الترغيب في القناعة
من اتصف بتلك الصفات حصل على مطلوبه، وظفر بمرغوبه في الدنيا والآخرة.
- التصنيفات: تربية النفس - تزكية النفس - محاسن الأخلاق -
أولًا: في القرآن الكريم
- قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [النحل:97].
عن محمد بن كعبٍ في قوله تعالى: {وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}، قال: "القناعة" (القناعة والتعفُّف؛ لابن أبي الدنيا: [61]).
وفسَّرها علي بن أبي طالب رضي الله عنه أيضًا: "بالقناعة" (انظر: تفسير القرآن العظيم؛ لابن كثير: [2/346]).
وعن الحسن البصري قال: "الحياة الطيبة: القناعة" (جامع البيان؛ للطبري: [14/351]).
- وقال تعالى: {إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [النور من الآية:32].
قال البغوي: "قيل: الغنى: هاهنا القناعة" (معالِم التنزيل: [6/40]، وذهب إلى ذلك أيضًا الخازن؛ لباب التأويل: [3/294]).
- وقال سبحانه: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج من الآية:36].
قال الطبري: "وأما القانع الذي هو بمعنى المكتفي؛ فإنه من قنعت بكسر النون أقنع قناعة وقنعًا وقنعانًا" (جامع البيان؛ للطبري: [16/569]).
وقال مجاهد: "القانع: جارك الذي يقنع بما أعطيته" (جامع البيان؛ للطبري: [16/563]).
وقال أبو إسحاق الثعلبي: "القانع من القناعة، وهي الرضا والتعفُّف وترك السؤال" (الكشف والبيان؛ للثعلبي: [7/23]).
وقال الرازي: "قال الفراء: والمعنى الثاني القانع هو الذي لا يسأل من القناعة، يقال: قنع يقنع قناعةً إذا رضي بما قسم له وترك السؤال" (مفاتيح الغيب؛ للرازي: [23/226]).
- وقال تعالى: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة من الآية:201].
قال النسفي: "{وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً} عفوًا ومغفرة، أو المال والجنة، أو ثناء الخلق ورضا الحق، أو الإيمان والأمان، أو الإخلاص والخلاص، أو السنة والجنة، أو القناعة والشفاعة.." (مدارك التنزيل؛ للنسفي: [1/172]).
وقال أبو حيان في تفسير قوله تعالى: {حَسَنَةً}: "القناعة بالرزق، أو: التوفيق والعصمة، أو: الأولاد الأبرار.. قاله جعفر" (البحر المحيط: [2/310]).
- قال تعالى: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الانفطار:13].
قال الرازي: "قال بعضهم: النعيم: القناعة، والجحيم: الطمع" (مفاتيح الغيب: [31/80]).
وقال النيسابوري: "وقال آخرون: النعيم: القناعة والتوكل" (غرائب القرآن ورغائب الفرقان: [6/460]).
ثانيًا: في السنة النبوية
- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « » (رواه مسلم: [1054]).
قال ابن حجر: "ومعنى الحديث: أن من اتصف بتلك الصفات حصل على مطلوبه، وظفر بمرغوبه في الدنيا والآخرة" (فتح الباري؛ لابن حجر: [11/275]).
وقال المناوي: "« »، وقنَّعه الله بالكفاف، فلم يطلب الزيادة" (فيض القدير: [4/508]).
وقال المباركفوري: "« » أي: ما يكف من الحاجات، ويدفع الضرورات. « » أي: جعله قانِعًا بما آتاه" (تحفة الأحوذي: [4/508]).
وقال القرطبي: "أنَّ من فعل تلك الأمور واتصف بها فقد حصل على مطلوبه، وظفر بمرغوبه في الدنيا والآخرة" (المُفهم لما أشكل من تلخيص مسلم: [3/99]).
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه "أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يومًا يُحدِّث -وعنده رجلٌ من أهل البادية- « »، قال: « ». فقال الأعرابي: والله لا نجده إلا قرشيًّا، أو أنصاريًّا، فإنهم أصحاب زرعٍ، وأما نحن فلسنا بأصحاب زرعٍ. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم" (رواه البخاري: [2348]).
قال ابن بطال: "وقوله: « »، يدلُّ على فضل القناعة، والاقتصار على البُلغَة، وذمِّ الشَّرَهِ والرغبة" (شرح البخاري: [6/489]).
وقال ابن حجر: "وفيه إشارةٌ إلى فضل القناعة، وذمِّ الشَّرَهِ" (فتح الباري: [5/27]).
- وقال صلى الله عليه وسلم: « » (رواه مسلم: [1055]).
قال ابن حجر: "أي: اكفهم من القوت بما لا يرهقهم إلى ذُلِّ المسألة، ولا يكون فيه فضولٌ تبعث على الترفُّه والتبسُّط في الدنيا. وفيه حجةٌ لمن فضَّل الكفاف؛ لأنَّه إنما يدعو لنفسه وآله بأفضل الأحوال" (فتح الباري: [11/275]).
وقال النووي: "قال أهل اللغة العربية: القُوت ما يسدُّ الرَّمَق، وفيه فضيلة التقلل من الدنيا، والاقتصار على القوت منها، والدعاء بذلك" (شرح النووي على صحيح مسلم: [7/146]).
- وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « »[1].
وقال المناوي: "« » أي: غداؤه وعشاؤه الذي يحتاجه في يومه ذلك.
يعني: من جمع الله له بين عافية بدنه، وأمن قلبه حيث توجَّه، وكفاف عيشه بقوت يومه وسلامة أهله؛ فقد جمع الله له جميع النعم التي من ملك الدنيا لم يحصل على غيرها، فينبغي أن لا يستقبل يومه ذلك إلا بشكرها؛ بأن يصرفها في طاعة المُنعِم، لا في معصية، ولا يفتر عن ذكره" (فيض القدير: [6/68]).
وقال المباركفوري: "« » أي: كفاية قوته من وجه الحلال، « »: والمعنى فكأنما أُعطي الدنيا بأسرها" (تحفة الأحوذي: [7/10]).
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » قلت: أنا يا رسول الله! فأخذ يدي فعدَّ خمسًا، فقال: « »[2].
قال المناوي: "« » أي: أعطاك « » فإنَّ من قنع بما قسم له، ولم يطمع فيما في أيدي الناس استغنى عنهم، ليس الغنى بكثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس" (التيسير بشرح الجامع الصغير: [1/27]).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]- (رواه الترمذي: [2346]، وابن ماجة: [3357]، والبخاري في الأدب المفرد: [300]، والبيهقي في شعب الإيمان: [7/294] [10362]، والمنذري في الترغيب والترهيب: [1/335] من حديث عبيد الله بن محصن رضي الله عنه. قال الترمذي: "حسنٌ غريبٌ من هذا الوجه"، وقال البيهقي: "أصح ما روي في الباب". وصحَّحه الشوكاني في فتح القدير: [2/44]، وحسَّنه الألباني في صحيح سنن الترمذي).
[2]- (رواه الترمذي: [2305]، وابن ماجة: [3417]، وأبو يعلى في المسند: [11/113] [6240]، والطبراني في (المعجم الأوسط: [7/125] [7054]، والبيهقي في شعب الإيمان: [7/78] [9543]. قال الترمذي: "غريبٌ لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان والحسن لم يسمع من أبي هريرة رضي الله عنه". وقال ابن عساكر في معجم الشيوخ [2/790]: "حسنٌ غريب، وحسَّنه ابن حجر في تخريج مشكاة المصابيح: [5/8]، كما قال في المقدمة، والألباني في صحيح سنن الترمذي).