وتأثر منها عموم الناس وإن كانت بِنَسَب مختلفة من دولة إلى دولة، لكنها أزمة واضحة في بلاد المسلمين، واشتدت حتى وصلت إلى أزمة في رغيف الخبز في أكبر بلد إسلامي، ألا وهو مصر، وبدأت بزحام شديد لافت حول المخابز، وتفاقمت حتى وصلت إلى المعارك والقتال حول رغيف الخبز، وسقط قتلى وجرحى في مشهد مأساوي يُنْبِئ بشَرّ خطير محدق، وانبرى الكثيرون يحلِّلون الأسباب الظاهرية حول الأزمة، وإن كان أهمها:
1- الاعتماد على استيراد القمح، وهو سلعة استراتيجية، وتقليص مساحة زراعته، فمصر من أكبر دول العالم استيرادًا للقمح، فهي تستورد 6 ملايين طن قمح سنويًّا، وتنتج محليًّا 6 ملايين طن، ومعدل الاستهلال 13 مليون طن.
2- نقص المخزون الاستراتيجي نتيجة زيادة الأسعار ثلاث مرات في السوق العالمي للقمح.
3- سوء التوزيع وسوء التصرف، في المنتج وسوء إدارة الأزمة؛ نتيجة الفساد وانعدام الكفاءة في القيادات.
4- الزيادة الكبيرة في السكان التي تلتهم الإنتاج والمخزون. والكثير من الأسباب الظاهرة، ولكن هل كان يخفى على المخططين لإدارة البلاد النمو السكاني ومتطلباته الاستراتيجية؟ ثم يبقى تساؤل مهم لماذا لا يتوسع في زراعة القمح محليًّا بدلاً من زراعة الفواكه؟ وبلد مثل مصر بها مساحات شاسعة من الأراضي! وحتى لا تتعرض البلاد لأزمة اقتصادية، وأيضًا سياسية باستغلال المُصَدِّر حاجة البلاد للقمح فيملي شروطه.
ثم لا يفوتني الإشارة إلى سبب آخر مهم، ظاهر وخفي، غاب عن فهم الأزمة ألا وهو أنه من الممكن أن تكون أزمة مفتعلة سواء بتخطيط دولي، وخاصة من الولايات المتحدة أكبر مُصَدِّر للقمح، والتي كانت المُصَدِّر الأول للقمح لمصر، ولكن مصر نوَّعت من أماكن الاستيراد، واتجهت لكازاخستان بعد اكتشاف تدخل الهندسة الوراثية في القمح المُصَدَّر لمصر من أمريكا؛ لذلك بات واضحًا أن الأزمة مقصود منه الضغط على القرار السياسي، وابتزازه لشيءٍ ما يدور في الخفاء. أما إقليميًّا، فمقصود منه، تغييب الوعي العام وشغل الرأي العام في مشكلة أساسية تخص قُوته وطعامه، في ظل مشاكل سياسية معقدة، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، خاصة كقضية فلسطين التي بات موقف الحكومات العربية مثيرًا لضيق وحَنَق الشعوب وغضبها.
وذلك السبب ليس ضربًا من الخيال في ظل المفهوم عن خطط حكومية، معروفة في أي دولة، سواء تخطيط استيراد القمح، أو تنظيم المخزون الاحتياطي منه. لكن هناك سبب شرعي حقيقي للأزمة مع صحتها وواقعيتها قد غفل الكثيرون عمدًا أو سهوًا عنه، وهو الذي ذكره الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم في سورة طه بقوله سبحانه: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} [سورة طه: 124] وكما قال المفسرون، فالإعراض عن ذكر الله هو السبب الحقيقي، وذكر الله هو القرآن، هو كتاب الله، هو شرع الله. كما قال سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [سورة الحجر: 9] فالحق سمى كتابه الذكر، والأمة أعرضت عن كتاب الله، سواء بالغفلة أو الجحود أو التكذيب، أو تبديل شرعه، كلها معاني تدور حول الإعراض عن كتاب الله وضياعه من حياة المسلمين حكومات وشعوب. فعاش الناس معيشة ضنكًا، وحتى تلك المعيشة اختلفوا في تسميتها فمرة يسمونها غلاءً، وأخرى تضخمًا، ومرة فقرًا، ومرة فسادًا، وأحيانًا يغلّفونها بسوء التخطيط، أو يطلقون عليها أزمة اقتصادية، وأسماء كثيرة رغم أن الجميع يعلم بالمعايشة أن الحياة أصبحت معيشة ضنكًا كما قال القرآن.
والمعيشة الضنك نتيجة لسبب ذكره الله هو الإعراض عن كتابه الكريم، والمسئولية تنقسم بين الحكومات والشعوب في تلك النتيجة، نعم فالحكومات بدَّلت شرع الله الرحمن الخالق المنزَّه سبحانه وتعالى بالقانون الفرنسي، قانون نابليون المخلوق الذي يتبول ويتغوط، ولم يتوقف الإعراض عند هذا، بل امتد إلى معاداة الدعاة المصلحين وظلمهم، وتشجيع كل فكر ورأي يخالف الإسلام، وامتد إعراض الحكومات إلى موالاة أعداء الله، وشاع ظلم الناس، وضاع العدل، وانتشر تقنين الفساد وحمايته بكل أشكاله وأنواعه من موبقات وكبائر جهارًا نهارًا تحت ستار الفن والسياحة، وكان من أخطرها الربا الذي اعتمد عليه كل اقتصاد حكومات المسلمين، وكثرت البنوك الربوية في كل مكان، وقد وعد الله بحرب من عنده لمن أكل الربا، وقد احتُلَّت بلاد المسلمين من اليهود والصليبيين، وخرجت منها أصوات استغاثة المسلمين المظلومين والأرامل واليتامى، وارتفع أنينهم، فلم يجدوا نصيرًا من حكومات المسلمين، فماذا يكون الجزاء من الله؟!
إنه الضنك؛ جزاء وفاقًا، ومهما فعلت وأعدت الحكومات من خطط اقتصادية لن يفلحوا فالحق يقول: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [سورة يونس: 81]. أما الشعوب المسلمة، فإعراضهم لا يخفى؛ فمنهم من لا يلجأ لحكم الله فيما يقع من خلاف بينهم، ومنهم تارك للصلاة تمامًا، ومنهم مانع للزكاة، الذين يكنزون المال ويبخلون به، ومنهم الذين يشركون بالله عند القبور، ومنهم من لا يذهب للحج مع قدرته واستطاعته، ومنهم من يوالي الكافرين ويحبهم، ويعادي ولا يوالي المسلمين، ومنهم من رضي وسكت عن انتهاك محارم الله أمامه، ولا يتحرك ولا يغار على محارم الله، ومنهم من يأكل الربا، ومنهم من تخرج نساؤه كاسيات عاريات متبرجات، ومنهم من يتعاطى الخمر، ومنهم من يمارس الفاحشة، ومنهم من لا يتورع عن الكبائر جهارًا نهارًا، ومنهم ومنهم ومنهم، وضاعت الأمانة وانتشر الكذب حتى لم يبق معصية حذرنا منها اللهُ ورسولُه إلا ووقعت بين المسلمين، وانقلب المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، وضاعت تمامًا معالم خير أمة أخرجت للناس إلا ما رحم ربي من المخلصين القابضين على الجمر، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
فماذا بعد ذلك كله، والحق سبحانه وعد وأكد أن من أعرض عن كتابه الكريم وأحكامه وأوامره فإن له معيشة ضنكًا، وهي حياة يعيش فيها الناس في همّ وغمّ وأحزان، رغم أنهم يمتلكون الأسباب لكنها لا تنفعهم بشيء.
وأخيرًا فإن حل الأزمة يبدأ بفهمها فهمًا صحيحًا، ودراسة الأسباب، وضع اليد على الأخطاء، وتقرير العلاج، ثم بعد ذلك وقبل البدء في أي خطوة أو خطة للإصلاح لا بد أن تتوضأ الأيدي المخطِّطة، وتتوجه إلى الله فهو الخالق الرازق سبحانه {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [سورة يس: 82]، ولتحقيق ذلك التوجه لا بد للأمة حكامًا ومحكومين من مراجعة تصحِّح فيها الأوضاع، ترجع فيها إلى الله، وإلى كتابه الكريم تستلهم منه الخير والحق؛ حتى تكون العيشة طيبة وليست ضنكًا.
ا
ممدوح اسماعيل محام وكاتب [email protected]
المصدر: موقع لواء الشريعة