الجناية الدنمركية - تأمّلات في ضياء { لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم }
« والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، لا يهودي ولا نصراني، ثم يموت و لم يؤمن بالذي أرسلت، إلا كان من أصحاب النار »
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد رسول
الله، حجة الله على الخلق، القائل: « والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه
الأمة، لا يهودي ولا نصراني، ثم يموت و لم يؤمن بالذي أرسلت، إلا كان
من أصحاب النار ».
أمَّا بعد، فهذه خواطر وإلماحات سريعة من واقع الجناية الدنمركية وما
قاربه، ربما حجبت عن بعضنا، رأيت تدوين ما يسّر الله منها، عسى الله
أن ينفع بها، وأن يجعلنا وإياكم في زمرة الناصرين لنبيه محمد صلى الله
عليه وسلم.
* عظيم هذا الدِّين لا يُغالب، بل هو ظاهر على الدين كلِّه، قوي هذا
الحق لا يُغلب، مهما قلّ أتباعه على الحقيقة، هو كالعجين في أسوء
حالات النيل منه، يُضغط في قبضة اليد بشدّة وعنف، فيخرج من بين
الأصابع -رغماً عن الحاقد- دون أن ينقص منه شيء، وكأنَّما هو يتحدّى،
فبـدل أن كان محشوراً في مكان، إذا هو يخرج من كل مكان!!
* نظرت إلى الصور التي رسمها الرّسامون اللبراليون في الجريدة
الدنمركية، التي تتربع على عنوانها نجمة سداسية!! فلم أر فيها غير صور
الرسامين الوقحين ذاتهم.
وإن زعموا أنها خيالاتهم القذرة، فليس لما رأيناه أي ارتباط بالحبيب
صلى الله عليه وسلم؛ فإنَّ من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في
المنام على غير صفته الخَلقية والخُلقيّة فما رآه؛ وقد قال صلى الله
عليه وسلم: « من رآني في المنام فقد
رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي ».
وهكذا شياطين الدنمرك لن تبلغ منه شتيمة، وإنَّما تشتم رسومات رسمتها،
وكأنَّما يعنيهم بقوله صلى الله عليه وسلم في كفّار قريش: « انظروا كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم،
إنهم يشتمون مذمَّما ويلعنون مذمما. وأنا محمد »!
فو الله إنِّي لأتخيل في الرسومات من رسمها ليس إلا، كيف ونحن نعرف
وصف محمد صلى الله عليه وسلم: الجمال والكمال، وما لقائل فيه مدخل،
وقد عرف قدره العقلاء، حتى من المستشرقين المنصفين من غير أهل
الإسلام، وما وصفوه إلا بالثناء، ولو وجدوا خلافه لما تأخّروا.
* رأينا خُلق العداوة والحقد فيما يطرحه (الآخر) رأي العين، فصار علم
اليقين عندي عين اليقين: { قَدْ بَدَتِ
الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَاتُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ
قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } [آل
عمران:118].
* وجدنا اللبرالية في صورتها الحقيقية -دون رتوش أو تسويق مغشوش-،
وجدناها كما هي فكراً وأيدلوجية، لا مجرد وسيلة وآلية، كما يحاول
استغفالنا متلقوها بالسند النازل!!
وجدنا اللبرالية على حقيقتها: فكراً لا يعترف بالثوابت والمقدّسات في
أيِّ دين، وسلّم نيلٍ من مسلّمات المسلمين.
وأرجعوا في بيان هذه الحقيقة إلى عدد من كتب من يُسمّون بالمحافظين
الغربيين، وعلى سبيل المثال: كتاب ( موت الغرب) لباتريك جيه. بوكانن،
ولا سيما ربع الكتاب الأخير.
وأمَّا إن عدتم إلى المنتديات العربية التي ترعى اللبرالية، فلن
تحتاجوا دليلاً يثبت ما أقول، غير قراءة العناوين: فهي في كثير منها
ما بين احتقار للدين، وشتم للمتدينين، ونيل من المسلّمَات العقدية،
والشرائع الدينية، وتشكيك في الخالق، وهيام في المخلوق، وأما إن أردت
-أخي- المشاركة فيها للاعتراض على النيل من الثوابت ووصف القرآن
بالأساطير، فستأتيك اللبرالية في حقيقتها، ويأتيك المشرف بكل وقاحة،
ليعلن الزندقة قائلاً: هذه حرية رأي، الكاتب طرح ما لديه، ولا أرى في
ذلك قدحاً في القرآن!! وحينها لا تتعجب من انتساب هذا للبرالية، فهي
الزندقة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، لكنك لن تجد بداً من العجب ممن
ينتسب للبرالية ويدعي أنَّه مسلم عادي، هكذا يصف بعضهم نفسه هنا، نقول
له بهدوء: إذاً فلست ليبراليا، فاحمد الله على العافية.
وعوداً إلى الفقرة ذاتها، واستشهاداً بالواقع في الجناية الدنمركية
أقول: ألم تدفع الحكومة الدنمركية اعتراضات المسلمين عليها بحجة
أنَّها حكومة ليبرالية!!
وأنَّ الحزب الحاكم حزب ليبرالي، وهو إنَّما يطبِّق مقتضيات اللبرالية
في عدم اعتراضه على سوء الأدب في النيل من المقدسات ، حتى ول تعلق
الأمر بالأنبياء كل الأنبياء؟!
