القوة الذهنية للمسلم
إن تاريخ المسلمين الحديث وواقعهم أعطى انطباعًا فاسدًا عن المسلمين أنهم قليليو الذكاء عامةً.. حيث أن الشواهد التي تُري من إنتاج رديء على المستوى المادي والأدبي وتخلُّفٍ في ميداني التقنية والأخلاق.. لهم أدلة لهم اتخذوها على قلة ذكاء المسلمين...
فكرة الغرب عن المسلمين
إن تاريخ المسلمين الحديث وواقعهم أعطى انطباعًا فاسدًا عن المسلمين أنهم قليليو الذكاء عامةً.. حيث أن الشواهد التى تُري من إنتاج رديء على المستوى المادي والأدبي وتخلُّفٍ في ميداني التقنية والأخلاق.. لهم أدلة لهم اتخذوها على قلة ذكاء المسلمين.
أسباب تخلُّف المسلمين في نظر الغرب
إن العالم الغربي هو عالم يتسم بالجدية حتى في هزله! وأوضح ما يميزهم هو الصدق مع النفس..! فلا داعي لأحد منهم أن يقول أنه متدين ثم يفعلُ ما يخالف دينَه. وهم يظنون غيرهم كذلك! فلما رأونا نصلي خمس مرات في اليوم ونصوم رمضان ونحج البيت ونقول إننا لمسلمون، وهم ليسوا على دراية كافية بنفسية مسلمي اليوم..
بالإضافة إلى عدم الدراية بفهم قومنا الخاطئ للإسلام؛ فقد ربطوا بين كوننا مسلمين وبين كوننا متخلفين ماديًا وأدبيًا. فظنوا أن نموذج تكبيل الدين للتقدم العلمى الذي بُليت به أوروبا يتكرر مع المسلمين اليوم، ومما يُدمي الفؤاد ويزعج العقل أن بعضًا ممن ينتسِبون للإسلام اليوم تبنَّوا وروجوا لنفس الفكرة النكراء!
استثناء ملحوظ في فكرتهم
ولكن المتنبِه للأمر يكتشف أن الأمر ليس كذلك مع كل المسلمين وخصوصًا من يسافر للعمل بالخارج، فيجدون كثيرًا منهم يبلي بلاءًا حسنًا بل ويتفوق على أقرانه من غير المسلمين.
تفسيرات محتملة لديهم للاستثناء
1- أن القلة التي حظت بسفرها للغرب ما هي إلا نتيجة انتقاء طبيعي حدث؛ لأنهم حاربوا بقوةٍ حتى يحصلوا على هذه المكانة ولن يتسنى لذلك إلا للقلة الأذكياء من المسلمين.. فلا عَجَب إذن كون من يسافر بالخارج أذكى ممن هو قاعد ببلاده.
2- أن مسلمي المهجر نجحوا في التخلص من الهيمنة الدينية على حياتهم.. وبالتالي فقد كرَّروا خلاص أوروبا من هيمنة الكنيسة ومحاكم التفتيش ضد العلماء في نهايات عصور أوروبا المظلمة. وحيث أن الدين الإسلامي لا يختلف كثيرًا في نظر الغرب عن غيره من المِلل والنِّحل، فإنهم ظنوا أن تفسيرهم هذا لا يخلوا من علة.
فكرتنا عن المسلمين وواقعهم
لن أنبري هاهنا لأدافع عن واقع المسلمين.. فإن نظرة الغرب لواقع المسلمين في مجملها ومعظمها صحيحة. إلا أنهم جانبوا الصواب وجانبهم في جزء ليس بالقليل من تفسيرهم لهذا الواقع وتفسيرهم بالتالي لوجود استثناءت بين المسلمين وتفسير هذه الاستثناءات.
وفي الواقع إن جُلَّ غلطهم يكمُن في عدم فهم الإسلام حقيقيةً وجهلهم بتاريخ الإسلام. ولكي نكون منصفين فإن نظرتهم صحيحة تمامًا فقط لمن شابههم من "المسلمين" في عدم فهمه للإسلام وجهله بتاريخ المسلمين!
التعليق على الاستثناء الملحوظ
لا يستطيع أي من كان أن ينكر هذه الحقيقة الواضحة اليانعة؛ وذلك بأن البعض من الشباب المسلم الذكي أو متوسط الذكاء يتفوقون على غيرهم عندما يسافرون إلى الغرب وذلك بالطبع في أغلب الأحوال وليس في كلها.
موقفنا من تفسيراتهم للاستثناءات
1- أما التفسير الأول فنحن نتفق معهم فيه؛ فبالفعل.. من نحت في صخور التخلف في معظم بلاد المسلمين ونجح في السفر إلى الخارح من الطبيعي أن يتفوق على قرينه الغربي الذي يتمتع بنفس نسبة الذكاء، لأنه وصل إلى ما وصل إليه بكد وعناء وهذا يعطيه صلابة في تفوقه يندر وجودها عند قرينه الغربي.
2- أما التفسير الثاني فلنا فيه تأمُّل طويل فإنه لا يستقيم الرد عليه دون تفصيل ونبدأ بتقسيم مسلمي المهجر إلى أقسام:
أ- المسلمون الذي لا يفهمون الإسلام فهمًا صحيحًا ويعتقدونه تكبيلًا للإبداع المادي.
ب- المسلمون الذين يفهمون الإسلام فهمًا يقارب الفهم الصحيح ويعتقدونه أنه ليس مكبلًا للإبداع فلا تعارض بين العلم والدين وحسب.
ج- المسلمون الذين يفهمون الإسلام فهمًا يكاد يكون صحيحًا.. وهو أن الإسلام يشجع على الإبداع وليس فقط لا يكبله فهو يذكر في عدد لا أحصيه من الآيات القرآنية الكريمة على الأمر بإعمال الذهن والتفكُّر في خلق الله. ويفصل ذم الابتداع في أصل دين الله عن مدح وتشجيع بل وجوب الإبداع في العلوم المادية.
د- المسلمون الذين يفهمون الإسلام فهمًا صحيحًا وهو أن الإسلام لا يوجب الفكر والتفكر والإبداع فقط؛ وإنما يورث ذهن المؤمن رجاحة فكر وثقب بصيرة وحدة في الذكاء لا يتمتع بها غير المسلم!
الدليل من القرآن والسنة على القوة الذهنية للمسلم الحقيقي
1- كنت في مناقشة مع صديق عزيز قلفت نظري لملمحٍ دقيق في آية من سورة البقرة لم ألتفت إليها من قبل؛ قال تعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:9].
كنت لم ألتفت من قبل بأن المنافقين لا يفشلون في خداع الله تعالى وحسب -وبديهي أن يفشلوا في ذلك- ولكنهم أيضًا يفشلون في خداع الذين آمنوا -وهذا هو ما يحتاج لتأمُّل- وذلك لرجاحة في لُبهم ونور في ذهنهم رزقهما الله لهم نتيجة لإيمانهم.
2- إن القرآن الكريم صالح لكل مكانٍ وزمان.. ومما لا شك فيه أن الغلبة في المعارك في يومنا هذا تكون غلبةً فكريةً في معارك فكرية أو حقيقية، ولكن الفكر هو ذو اليد العليا في حسم المعارك، وحيث أن الله تعالى قد قال في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ} [الأنفال:65].
لاحظ نسبة الغلبة للمسلمين نتيجة لصبرهم "الفكري في هذا الاستدلال" (الاجتهاد في التفكير) مع عدم الفقه للكفار كتوطئة لهذا الاجتهاد..
قال تعالى أيضًا: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:66].
لاحظ هنا أن الفرق بين هذه الآية والتي قبلها هو قلة اجتهاد المؤمنين "فكريًا في هذا الاستدلال" {وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} مع عدم ذكر نقص فقه الكفار ولذلك فإن نِصاب النصر قد قل بنسبة الخُمْس.
وقال الله تعالى في سورة النمل: {قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ . فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ . وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ} [النمل:41-43].
وهذا دليل آخر على أنها ملكة سبأ.. لو كانت تؤمن بالله لاهتدت إلى حقيقة عرشها أنه هو وليس {كَأَنَّهُ هُوَ}.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ مما قد يكون سببًا فيه عِللٌ عقلية وذلك في الحديث الشريف: « » (رواه أصحاب السنن الأربعة).
الخلاصة
أن الإيمان يزيد المرء قوةً في عقله.. ونورًا في ذهنه.. وحصافة في قريحته.. هم ليسوا لمن لم يُنعِم الله عليه بالإيمان.
فلو تساوت كل ملكات الإنسان الوراثية والمُكتَسَبة من علوم مادية لكان إيمان المسلم في صالحه مقارنةً بقرينه الغير مسلم بزيادة في ذكائه بنسبة كبيرة.
ويكفى أن تَعَلُمَ المسلم العلومَ الماديةَ وتطبيقها في الخير هو عبادة عنده لله جل وعلى.
والله أعلم.
- التصنيف: