(4) المعاهدة مع اليهود
وكانوا ثلاث قبائل: بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة، وحاربه الثلاثة، فمنَّ علىٰ بني قينقاع، وأجلىٰ بن النضير، وقتل بني قريظة وسبىٰ ذريتهم
- التصنيفات: السيرة النبوية -
الحدث الرابع عشر خلال هذه السنة
عقد النبي صلى الله عليه وسلم معاهدة مع اليهود بالمدينة
الشرح
قال ابن القيم: "ووادع رسول الله صلى الله عليه وسلم مَن بالمدينة مِن اليهود، وكتب بينه وبينهم كتابًا، وبادر جدهم وعالمهم عبد الله بن سلام، فدخل في الإسلام، وأبىٰ عامتهم إلا الكفر.
وكانوا ثلاث قبائل: بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة، وحاربه الثلاثة، فمنَّ علىٰ بني قينقاع، وأجلىٰ بن النضير، وقتل بني قريظة وسبىٰ ذريتهم، ونزلت سورة الحشر في بني النضير، وسورة الأحزاب في بني قريظة (زاد المعاد [3/58-59]).
وفيما يلي شروط هذه المعاهدة:
1. إنَّ اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.
2. وإنَّ يهود بني عوف[1] أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم موالهيم وأنفسهم إلا من ظلم نفسه[2] وأثم فإنه لا يُوْتغ[3] إلا نفسه وأهل بيته.
3. وإنَّ لِيهود بني النجار مثل ما لِيهود بني عوف.
4. وإن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف.
5. وإن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف.
6. وإن ليهود بني جُشم مثل ما ليهود بني عوف.
7. وإن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف.
8. وإن ليهود بن ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف، إلا من ظلم وأثم، فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته.
9. وإنَّ جَفْنة بطن من ثعلبة كأنفسهم[4].
10. وإنَّ لبني الشُّطبة مثل ما ليهود بني عوف، وإنَّ البر دون الإثم[5].
11. وإنَّ موالي ثعلبة كأنفسهم[6].
12. وإنَّ بطانة يهود كأنفسهم[7].
13. وإنه لا يخرج منهم أحدٌ إلا بإذن محمد، وإنه لا ينحجز علىٰ ثأر جُرحٍ[8].
14. وإنه من فتك فبنفسه فتك وأهل بيته إلا من ظلم، وإن الله علىٰ أبرِّ هذا[9].
15. وإنَّ علىٰ اليهود نفقتهم، وعلىٰ المسلمين نفقتهم، وإنَّ بينهم النصر علىٰ من حارب أهل هذه الصحيفة، وإنَّ بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإثم.
16. وإنه لا يأثم امرؤ بحليفه، وإن النصر للمظلوم[10].
17. وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين.
18. وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة[11].
19. وإنَّ الجار كالنفس غير مضار ولا آثم[12].
20. وإنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها[13].
21. وإنَّ ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث، أو شجار يُخاف فساده فإنّ مردَّه إلىٰ الله وإلىٰ محمد رسول الله وإنَّ الله علىٰ أتقىٰ ما في هذه الصحيفة وأبرِّه[14].
22. وإنه لا تُجار قريش ولا من نصرها[15].
23. وإنَّ بينهم النصر علىٰ من دهم يثرب[16].
24. وإذا دُعُوا إلىٰ صلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم يصالحونه ويلبسونه، وإنهم إذا دُعُوا إلىٰ مثل ذلك، فإنَّ لهم ما علىٰ المؤمنين إلا من حارب في الدين علىٰ كل أُناس حصَّتهم من جانبهم الذي قِبلهم[17].
25. وإنَّ يهود الأوس مواليهم وأنفسهم علىٰ مثل ما لأهل هذه الصحيفة وإن البر دون الإثم، لا يكسب كاسب[18] إلا علىٰ نفسه، وإنَّ الله علىٰ أصدق ما في هذه الصحيفة وأبرِّه.
26. وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم، وإن الله جار لمن برَّ واتقىٰ، ومحمد رسول الله[19].
--------------------------------------------
[1]- بنو عوف قبيلة عربية، ولكنهم كانوا كجميع الأوس والخزرج تكون المرأة فيهم مقلاتٌ، أي لا يعيش لها ولد، فتجعل علىٰ نفسها إن عاش لها ولدٌ أن تهوَّده (أخرجه أبو داود [2682]، وصححه الألباني)، فمن ذلك تهوَّد بعضُ أبناء العرب وعاشوا بين قبائل اليهود.
[2]- فالذي تعدّىٰ حدود الله وارتكب إثمًا، ينال عقابه لا يحول الكتاب دون ظالم ولا آثم.
[3]- يهلك.
[4]- الجفنة: وعاءُ الأطعمة، وجمعها جفان، ومنه قول الله تعالىٰ {وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ} [سبأ من الآية:13]، والبطن: أصلها الجارحة، ويطلقها العرب علىٰ فرع القبيلة، فالقبيلة الكبيرة يتفرع منها قبائل صغيرة تسمىٰ بطون، وإنما سُميت بذلك كناية علىٰ أنَّ جميع فروع القبيلة كالعضو الواحد، والجسد الواحد، والمعنىٰ: المبالغة في شدة تحريم أموال المعاهدين وأعراضهم، بأنه من استحل مثل هذا الشيء البسيط الزهيد، وهي جفنة الطعام، من بطن من بطون القبيلة، فكأنما انتهك حرمة جميع أشخاص القبيلة أنفسهم.
[5]- أي إنَّ البر ينبغي أن يكون حاجزًا عن الإثم، والوفاء ينبغي أن يمنع من الغدر.
[6]- فحرمة عبيدهم كحرمة أحرارهم.
[7]- بطانة الرجل: صاحب سرِّه الذي يشاوره في أحواله (نهاية).
[8]- منع هذا البند اليهود من الخروج من المدينة إلا بعد استئذان الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا القيد علىٰ تحركاتهم ربما يستهدف بالدرجة الأولىٰ منعهم من القيام بنشاط عسكري، كالمشاركة في حروب القبائل خارج المدينة مما يؤثر علىٰ أمن المدينة واقتصادها (السيرة النبوية الصحيحة، د/أكرم العمري [1/290-291]).
وإنه لا ينحجز علىٰ ثأر جرح: أي لا تُحْجَز القبيلة من الخروج إذا كان خروجها للثأر ولو كان هذا الثأر جُرحٌ. والله أعلم.
[9]- الفتك: أن يأتي الرجل صاحبه وهو غافل، فيقتله (نهاية)، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: « » (أخرجه أبو داود [2769]، وصححه الألباني). وإن الله علىٰ أبرِّ هذا: أي إن الله وحزبه المؤمنين علىٰ الرضا به (تهذيب سيرة ابن هشام)، عبد السلام هارون.
[10]- كان من عادات قبائل العرب قبل الإسلام وبعده التحالف فيما بينهم، فكانت تجتمع القبيلتان أو الثلاثة أو أكثر من ذلك فيتحالفون فيما بينهم علىٰ أن يكونوا كالقبيلة الواحدة، لا يعتدي بعضهم علىٰ بعض أولًا، ثم من أغار علىٰ قبيلة منهم فكأنما أغار علىٰ جميعهم، فعليهم نصر القبيلة التي أُغير عليها.
فبين هذا البند أنه إذا ارتكب قوم من حلفاء أصحاب تلك الصحيفة إثما، فالإثم علىٰ الحلفاء، لا يتحمل أصحاب هذه المعاهدة إثم غيرهم من حلفائهم.
[11]- قد أعتبرت منطقة المدينة حرمًا بموجب هذا البند، والحرم هو مالا يحل انتهاكه، فلا يقتل صيده، ولا يقطع شجره، وحرم المدينة بين الحرَّة الشرقية والحرَّة الغربية وبين جبل ثور في الشمال وجبل عير في الجنوب، ويدخل وادي العقيق في الحرم، وبذلك أحلَّت هذه المادة الأمن داخل المدينة ومنعت الحروب الداخلية (السيرة النبوية الصحيحة [1/292]).
[12]- أي من استجار بأحد من أصحاب هذه المعاهدة تكون حرمته كحرمتهم لا يضارُّ، ولكن لا يجار أحد ارتكب إثمًا أو ظلمًا لأحد.
[13]- أي إذا استجار أحدٌ فلا يُجارُ إلا بإذن أهله.
[14]- اعترف اليهود بموجب هذا البند، بوجود سلطة قضائية عليا يرجع إليها سائر سكان المدينة بما فيهم اليهود، لكن اليهود لم يُلزموا بالرجوع إلىٰ القضاء الإسلامي دائمًا بل فقط عندما يكون الحدث أو الاشتجار بينهم وبين المسلمين، أما في قضاياهم الخاصة وأحوالهم الشخصية فهم يحتكمون إلىٰ التوراة ويقضي بينهم أحبارهم، ولكن إذا شاءوا فبوسعهم الاحتكام إلىٰ النبي صلى الله عليه وسلم، وقد خير القرآن الكريم النبي صلى الله عليه وسلم بين قبول الحكم فيهم أو ردهم إلىٰ أحبارهم، {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة:42] (السيرة النبوية الصحيحة [1/291]).
[15]- قد منع هذا البند اليهود من إجارة قريش أو نصرها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستهدف التعرض لتجارة قريش التي تمر غربي المدينة في طريقها إلىٰ الشام، فلابد من أخذ هذا التعهد لئلا تؤدي إجارتهم لتجارة قريش إلىٰ الخلاف بينهم وبين المسلمين (السيرة النبوية الصحيحة [1/29]).
[16]- دهم يثرب أي فاجأها بحرب، فيكون جميع من دخل في هذه المعاهدة حماة للمدينة.
[17]- امتدت المعاهدة بموجب هذا البند، لتشمل حلفاء المسلمين وحلفاء اليهود من القبائل الأخرىٰ، إذ شرطت المادة علىٰ كل طرف مصالحة حلفاء الطرف الآخر لكن المسلمين استثنوا قريشًا -إلا من حارب في الدين- لأنهم كانوا في حالة حرب معهم (السيرة النبوية الصحيحة [1/292]).
[18]- أي: يكسب إثمًا.
[19]- انظر: (سيرة ابن هشام [2/66-68])، (السيرة النبوية الصحيحة [1/282-285]).