ألم يقف عدد كثير من رجال الدِّين الدنمركيين مع المسلمين في رفض هذه
الفكرة ؟
أظن أنَّ الوقوف في وجه اللبرالية من كل الأطياف الدينية هو بعض
السِّرّ في المسألة، فاللبرالية فكر لا يعرف شيئاً مقدساً سوى النخبة
التي تروِّجه، والأفكار القلقة التي يطرحها، واللبرالية ذات عمق يهودي
صهيوني، (أسأل الله عز وجل أن ييسر كشفه بالوثائق كما وعدنا بعض
الأساتذة الخبراء)، ولعلكم رأيتم النجمة السداسية البرتقالية التي
تتربع على عنوان صحيفة ( اليولاندس بوستن)، التي تولت كبر هذا الإفك
على خير البرية صلى الله عليه وسلم، فلست أدري ما سرّها مع أنَّ علم
البلد يحمل الصليب!
* ألم تروا اللبراليين العرب قد تضامونا مع أولئك بالسكوت عنهم، على
أمل أن تمرّ العاصفة دون أن ينالهم منها شيء؟! فهم إمَّا أن يقفوا مع
الأمَّة ويعلنوا الولاء للعقيدة الإسلامية وقدسيتها، وحينئذٍ يُبطِلون
الفكر الذي ينتسبون إليه من أساسه، أو أن يسوِّغوا لأولئك جنايتهم؛
والتسويغ ليس سوى اعترافاً بالتطرف الفكري للبرالية، وكلا الأمرين
-عند كثير منهم- مرَّ مذاقه، وهو يكشف أكثر من أن يستر! وأمَّا الخيار
الذي نودّه لهم فهو: أن يُثبتوا للأمة أنَّهم مؤمنون حقاً، لا يُقرّون
النيل من رسل الله عز وجل ومن خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم؛
فيشاركوا في حملة الأمَّة مشاركة إيجابية، ويتوقّفوا هم عن النيل من
الدِّين تحت مسميات مختلفة، منها (التأويل) على غير علم، الذي استند
إليه رئيس تحرير الصحيفة الدنمركية في تسويغ فعلته القذرة، وحينئذ -
فقط - ستقتنع الأمَّة بأنَّهم منها، وسنعلم أنَّهم صادقون.
* رأيت أنَّ هذا الهجوم في باطنه نوع من الدعاية لنا، وهي مكسب، نعم
إنَّها دعاية غير مقصودة، لكنَّها تبقى مدافع معادية، إلا أنَّها مثل
مدافع سنغافورة، موجهة في الاتجاه الخاطئ ، كما يصف جيمس كيرث نظرية
صامويل هنتنغتون صراع الحضارات في ناشيونال انترست.
كان التجار الدنمركيون يُصدرون لنا، دون أن يعلم الشعب الدنمركي من
نحن وأين نعيش؟ لكنَّهم الآن لا يعرفون كبار المستوردين فقط، بل عرفوا
عنا أكثر من ذي قبل، عرفوا حتى محلاتنا التجارية التي أعلنت
مقاطعتهم!
* رأيت أنَّ الأمَّة لا يحدها حدود، ولا تحتويها أقاليم، وهنا نحيي
الجالية الإسلامية الدنمركية التي استنفرت الأمة في نصرة النبي صلى
الله عليه وسلم، فلم يرعبها سجن بعض قياداتها، ولم يرهبها التلويح لها
بالأذى، فهي تمشي بخطوات سلمية عاقلة متزنة، تسلك الآلية الديمقراطية
وفق المباح المتاح.
* رأيت أنَّ الوعي بأدوات الضغط العصرية الشرعية، قد وصل إلى قدر جيد
من النضج على جميع المستويات، في زمن أقلّ مما كنّا نتوقع: الشعبية
والرسمية، فرأينا النهضة القوية في التلويح بالمحاكمة للجناة، والبدء
بذلك، وتكرار المحاولة، واستخدام آلية متطورة في المناورة. ورأينا
دخول الجامعة العربية على الخط، بشكل لم نكن نتوقعه من قبل، { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ
هُوَ } [المدثر:31].
* كما رأينا الدعوة إلى المقاطعة الاقتصادية تحت شعار (إذا كان لكم
حرية الرأي، فإنَّ لنا حرية الاختيار)! رأينا التجار الشرفاء يصدرون
قرارات المقاطعة داخل مؤسساتهم التجارية، رأينا الأطفال يتساءلون كم
الرقم الرامز للصناعة الدنماركية! رأينا ورأينا ورأينا، فاللهم لك
الحمد والمنّة.
ونتمنى لو وقِّعت مواثيق شرف في هذا الشأن بين رجال الأعمال، فكم في
ذلك من نفع، ولو لم يكن سوى التخويف والردع، وإنَّا لنتطلع للمزيد
بإذن الله تعالى.
* وجدنا أمامنا الكثير من الخيارات والأفكار التي طرحها كثيرون من
حملة همِّ نصر الدين على اختلاف مستوياتهم، فليتنا نجمعها ونفعِّل ما
يمكن تفعيله منها، فهي أفكار جاءت بعد عصف ذهني من الأمة وليس من
أفراد أو فئات معينة، وبعضها متقدِّم جداً، يدل على اعتزاز كبير
وعظيم، كادت الأمة تفقده بعد سلسلة من النكسات المحدودة التي طالما
عمّمنا آثارها، حتى شعر بعضنا بالهزيمة النفسية، وما أقسى انهزام
العزيز، وأتعس انحناء الحر.
* رأيت أن الحملات الإسلامية والجهود السابقة في قضايا مماثلة، قد
أثمرت ثماراً يانعة، ولم تكن كما كان يقال: مجرد ردِّ فعل، فالنصر
ووسائل النصر تراكمية، وإن فرح الأعداء بسكونها حينا من الدّهر. {
وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ
إِيمَانَكُمْ } [البقرة:143]، فليتنا نعيد النظر في كثرة جلدنا
للذات!!
وصدق الله العظيم: { إِنَّا لَنَنصُرُ
رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ
يَقُومُ الأَشْهَادُ } [غافر:51].
- التصنيف: