وكذلك ننجي المؤمنين
قصة يونس عليه السلام وفضل دعاء (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين).
{لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}.. وردت هذه الآية الكريمة في سورة الأنبياء في الآية رقم 87، وهذه الكلمات الجليلة الجميلة قالها ذو النون حين ظن أنه لا ملجأ ولا منجى له إلا الله سُبحانه وتعالى.
وذو النون -أي صاحب الحوت- هو نبي الله يونس بن مَتَّى عليه وعلى نبيينا الصلاة والسلام. وقد بعثه الله سُبحانه وتعالى إلى أهل قرية (نينوى) وهي قرية من أرض المَوصِل بالعِراق. فدعاهم يونس عليه السلام إلى الإيمان بالله وحده فأبوا إلا الكُفر والضلال.
فخرج يونس عليه السلام مُغاضبًا لربه منهم ووعدهم بالعذاب بعد ثلاث، وبيَّن لهم علامات العذاب. فلما تبين قومه صدق ما قال وتحققوا منه وعلموا أنه النبي الذي أرسله الله إليهم، تضرعوا إلى الله عزَّ وجل أن يرفع عنهم العذاب فرفع الله عنهم العذاب كما قال تعالى: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آَمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [يونس:98].
أما يونس عليه السلام فلما تركهم وخرج ركِب في سفينةٍ البحرَ ولما كانوا بوسطه هاجت الرياح وارتفعت الأمواج، فاقترعوا على رجلٍ يُلقونه في البحر، فوقعت القرعة على يونس عليه السلام. فأبوا أن يُلقوه لِمِا توسموا فيه من سمات التقوى والصلاح، فأعادوا القرعة مرة ثانية وثالثة فكان لا يخرج إلا سهمه عليه السلام. كما قال تعالى: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات:141]. أي كان من الخاسرين لهذه القرعة.
فقام يونس عَليه السلام وألقى بنفسه في البحر، فبعث الله إليه حوتًا ليلتقمه أي ليبتلعه وأمر الله الحوت ألا يؤذي سيدنا يونس عليه السلام. وهناك في هذه الظلمات؛ في ظلمة بطن الحوت وظلمة البحر وظلمة الليل كما قال ابن مسعود وغيره- قام يونس عليه السلام يُصلي ويدعو ربه ويستغفره لما بدَرَ منه ودعا ربه بهذه الكلمات الرقراقة الجميلة: لا إله إلا أنت سُبحانك إني كُنتُ من الظالمين. فاستجاب ربنا جلَّ وعَلا لهذه الكلمات وقَبِل هذه الإنابة من عبده ونبييه يونس بن مَتَّى وأنجاه من بطن الحوت وأكرمه، كما قال تعالى: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ} [الصافات:143- 146].
روى سعد بن أبي وقاص رَضِي الله عنْهُ والحديث رواه أحمد في المسند أنه قال: "مَرَرْتُ بِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فِي الْمَسْجِدِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَمَلَأَ عَيْنَيْهِ مِنِّي ثُمَّ لَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ، فَأَتَيْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلْ حَدَثَ فِي الْإِسْلَامِ شَيْءٌ؟ مَرَّتَيْنِ قَالَ: لَا، وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا إِلَّا أَنِّي مَرَرْتُ بِعُثْمَانَ آنِفًا فِي الْمَسْجِدِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَمَلَأَ عَيْنَيْهِ مِنِّي ثُمَّ لَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ. قَالَ: فَأَرْسَلَ عُمَرُ إِلَى عُثْمَانَ فَدَعَاهُ، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ لَا تَكُونَ رَدَدْتَ عَلَى أَخِيكَ السَّلَامَ؟ قَالَ عُثْمَانُ: مَا فَعَلْتُ. قَالَ سَعْدٌ: قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: حَتَّى حَلَفَ وَحَلَفْتُ. قَالَ: ثُمَّ إِنَّ عُثْمَانَ ذَكَرَ فَقَالَ: بَلَى وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ إِنَّكَ مَرَرْتَ بِي آنِفًا وَأَنَا أُحَدِّثُ نَفْسِي بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا وَاللَّهِ مَا ذَكَرْتُهَا قَطُّ إِلَّا تَغَشَّى بَصَرِي وَقَلْبِي غِشَاوَةٌ. قَالَ: قَالَ سَعْدٌ: فَأَنَا أُنْبِئُكَ بِهَا. إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ لَنَا أَوَّلَ دَعْوَةٍ ثُمَّ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَشَغَلَهُ حَتَّى قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاتَّبَعْتُهُ، فَلَمَّا أَشْفَقْتُ أَنْ يَسْبِقَنِي إِلَى مَنْزِلِهِ ضَرَبْتُ بِقَدَمِي الْأَرْضَ فَالْتَفَتَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنْ الظَّالِمِينَ} »" (الراوي: سعد بن أبي وقاص المحدث: أحمد شاكر- المصدر: مسند أحمد - الصفحة أو الرقم: 3/36- خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح).
» قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: « » قَالَ: قُلْتُ: لَا وَاللَّهِ إِلَّا أَنَّكَ ذَكَرْتَ لَنَا أَوَّلَ دَعْوَةٍ ثُمَّ جَاءَ هَذَا الْأَعْرَابِيُّ فَشَغَلَكَ. قَالَ: « {وهذه الدعوة جميلةٌ جليلة، ولِمَ لا وهي تحتوى على أصل كل الأصول ألا وهو التوحيد. كما أنه يحتوي على تمجيد الرب تبارك وتعالى وتنزيهه عن الشريك. بالإضافة إلى تذلل العبد للمعبود جلَّ وعَلا واعترافٌ بالذنب واستغفارٌ عما بدر.
ولهذا فإنه يُستحب الدعاء بهذا الدعاء عند الغم والهم وقد وعدنا الله سُبحانه وتعالى باستجابة الدعوة واليقين من النجاة حين الدعاء بها حيث قال سُبحانه: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء:88].
- التصنيف:
- المصدر: